من ينتظر “عفوا” عن معتقلي الرأي؟
صدر قبل أيام المرسوم التشريعي رقم 22، والذي قضى بمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 23-2-2010، فشمل الجنح والمخالفات وجرائم الفرار من خدمة العلم، كما استثنى منها تلك المتعلقة بالدعارة وبعض الجنح الاقتصادية والمرتبطة بالمخالفات البلدية، إلى جانب جرائم مرتبطة بالفساد الوظيفي والإداري ومخالفات الجمارك وأخرى متعلقة بالآداب العامة.
وهذه هي المرة الثانية بعد مرسوم العفو الصادر في العام 2007 التي تشمل فيها مثل تلك الحالات، علماً أن آخر مرسوم عفو شمل الجرائم والعقوبات الجنائية صدر في العام 1988.
أما عدم شمول هذا المرسوم جرائم اختلاس وسرقة الأموال العامة فقد لقي ارتياحا واسعا، وهو أمر يتكرر للمرة الثانية في مراسيم العفو الرئاسية، بينما كان شمولها سابقا يلقى أشد الاستنكار، و تتبعه سرديات ساخرة ومؤلمة حول المستفيدين منه وشبكاتهم .
من حيث المبدأ، منح الدستور السوري الراهن رئيس الجمهورية سلطات واسعة، وسمت النظام الجمهوري بالطابع الرئاسي، فأخلّت بالتوازن بين السلطات الثلاث، وجعلت من السلطة التنفيذية سلطة مهيمنة على باقي السلطات، وتضاعف ذلك بما أضفته عليها الثقافة السياسية والتأخر التاريخي المجتمعي من صفات أبوية.
وهذا ما أعطى مراسيم العفو الرئاسي في بلدنا دورا كبيرا ينتظره مواطنونا بشكل شبه دوري، بدءا من مرتكبي مخالفات المرور مرورا بالجانحين إلى المهربين حتى عهد قريب!
بموازاة ذلك، صارت مناسبة مراسيم العفو تلك، نافذة الأمل الوحيدة لآلاف الأسر السورية التي طالما اعتقل أبناؤها تعسفيا، بموجب الأحكام العرفية وسطوة الأجهزة الأمنية المستمدة من سريان مديد لحالة الطوارئ، وبالتالي فإن عدم شمول مرسوم العفو الأخير لأي من المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، شكل خيبة أمل حقيقية لتلك العائلات، ورمى بها من جديد في دائرة المعاناة والانتظار الممض!
علما أن وظيفة العفو الرئاسي قد شرعها القانون أصلا، كي تفتح باب الأمل للمخطئين وتمنحهم فرصا جديدة لاستعادة المواطنة الصالحة، انطلاقا من منظور تربوي تسامحي لا يغلق باب العودة إلى حاضنة المجتمع الوطني الكبير.
وذلك لا ينطبق بحال من الأحوال على معتقلي الرأي من مختلف المشارب، والذين جردوا من حريتهم لمجرد ممارستهم حقوقهم المشروعة بالتعبير والمشاركة في الحياة العامة، واتهموا زورا بجرائم “تنال من الوحدة الوطنية أو تعكر صفو الأمة” بعد محاكمات صورية هزلية !
أولئك بأشخاصهم كمواطنين وأفراد، وبما يمثلونه كرموز للتيار الداعي إلى التغيير الديمقراطي السلمي وإقرار حقوق المواطنة والحريات العامة، لا ننتظر لهم “عفوا”، بل قرارا سياسيا على مستوى الأزمة التي أوصلتنا السلطة إليها وطنا ومجتمعا، وهو قرار برد حريتهم إليهم كخطوة أولى على طريق تصحيح ما تراكم من أخطاء ومظالم، ووقف سياسة الاعتقال التعسفي لكل رأي مخالف أو معارض، والشروع بفتح باب المصالحة الوطنية بما يعيد الوطن لأبنائه جميعا بعد طول إقصاء واحتكار!
27-2-2010
موقع اعلان دمشق