الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

بعض معاني القمة الإيرانية -السورية- اللبنانية

أحمد جابر
قمة أخرى عقدت في دمشق، أدلى خلالها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، «بكلام عربي» فصيح، إذ بشر ببدء العد التنازلي لكينونة «الدولة العبرية». هذا الكلام، لاقاه «كلام إيراني»، ورد على لسان الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كرّس حق الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في إضافة سياستها ومطالبها، إلى ميزان الصراع العربي – الإسرائيلي، ورفض، استتباعاً، سياسة العزل، التي طالبت بها الإدارة الأميركية. انضم «الرئيس حسن نصرالله»، إلى مقولات القمة، فأكمل عقد قوى الممانعة، التي مازالت في حالة ترقب أو استعداد، للمواجهة المؤجلة، والتي تسعى أي القوى، إلى إمكانية تفاديها، والحصول على الأثمان العادلة لأدوارها ولمواقعها، من دون الاضطرار إلى خوض غمار المعارك الحربية.
النفس الهجومي، الذي تعتمده السياسية الإيرانية، حالياً، ليس نزقاً، ولا تهوراً، ولا مغامرة تركب مركب «الطفولية الثورية»، دون حسبان. الأقرب إلى الصواب، هو أن القيمين على شؤون الوضع الإيراني، يحيكون «قماشة» سياستهم، من خيطان الوقائع المتوالية، على حدودهم، وفي المدى البعيد عن هذه الحدود. يدرك «الحائك» الإيراني، أن الهراوة الأميركية غير مرفوعة حالياً، في وجهه، وأن أصحاب الهراوة، يديرون، راهناً، شؤون تعديل وجودهم، تمهيداً لانسحابهم، ربما، في أكثر من بقعة تدخل ساخنة. العراق، جار إيران، ساحة تفاعل واختبار، للوجهة الأميركية، وأفغانستان كذلك. في هذا المجال، لا يوحي اختلاف التعامل الأميركي، مع البلدين المحتلين، بتمايز في الوجهة النهائية، لسياسة الإدارة الأميركية، «الإنسحابية»، أي أن الهجوم العسكري ضد طالبان الأفغانية، يصير معادلاً «للهجمة الانتخابية»، في العراق، من حيث مآله النهائي، الذي ينحو منحى تأمين المصالح الأميركية، بواسطة خليط من القوى المحلية، التي تستظل المظلة العامة، «للقوة العالمية العظمى» وملحقاتها، الأوروبية، وغير الأوروبية.
أما في بيت القصيد الفلسطيني، فإن إيران، تدرك مثل غيرها، أن الولايات المتحدة الأميركية عاجزة، بنيوياً، عن تخطي العقدة الإسرائيلية، وأنها مازالت غير مهيأة، لممارسة ضغط صارم، في سبيل تحقيق الحد الأدنى، من المطالب الوطنية الفلسطينية، لذلك، فإن الخطاب الفلسطيني، الصادر عن إيران، يتقدم على طريق الصدقية، على الصعيد الشعبي، غير عابئ، فعلياً، بالتوجس «النظامي» العربي، وذلك بالتوازي، مع نكوص الخطاب الأميركي عن هذه الصدقية، ومع خيبة الأمل المتعاظمة «عربياً»، من مسالك هذا الخطاب، الكثيرة التعرج، والشديدة الالتواءات.
على غرار حليفه الإيراني، يصدر الموقف السوري عن دراية بشؤون المنطقة، وعن دراسة لمنطق التحركات السياسية، وما قد تسفر عنه من نتائج ومن توازنات. الميزان الذي يراقب السياسي السوري كفتيه، هو ميزان الموقع السياسي والجغرافي لسورية، وبالتالي، الدور الذي يكفله، كفالة طبيعية، هذا الموقع، ومن ثمّ، الثمن السياسي المطلوب، للقيام بهذا الدور، أو ذاك، وبالانحياز إلى هذه السياسة، أو تلك. تقدر السياسة السورية، أنها نجحت في احتواء الهجوم السياسي، الذي رمى إلى عزلها وتهديدها، داخلياً وخارجياً، مثلما تعلم، أن لامناص من الاعتراف بوزنها في الملفات الساخنة، وإن لم تسترد كامل وضعيتها السابقة، في متن هذه الملفات. مناطق المعاينة الأساسية، ثلاث: لبنان، والعراق، وفلسطين. من ضمن هذه البقع السياسية المضطربة، تسهل ملاحظة تراجع الاندفاعة الأميركية، لذلك يسهل القول، إن التقدم السوري، يعود على حاملة الانكفاء الأميركي، دون الذهاب إلى القول، إنه يعود على رافعة مناوأته، أو مخاصمته. من هنا، يمكن فهم عدم الاستجابة السورية للطلبات الأميركية، في الانفكاك عن إيران، فالطلب يأتي من «مرتبك وحائر»، والثمن غير واضح، والوجهة غير مأمونة، و«دفع المقابل» السياسي غير مكفول.
ولأن الأمر، أمر تفاوض على الشروط الأفضل، والثمن الأعلى، فإن «الحكمة السورية» قضت بعدم تحقيق الرغبة الأميركية، حالياً، وبإبقاء باب النقاش، مفتوحاً… هذا لأنه، ليس مطلوباً، حسب المفكرة السياسية السورية، إغلاق النوافذ الأميركية، التي عادت لتفتح أمام النسمات «الشرقية السورية». من المؤكد، أن للحسابات الخارجية السورية، ما يماثلها من حسابات داخلية، يحتل فيها التحالف مع إيران، موقعاً مميزاً، لكن الكلمة الفصل، مازالت معقودة للواء إدارة الموقع السوري، في محيطه العربي، وفي مداه الإقليمي.
لبنان، الذي انضم إلى القمة السورية – الإيرانية، من خلال قائده الفعلي، الأمين العام لحزب الله، كان، وسيظل، في موقع الانضمام إلى المحصلة. هذه مناسبة لرد كلام من نوع الاستتباع، والارتهان، ومن قبيل الاكتفاء من السياسة بتنفيذ الأوامر الصادرة من الأعلى، «القومي والإيراني»، الأصح مقاربة الموضوع على خلفية قراءة المصالح، على حقيقتها.
على هذا الوجه، تنضم الشيعية السياسية إلى «حلفائها» في الخارج، انضماماً مصلحياً. يمكن النقاش في خطأ هذه السياسة، وفي خطأ الرهانات على الآخرين، وفي الأخطار التي يرتبها ذلك على التشكيلة الداخلية اللبنانية أولاً، وعلى المصالح الشيعية السياسية المستقبلية، أيضاً. لكن ما يجب التخلي عنه، هو التوقف، لدى نقاش السياسة، عند نقطة المؤامرة، والضياع بالتالي، في دهاليزها.
الخلاصة الأساسية، التي تفرض نفسها، في هذا المقام، هو أن الوجود اللبناني، في القمة، يعيد طرح المعضلة الوطنية، طرحاً عاصفاً، إذ إن هذا الوجود، يكاد يعادل إصدار الأمر إلى اللبنانيين، بحسم وضعهم ضمن معادلة الصراع، كوضع هجومي، وبالتالي، يمكنهم النقاش فقط، في كيفية الاستعداد لهذا الهجوم، وعليهم انتظار ساعة الصفر لخوض معركتهم الحاسمة!!

كاتب من لبنان
أوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى