صَدَرَ المرسومْ.. تعالَ واقبَضْ المعلوم!
وهيب أيوب
لا شك أن “بعض” الجولانيين يستفيدون من المراسيم الرئاسية التي تصدر في دمشق، وآخرها المرسوم التشريعي الصادر في 14/2/2010، لتُغدِق عليهم أموالاً، والتي يصفها المرسوم أنها تعويضٌ عمّا لحقهم من أضرار مادية بسبب مواقفهم الوطنية التي تم فصلهم من أعمالهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي على إِثرِها.
بالنسبة لي فأنا لا أستهجن سلوك النظام في سوريا تجاه أهالي الجولان المحتل…!
فعلى الرغم من بعض المكتسبات التي تحققت لسكان الجولان المحتل؛ عبر فتح الطريق أمام طلاب الجولان لتلقي التعليم الجامعي في دمشق- منتصف السبعينات- ثم الزيارات الدورية التي يقوم بها رجال الدين كل عام إلى الوطن، ثم تسويق جزء من منتوج التفاح الجولاني هناك، تبقى الأضرار التي ألحقها النظام بسكان الجولان، في كل قضية تعامل معها، مُسيئة للغاية، لاسيّما في القضايا الوطنية والاجتماعية ، بحيث لم تعد تساويها المنافع التي حصلنا عليها.
للنظام في سوريا، ومنذ عقودٍ خلت، ذهنية واحدة لا تتغيّر سواءً في التعامل مع المواطنين السوريين داخل سوريا أو سكان الأرض المُحتلة أو حتى الأشقاء اللبنانيين.. إنها سياسة “الانتقاء” و”فرِّق تَسُد”. سياسة تُديرها المخابرات وأجهزة الأمن المتعدّدة بفروعها المتنوعّة. لذا فإن تلك القرارات والمراسيم الصادرة من دمشق والمستوحاة من معلومات استخبارتية، لا علاقة لها البتّة بصمود أهل الجولان وتجذير انتمائهم الوطني، لا بل إنها، على العكس، تزيدهم شرذمة وضعفاً وضغينة وحسداً ضد بعضهم البعض، ناهيك عن تصريحات بعض المسؤولين في دمشق بحق بعض الوطنيين في الجولان، مما خلق ارتباكاً وبلبلة بين مواطني الجولان أدّت لخلافات عميقة انعكست على وحدة الموقف الوطني والوطنيين وأشاعت الشكوك فيما بينهم. فأي إدارة أرض محتلة هذه التي تفعل ما عجزت عنه سلطات الاحتلال لسنوات طويلة؟!
يُلاحق المواطن السوري في وطنه شعور دائم بالبخسِ والإذلال والدونية تجاه السلطة، بل تجاه أي مسؤول أو موظف حكومي حتى ولو كان بوّاباً أو شرطي سير، والنظام يُتقن فن الإذلال والتركيع لمواطنيه، لهذا لا يخجل النظام أو يتردد في وصف أية مشاريع يفتتحها أو مراسيم رئاسية يصدرها، بأنها “من مكرمات الرئيس وعطاياه” وكأنه ينفقها من جيبه الخاص، أو مما مَلَكَتْ يمينه!
أعود لِما خصّ أهل الجولان المحتل بتلك المراسيم والعطايا، والتي يتم من خلالها صرف بعض المواقف الوطنية، لمجموعات مُحدّدة من الأشخاص، وتحويلها إلى أوراق نقدية، وأثرها على سكان الجولان وعلى من لم يشملهم المرسوم وعطايا الرئيس، وعلى مدى الخلافات والأحقاد التي ستخلقها الأوراق النقدية تلك. فمَن المستفيد من هذا السلوك وماذا يُعزّز؟ أصمود أهل الجولان وانتماءهم حقاً؟ أم كسب فئة من المدّاحين تُسبّح بحمد النظام ومكرماته الجاهلة وعطاياه؟
يتساءل أهل الجولان باستغراب شديد: لماذا لا يحوّل النظام كل تلك الأموال -الموزّعة على الأفراد- لإقامة مشاريع عامة تخدم كافة السكان في الأرض المحتلة؟ (لا بل تظهر الوقائع أنهم عطّلوا بعض المشاريع العامة الممنوحة للجولان المحتل من منظمة الصليب الأحمر) وبالتالي تُساهم، حقيقةً، في دعمهم وصمودهم دون أن يشعر بعضهم باستثناءٍ ظالم ومُجحفٍ بحقهم، خاصة أولئك المناضلون الذين اعتُقلوا منذ سنوات الاحتلال الأولى والذين وصلوا حتى جبل الشيخ وسيناء لرصد المعلومات العسكرية عن العدو وتمريرها للمخابرات السورية عبر خط وقف إطلاق النار، مُخاطرين بأرواحهم – وبعضهم سقط شهيدا- وقد صدرت بحقهم أحكام عالية جاوزت العشرين عاماً؛ بعضهم دُمّرت أُسرهم بسبب غيابهم عن زوجاتهم وأولادهم، والبعض الآخر فُرضت عليهم الإقامات الجبرية وعُطِّلت أعمالهم ودفعوا أثماناً غالية في سبيل خدمتهم لوطنهم. وعَلِمتُ من بعضهم أنهم كانوا يرفضون تقاضي مقابل مالي عمَّا يفعلون، قناعةً منهم أنّه واجِب عليهم، لا وظيفة يؤدّونها بأجر. وهؤلاء طبعاً لم يشملهم “المرسوم”، فما الحكمة يا ترى؟ مُضافاً إليهم جميع الذين اعتُقلوا أثناء الإضراب وبعده وفُرضت عليهم الإقامات الجبرية والأحكام بالسجن ويعدّون بالمئات، منهم من لم يزل في المعتقل حتى كتابة هذي السطور.
أضِف لكل ذلك، أن معركة ما سُميت “الهويات الإسرائيلية” بعد قرار الضم الإسرائيلي للجولان عام 81 ومحاولة فرض الهوية على سكان الجولان بالقوّة وما تلاها من إضراب استمر زهاء الستة أشهر، وتعطيل كل أهل الجولان أشغالهم وأعمالهم وانخراطهم جميعاً – باستثناء عدد قليل من الأفراد- في العمل النضالي، شيوخاً وشباباً ونساءً وأطفالاً، ومشاركتهم في المظاهرات التي كانت النساء فيها أحياناً تُشكّل نصف المتظاهرين، ناهيك عن النساء المتقدمات في السن، اللواتي كُنَّ يترصدن المظاهرات من شرفات منازلهن ليرشقوها بالأرز وحبات الحلوى مُطلقات العنان لزغاريدهن وصيحاتهن تحميساً للمتظاهرين.
كُل تلك الأحداث شاهدتها بعينيّ وسمعتها بأذنيّ وواكبتها لحظة بلحظة، لهذا فأنا هنا لا أنقل قصَصاً وحكايا عن أحد. فهل كل هؤلاء مُستثنون أو منقوصةٌ حقوقهم في النضال الوطني والدفاع عن الهوية الوطنية، وبالتالي من عطايا الرئيس؟
لا أرى ضرراً يُحيقُ بأهل الجولان وبصمودهم ويلحق بالغ الأذى بوحدتهم أكثر من تلك التصرفات التي لا يفقه كنهها إلا الذين يُدركون تركيبة هذا النظام الاستبدادي ومغزى أفعاله.
أقول وأنا على قناعة كاملة، أن من يُريد دعم أهل الأرض المُحتلة ومنهم النظام، عليه أن يضع أمام ناظريه كل الجولان أرضاً وسكاناً دون أي تمييز وعبر مشاريع عامة يستفيد منها الجميع لأنها من حقهم، وإلا فالأفضل للمُدعين بحب الجولان والحرص على وحدة أهله وتجذّرهِ في أرضه وانتمائه، أن يكفوا عنه، على الأقلِ، كفّهم ولسانهم وسوء تصرفاتهم.
خاص – صفحات سورية –