هي «حرب شاملة»؟!
حازم صاغيّة
أطلق لقاء دمشق الأخير، الذي ضمّ الرئيسين السوريّ والإيرانيّ والأمين العامّ لـ «حزب الله» اللبنانيّ وقيادات «الفصائل» الفلسطينيّة، حديث «الحرب الشاملة» في المنطقة. بعد ذاك، أتى مؤتمر «التضامن الوطنيّ والإسلاميّ من أجل مستقبل فلسطين»، الذي افتتحه المرشد الايراني علي خامنئي في طهران وحضره الأمينان العامّان لحركتي «حماس» و»الجهاد الإسلاميّ»، ليعطي الحديث المذكور نسبة أعلى من الصدقيّة. في هذه الغضون، بدأت إسرائيل توزّع أقنعة واقية من الغاز!
وقد نكون فعلاً متّجهين إلى الوقوع في الهوّة العميقة التي لا يعوّضنا عن الغوص فيها إصابة بضع مدن إسرائيليّة ببضعة صواريخ مؤكّدة. لا بل يُخشى ما يعكسه حديث «الحرب الشاملة» من تناقض يجعله أقرب إلى رواية بصوتين، أو إلى مزاوجة بين النبرة المرتفعة وبين خوف يُراد طرده بالنبرة تلك، من دون التنبّه إلى عواقب النبرة.
فأوّلاً، لا تنسجم «الحرب الشاملة»، بالاعتداد الذي يصاحب الإعلان عنها، مع هدف إنزال الإسرائيليّين إلى الملاجئ وإصابة بضعة أهداف حربيّة أو مدنيّة. ذاك أنّ «الحرب الشاملة» تستدعي قدرة على الوفاء بوعود من النوع الذي يوزّعه أحمدي نجاد. وهذا ما يضعنا مباشرةً خارج دائرة الجدّ في أمر بالغ الجدّيّة. إنّ سؤالاً من نوع «هل تستطيع اسرائيل أن تتحمّل كذا صاروخ؟» ليس سؤال «حرب شاملة» إلاّ في حدود المماحكات الكلاميّة التي لا تعوزها الشطارة.
وثانياً، يصعب التوفيق بين هجوميّة الدعوة إلى «الحرب الشاملة» وبين التهليل لـ «انفتاح سوريّة»، وهو انفتاح على القوى الغربيّة أساساً، من باريس إلى واشنطن. بل لا تستقيم تلك الهجوميّة مع المطالب الإيرانيّة الفعليّة، أكانت في حدّها السلبيّ (عدم التعرّض لحصار يفرضه الغرب) أم في حدّها الإيجابيّ (الاعتراف الغربيّ بدور إقليميّ كبير لإيران). في هذا، شيء من المزاوجة بين برنامجين متنافيين، واحد مطلبيّ جدّاً وآخر عدميّ جدّاً.
وثالثاً، تستدعي «الحرب الشاملة» أن تحلّ إيران لا محلّ مصر وحدها، بل محلّ الاتّحاد السوفياتيّ السابق أيضاً. هذا، على الأقلّ، ما تعلّمه تجارب النزاع الكبرى مع الدولة العبريّة. وطموح من هذا الصنف هو، لدى أكثر المتفائلين بإيران وبتخصيبها، كثير وفائض عن المعقول، ناهيك عن شكوك مشروعة في أن يترك الإيرانيّون العرب في منتصف الطريق، أو، إذا ما اتّجهت الأمور وجهة أخرى، أن يترك السوريّون الإيرانيّين في منتصفها. ذاك أنّ حلف الأيدي المرفوعة والصراخ المهرجانيّ شيء وحلف التعرّض للموت والتهديم المعمّمين شيء آخر.
ورابعاً، وهو الأهمّ، يتعلّق بدرجة التعويل، لدى التحدّث عن «الحرب الشاملة»، على المقاومات، أي أنّ «حرب الشعب»، على تعدّد الاجتهادات فيها، ستتقدّم على الحرب الكلاسيكيّة، فيما يُترك لقوى الحرب الكلاسيكيّة أن تناصرها بالصواريخ. وهو ما يمنح أولويّة قصوى لمدى متانة المجتمعات المقصودة. لكنّ المدهش، إذا ما اعتمدنا لبنان مثالاً، أنّ أكثر المتحمّسين للمقاومة هم أكثر المكتشفين للواقع الطائفيّ المتأزّم كما دلّ إليه التصويت البرلمانيّ على خفض سنّ الاقتراع. هنا «سقطت الأقنعة»، بحسب تعبير لم يكفّ بعض رموز المقاومة عن استخدامه، من دون أن يردعهم ذلك عن توكيد التضافر «شعباً وجيشاً ومقاومة»! إنّ مجتمعات متصدّعة إلى هذا الحدّ (وما من واحد يفضل الآخر في هذا) لا تستطيع أن تخوض مواجهة من طراز «الحرب الشاملة».
لقد سبق أن لعبها عبدالناصر في الأيّام الفاصلة بين 28 أيّار (مايو) و4 حزيران (يونيو) 1967. يُستحسن أن يكون صنّاع الرأي والقرار أكبر سنّاً وأغنى ذاكرة
الحياة