هل تتداعى مرحلة “اللاحرب واللاسلام”؟
سعد محيو
هل انتهت مرحلة اللاحرب واللاسلام في الشرق الأوسط، أو على الأقل شارفت على الانتهاء؟
يبدو أن الأمر كذلك .
فكلما ازدادت أحاديث السلام، خاصة بين سوريا و”إسرائيل”، برزت فجأة احتمالات الحرب . والعكس صحيح أيضاً: كلما تعالت صرخات الحرب، تنطلق في موازاتها صرخات مقابلة تدعو إلى السلام “اليوم والآن” .
هذه الواقعة تبدو واضحة بجلاء في الداخل “الإسرائيلي” . ففيما تستعد “إسرائيل” للحرب وكأنها ستقع غداً، تسرّب القيادة العسكرية الأمنية “الإسرائيلية”، وهي المسؤول الأول والأخير عن شنّها، معلومات تؤكد أنها تعتبر السلام مع سوريا مخرجاً ممتازاً من المأزق الاستراتيجي الذي تعيشه تل أبيب هذه الأيام بين مطرقة القنبلة النووية الإيرانية الوشيكة، وبين سنديان صواريخ حزب الله ومن ورائها صواريخ سوريا التي باتت تضع المدن “الإسرائيلية” في قلب معادلات الصراع .
ومن الداخل “الإسرائيلي” إلى خارجه . فإيهود باراك موجود منذ أيام في واشنطن، وهو يجري ليس فقط محادثات علنية في إطار لجنة الحوار الاستراتيجي الأمريكي “الإسرائيلي”، بل أيضاً مفاوضات سرية، على ما تقول الصحف “الإسرائيلية”، مع كبار المسؤولين في البنتاغون ومجلس الأمن القومي الأمريكي تتعلق بمسألة الحرب .
مايرشح إعلامياً عن هذه المحادثات، التي سينضم إليها بعد أيام الجنرال أشكينازي رئيس الأركان، يشير إلى أن الولايات المتحدة لاتزال ترفض منح “إسرائيل” الضوء الأخضر لضرب إيران، خوفاً من تداعيات كبرى على المصالح والقوات الأمريكية في العراق ومنطقة الخليج . لكن وحين يأتي الأمر إلى احتمالات الحرب في لبنان وسوريا، تبدو الأضواء مُلتبسة: لاهي بالأخضر ولا هي أيضاً بالأحمر .
فواشنطن تبعث باستمرار رسائل (باتت شبه يومية على مايبدو) إلى تل أبيب ودمشق تدعوانهما فيها إلى ممارسة “ضبط النفس” ونزع فتائل التصعيد . لكن واشنطن تُرفق أيضاً هذه الرسائل بتهديدات مُبطّنة إلى سوريا مفادها أنها لن تستطيع أن “تضبط” “إسرائيل” طويلاً، وأنه سيكون عليها الإسراع في تغيير طبيعة تموضعها ليس السياسي وحسب بل الاستراتيجي أيضاً في المواجهات الجديدة في الشرق الأوسط .
هذا الموقف الأمريكي المُلتبس يجب أن يقرع أجراس إنذار قوية في دمشق وبقية العواصم العربية المعنية، لأنه قد يعني أن إدارة أوباما التي استسلمت في الأشهر القليلة الماضية لقرار نتنياهو برفض مشروع السلام الكبير الذي كانت تُعدّه الإدارة بين “إسرائيل” والعالم الإسلامي برمته، ربما تستسلم أيضاً لقراره (نتنياهو) بشن الحرب في المشرق العربي .
هذا المعطى الأخير بالتحديد هو الذي يكسي السؤال عن احتمال انتهاء مرحلة اللاحرب واللاسلام، على الأقل في الداخل “الإسرائيلي”، الكثير من اللحم والعظم . فحين تتوقف هذه المرحلة عن كونها ميزة تصب مباشرة في مصلحة التصوّر “الإسرائيلي” لمسألة موازين القوى في الشرق الأوسط، يبرز مباشرة احتمال الحرب كبديل وحيد عن هذه المرحلة .
بالطبع، تل أبيب تفضّل كثيراً أن يحقق التهديد بالحرب والضغط النفسي والسياسي المترافق معه ما يُمكن أن تحققه الحرب الفعلية . أي: تغيير سلوك النظام السوري إزاء المجابهة الراهنة مع إيران وحلفائها في المنطقة . إذ أن ذلك سيمكنها من قطف الثمار الاستراتيجية اليانعة، من دون الحاجة إلى تجرّع كأس إعادة الجولان فوراً إلى سوريا .
لكن، ماذا عن سوريا؟ وبالتحديد، ماذا عن موقفها من سؤال اللاحرب واللاسلام؟
الخليج