لبننة العراق
ساطع نور الدين
هي خطوة اضافية نحو اللبننة، بكل ما تحمله الكلمة من معان مشرقة ومؤلمة، وبكل ما تختزله من تحديات وتهديدات للعالمين العربي والاسلامي اللذين سيشهدان غدا رسوخ تجربة عراقية تستعد للخروج من نفق الاحتلال والحرب الاهلية، والعبور الى الدولة المركزية المستضعَفة من قبل جميع الطوائف والمذاهب والقوى السياسية، التي تقود بلاد الرافدين نحو ازمات سياسية متلاحقة، تتخللها بين الحين والاخر بعض الاشتباكات المحلية والتدخلات الخارجية، على النحو الذي يعرفه اللبنانيون جيدا.
لكنها خطوة متواضعة جدا الى الامام. زوال النظام الدكتاتوري مكسب تاريخي. وبدء انسحاب الاحتلال الاميركي وعد وطني. والميثاق المعقود بينه وبين ورثته على الاحتكام الى اللعبة السياسية ذات الافق الديموقراطي يمكن ان يتحول الى ثقافة عراقية ثابتة، تضمن منذ الآن الا يستيقظ العراقيون يوما على البلاغ الرقم واحد الذي يذيعه ضابط يعلن استيلاء الجيش على السلطة، والا يسيطر حزب واحد على الحكم بقوة العقيدة، سياسية كانت ام دينية.
لن يصبح العراق بين ليلة وضحاها مثل اليابان او المانيا او حتى كوريا الجنوبية. هو يسير في ذلك الاتجاه الذي لن يعطله او يؤجله سوى التماثل مع لبنان بالحرب الاهلية الكامنة، والحدود المخترقة من كل الجهات، برغم ان العراقيين يبدون الآن، برغم كل ما اصابهم من حروب وويلات، اشد وفاء والتزاما بوطنيتهم المضطربة وهويتهم الممزقة من اللبنانيين الذين لا يسافرون الى الخارج، برا او بحرا او جوا، الا كي يتواطؤوا على منافسيهم من ابناء الوطن والمدينة والحي، واحيانا القرية الواحدة..
لن تكون لبننة كاملة ودائمة للعراق الذي لا يزال يتمتع بعناصر قوة سياسية واقتصادية، وحتى عسكرية، تضاهي بل تفوق قوة بعض من الدول الست المحيطة به، التي تعتبره اليوم «ساحة مفتوحة» للتدخل وممارسة النفوذ. وهو ما يدركه العراقيون الذين يخرجون في مهام سياسية او رحلات انتخابية الى طهران والرياض ودمشق وعمّان والكويت، وربما انقرة ايضا… ثم يعودون الى بغداد الى حيث الوقائع تحكي قصصا لا تمحوها العمليات الانتحارية اليائسة، وتسجل ان الاميركيين باقون هناك، ولن يستطيع احد ان يخرجهم او ان ينافسهم، ولا سيما عندما تنسحب قواتهم العسكرية المقاتلة وتحضر شركاتهم الاقتصادية ومشروعاتهم الاستثمارية!
الصراع في العراق لن ينتهي. هذا حكم التاريخ وبؤس الجغرافيا. لكن الانتخابات غدا وسيلة مهمة لاخماد الفتنة المذهبية التي بلغت ذروتها قبل ثلاثة اعوام، وها هي الآن تسلك مسارها التراجعي، واداة مؤثرة لانتاج عصبية وطنية تضع حدا للطموحات الايرانية المنكفئة اصلا، والتحديات السعودية المحدودة اصلا، والمبالغات السورية المحصورة ايضا.. والتي تدفعها عوامل عدة بينها القلق من ولادة تجربة ديموقراطية، بدائية، في بلد مهم يقع في وسط العالمين العربي والاسلامي.
لن تكون التجربة العراقية الوليدة نسخة لبنانية مكررة ومستعادة، ثمة مجال لبعض الاجتهادات الخاصة. ثمة مجال لبعض التمايزات التي يمكن ان يصنعها العراقيون من دون مساهمة الاميركيين. وثمة فرصة للبنان واللبنانيين كي يرتاحوا قليلا من عبء النموذج الفريد والساحة المفتوحة!
السفير