سوريا بين الجِدَّة و”تضليل” العادة
سعد محيو
إذا ماكانت “إسرائيل” بدأت تداعب فكرة التخلي عن مبدأ اللاحرب واللاسلام الذي سيطر على علاقاتها مع سوريا منذ مابعد حرب تشرين الأول/أكتوبر ،1973 إلا أن هذه الأخيرة لاتزال تسبح حتى أذنيها في بحيرة هذا المبدأ .
فدمشق توحي هذه الأيام بأنها تستطيع أن تعيش في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ظروف العقد الثامن من القرن العشرين، حين كان في وسعها أن تكون في الحضن السعودي – الأمريكي، فيما هي تقف إلى جانب إيران في حربها مع العراق (وبالتالي ضد واشنطن والرياض) .
ومثل هذا الاعتقاد يستند إلى قوة العادة أكثر من انطلاقه من منطق حسابات محددة، تأخذ بعين الاعتبار طبيعة البيئة الاستراتيجية المُتغيّرة في الشرق الأوسط .والعادة غالباً ما تكون مُضلٍّلة .
حدث هذا مع دمشق العام ،2004 حين دفعتها “العادة” إلى سوء قراءة القرار الدولي الرقم 1559 الذي يدعوها إلى الانسحاب من لبنان . وهكذا خرج فاروق الشرع، وزير الخارجية السوري آنذاك، ليعلن بالفم الملآن أن هذا القرار “لايساوي الحبر الذي كُتب به” . لكن تبيّن بعد ذلك (وسريعاً) أن القرار كُتِب بحبر سري في واشنطن وباريس، ممهوراً بجملة المتغيرات الدرامية التي شهدتها في تلك الفترة الساحة الشرق أوسطية (غزو العراق، الانسحاب “الإسرائيلي” من لبنان العام ،2000 احتلال المحافظين الجدد للبيت الأبيض . .ألخ) .
والآن، توحي التطورات بأن دمشق على وشك القيام بقراءة مخطئة أخرى . فهي تستقبل “قمة حرب”، كما أطلقت تل أبيب وواشنطن على لقاء الرئيسين الأسد وأحمدي نجاد والسيد حسن نصر الله، في الوقت نفسه الذي تعرض فيه السلام على “إسرائيل” وهي تسخر من دعوات هيلاري كلينتون لها لوقف دعم حزب الله، لكنها تبادر إلى التعاون مع الأمريكيين في مجال الأمن والمعلومات وتستعد للانتقال بالعلاقات معهم إلى مرحلة جديدة مع قرب عودة السفير الأمريكي (إذا ماعاد) .
إنها نفسها لعبة اللاحرب واللاسلام تتكرر بحذافيرها . وهي أيضاً لعبة الدور الإقليمي نفسه الذي تطمح سوريا لإعادة ممارسته: دور الوسيط بين إيران والغرب، الذي يأكل حصرم التحالف مع إيران ولايضرس من تبعة الانفتاح على واشنطن والرياض .
بيد أنه قد يتكشف سريعاً بأن هذه اللعبة القديمة- الجديدة تستند إلى تفكير رغائبي، لا إلى منظور واقعي .
فالتطورات تسير بخطى متسارعة نحو تغيير كل أو معظم معادلات الصراع السابقة في المنطقة . وهذا يشمل ليس فقط الهستيريا” الإسرائيلية” من القنبلة النووية الإيرانية، بل أيضاً الظرف التاريخي الموضوعي المُتمثّل بدخول القوتين الإقليميتين الكبريين، تركيا وإيران، على خط الفعل الاستراتيجي في المنطقة ومطالبتهما بحصة كبيرة في نظام الشرق الأوسط .
قد لاتكون هذه أخبار سيئة لدمشق . فأي ضعف أو تراجع ل “إسرائيل” هو قوة أوتقدم لها . لكن المسألة لاتكمن هنا، بل في الحقيقة بأن هذه التطورات بدأت تجعل حسابات الماضي غير صالحة لوقائع الحاضر .
وهذا يتضمن أول ما يتضمن مسألة اللاحرب واللاسلام . ولذا، قد يكون من المفيد للغاية أن توقف القيادة السورية اعتمادها على قوة العادة، وما يترافق معها من أنموذج فكري ونظري قديم، وتبدأ بقراءة الوقائع “الإسرائيلية” والإقليمية بأنموذج جديد يتلاءم مع المتغيّرات الكاسحة التي تشهدها المنطقة .
الخليج