صفحات ثقافية

أتـوا إلـى الصحافـة مـن الأدب فهـل صـاروا صحافيـين وهـل ظلـوا أدبـاء؟

null
لـم نصـر صحافييـن بعـد لكننـا تعلمنـا كثيـراً مـن الصحافـة
زهرة مروة
كثير من الكتاب والشعراء عملوا ويعملون في الصحافة. أي أنهم أتوا من خلفية أدبية وبدأوا يعملون في الصحافة الثقافية تحديداً. ما الفرق اذن بين الكاتب والصحافي؟ وكيف وصلوا الى الصحافة؟ وما هو تأثير الصحافة على كتابات وحياة الكاتب؟ ومتى يستطيع الكاتب أن يعتبر نفسه صحافياً؟ توجّهنا بهذه الأسئلة الى عدد من الكتاب والشعراء الذين يعملون في الصحافة أو النقد الأدبي الصحافي، عن الفرق بين الكاتب والصحافي فبعضهم أجاب أن الصحافة هي تغطية الأشياء أو الأحداث من الخارج دون حاجة الى التعمق بها، أما الكتابة والنقد الأدبي فهما غوص في أعماق الأشياء. وبعضهم اعتبر أن الكتابة هي الخبر الخاص والصحافة هي الخبر العام… أما عن تأثير الصحافة على الكاتب فهي تزيده جرأة وثقافة وتوسع آفاقه وتجعله يكتب بسلاسة أكثر، لكنها في الوقت نفسه قد تطفئ بعضاً من وهجه الإبداعي.
هل أنا صحافي؟
الشاعر عبدو وازن وصل الى الصحافة عن طريق الشعر، والشعر هو الذي حمله الى أن يكون صحافياً في القسم الثقافي وتحديدا في النقد الأدبي. «كنت أهتم بقراءة الصحف منذ صغري وقد استهوتني الصفحات الثقافية أكثر من الصفحات السياسية. كان جارنا أبو محمد يملك دكاناً يبيع فيه الصحف والمجلات وكنت أتولى تدريس ابنه وكان راتبي هو استعارة الصحف والمجلات يومياً. ملت لاحقاً الى كتابة الشعر والنثر ورحت أقرأ وأكتب الى أن نشر لي الشاعر شوقي أبي شقرا أول مقالة لي بشكل احترافي في جريدة النهار. وكنت حينذاك في صف الفلسفة وما ان انهيت الدراسة الثانوية حتى التحقت بجريدة الأنوار وعملت سنتين مع الشاعر رياض فاخوري ثم انتقلت الى النهار. وبدأت العمل الاحترافي. وأوضح لنا وازن أنه يميل الى النقد الأدبي أكثر من العمل الصحافي البحت. ويشعر بأنه لم يبدأ صحافياً بقدر ما بدأ في النقد الأدبي الصحافي، «ورحت أكتب مقالات نقدية، أراجع فيها الكتب التي كانت تصدر حينذاك. وقد عملت على تطوير نفسي كثيراً كي أتمكن من ترسيخ المعرفة النقدية. وحتى الآن أشعر أنني أميل الى الكتابة النقدية أكثر مما أميل إلى العمل الصحافي. لكن الصحافة الثقافية لا السياسية طبعاً عمل ممتع ومسلٍّ ومنفتح على آفاق الثقافة والفن والأدب».
كذلك الشاعر والصحافي يوسف بزي بدأ بكتابة الشعر الذي فتح عليه لاحقاً أبواب الصحافة، «كان لديّ بضع قصائد للنشر واقترحت على القسم الثقافي في جريدة السفير نشرها، تفاجأت بعد ثلاثة أيام بأن الصحيفة قبلت نشرها بشيء من الاحتفاء والاهتمام، هذا ما فاجأ سيدة صحافية كانت لا تدري اهتماماتي في الصحافة والكتابة، طالما أنها كانت تراني مجرد شاب برفقة حزبية أو ما شابه… السيدة الصحافية هذه اقترحت عليّ بحافز أمومي أن أتعاون معها في الكتابة لمجلة أسبوعية كانت تشرف على الصفحات الثقافية فيها، سرعان ما استجبت لتلك الدعوة بكثير من الحماسة طالما أنني كنت أظن حينها أن الصحافي هو شخصية مرموقة جدا في المجتمع وكان ذلك صحيحاً الى حد بعيد، نظراً الى الخلفية الاجتماعية التي أتيت منها. وشكّل ذلك بالنسبة إلي قفزة هائلة في السلم الاجتماعي. وكنت طالبا في السنة الأولى الجامعية وشعرت أن أبواب المستقبل قد فتحت لي في المهنة كصحافي وفي الهواية ككاتب. تلك المجلة كانت فرصة لممارسة الأخطاء والتجريب والتعلم، مما ساعدني لأن أكون جاهزاً لاكتساب خبرة في العمل كصحافي. وبعد سنتين حصلت على جائزة شعرية، مما أعطاني القليل من الشهرة وفتح لي أبواباً جديدة». ولكن حتى اليوم لا يعتبر بزي نفسه صحافياً محترفاً، «أما تقديري لذاتي كصحافي فمتدنٍّ جداً».
الأمر نفسه للشاعر والصحافي حسين بن حمزة الذي وصل الى الصحافة عن طريق الكتابة، والتي تحوّلت الى شكل من أشكال الوظيفة التقليدية، وكان يومها يبحث عن عمل يؤمن له مصدراً للعيش. ولكن حتى الآن لا يعتبر بن حمزة نفسه صحافياً. «أنا أعمل في الصحافة منذ أكثر من عشرين عاماً، ولكني لم أشعر يوماً أنني صحافي. بالنسبة لي لم أنجح حتى الآن في أن أنجز عملي الصحافي حسب شروط ومعايير الصحافة نفسها. ما زلت أكتب المقال الصحفي كما لو أنني أكتب قصيدة أو نصاً، متخلياً أو غير مدرك لأي نصيحة أو معيار صحفي قد يسهّل علي انجاز هذا المقال».
كذلك هو الأمر للكاتب محمد علي فرحات الذي كان في البدء يمارس التعليم ويقرأ ويكتب لنفسه. ثم نشر بعد ذلك مقالات أدبية في «النهار» و«السفير» أوصلته الى العمل في الصحافة الثقافية. وهذا العمل جذبه لأنه يجمع هواية الكتابة وتحصيل العيش في آن واحد، «فتركت مهنة التعليم وانصرفت الى العمل في الصحافة». ولكن الغريب والمدهش في الأمر أن هذا الكاتب لم يعترف بنفسه صحافياً إلا حين انتقل من العمل في الصفحة الثقافية الى ادارة تحرير الأقسام السياسية. «ففي صحافتنا اللبنانية والعربية لا يزال «مع الأسف» ينظر الى العاملين في القسم الثقافي على أنهم صحافيون مشكوك في جدارتهم المهنية، وهذا غير صحيح، لكنه يحدث في الواقع. أودّ أن أذكر في هذا المجال أن مؤسسي الصحافة العربية في لبنان ومصر كانوا في الأساس أدباء».
أما الكاتب حازم صاغية فالخيارات السياسية هي التي قادته الى الصحافة أي أنه بدأ كاتباً ثم أصبح صحافياً. «بدأت أكتب لاحقاً تحقيفات صحافية».
الناقد التشكيلي جوزيف طراب بدأ ناقداً للسينما ودخل الى الصحافة بهذه الطريقة. «كنت أعمل في الحقل الصحافي العام وبعد ذلك توجّهت الى النقد الثقافي ومن ثم الى النقد الفني. ولكن قبل كل ذلك بدأت أعمل في الصحافة كناقد للسينما في جريدة «لو سوار». كنت أهتم كثيراً بالسينما ودخلت إلى عالم الصحافة بهذه الطريقة». ثم بدأ طراب يهتم أكثر بالثقافة العامة والمسرح، لكنه عاد وركز على نقد الفن التشكيلي. ويضيف «كان أبي رساماً وأنا كنت أرسم وأهتم بالفن عامة، بالاضافة الى أنني شعرت أنني لا أستطيع أن أغطي كل المعارض والنشاطات الثقافية بشكل عام، فلا بد من التركيز على نوع فني معين. لذلك أصبحت ناقداً للفن التشكيلي». وأنه شعر أنه صحافي واقتنع بهذه المهنة عندما كان يحضر الدكتوراه في الاقتصاد والديموغرافيا في باريس، وأراد جورج نقاش أن يسلمه مسؤولية اصدار ملحق يومي، فترك الدكتوراه وأتى الى لبنان وبدأ بالعمل. «عندما أصدرت العدد صفر بيعت الجريدة. فأوقفت مشروع الدكتوراه وقد أعجبني العمل في هذا المجال أكثر من العمل في مجال الاقتصاد».
تكامل
وعن الفرق بين الكاتب والصحافي وتأثير الصحافة على كتابات كل منهم أتت الأجوبة مختلفة ومتنوعة، فالشاعر والصحافي عبدو وازن يعتبر أن الشعر والصحافة يكملان أحدهما الآخر، لكون عمله الصحافي يقتصر على الكتابة النقدية «إنني شاعر وناثر قبل أن أكون صحافياً لكن الشاعر الذي فيّ أو الذي هو أنا، نشأ برفقة الصحافي الذي هو أنا أيضاً. في هذا المعنى أستطيع أن أقول إنني كنت وما زلت ميالاً الى الكتابة النقدية الأدبية التي كانت خير داعم لي في حقل الشعر والكتابة الحرة. طبعاً الصحافي يظل حاضرا، خصوصا في ساعات العمل، لكنه سرعان ما ينام ليستيقظ في الشاعر وهو أصلاً لا ينام. ويضيف «الفرق بين الشاعر والصحافي الذي فيّ هو أن الشاعر هو الأساس وهو النبع والمرجع. انه يمثلني ككائن ويحمل الصراع الذي أعيشه فلسفياً وميتافيزقياً ووجودياً، أما الناقد فهو الآخر الذي يبحث عن المعرفة العقلية والمنهجية بعيداً عن الحدس الداخلي». ثم يعود ويستدرك «لكن الشاعر والناقد يكمل واحدهما الآخر وأذكر ما قاله بودلير «ان على كل شاعر أن يكون في داخله ناقد». الناقد الكامن في الشاعر يوجهه ويسهر عليه، أما الشاعر فيحاول التحرر الدائم من أسر الناقد الذي فيه». وعن تأثير الصحافة على كتاباته وحياته فهو يعتبر أن هذا التأثير هو ايجابي بشكل عام، لأنه يظل في عالم الكتابة ولو كانت نقدية. فالصحافة الثقافية أفادته كثيراً في فتح الآفاق الثقافية أمامه وجعلته يستفيد من الفنون كلها كالرسم والمسرح والسينما. ويضيف «صحيح أنني أحياناً أضجر من الصحافة الا أنني أظل أحبها، خصوصا حين أكتب مقالات تحتاج الى الكثير من الدقة والصبر والتأمل. فالعمل النقدي ولو كان في الصحافة لا يمكنه أن يكون متسرعاً ومتعجلاً. وأعتقد أنني وجدت لأعمل صحافياً لأنني حاولت أن أدرّس وفشلت وعملت في التجارة سنة وفشلت، وقد فــضلت أن أكــون صحــافياً على أن أعمل في الحلاقة النسائية أو نجاراً أو بائعاً أو صاحب دكان».
أما الصحافي محمد علي فرحات فلديه رأي مغاير عن الفرق بين الكاتب والصحافي لكونه ربما يعمل في الصحافة السياسية وليس في النقد الأدبي كالصحافي عبدو وازن، فبنظره ان الكاتب يقتطف من الأحداث ما يناسب الرهان على أفكاره أو ما يولد لديه الأفكار. أما الصحافي فيكتب الحدث ويبحث أيضاً عما وراءه. ويضيف «ومن ناحية ثانية، فان الصحافي يفترض أن يكون أميناً لتسجيل الأحداث. أما الكاتب فهو ينتخب من الأحداث وليس مسؤولاً عن أمانة كاملة». وبالنسبة لتأثير الصحافة على حياته وكتاباته فهي أعطته جرأة في الكتابة، أدت الى شفائه من التردد في اختيار الكلمات والصيغ، «جرأة جعلت الكتابة أشبه بالتنفس»، لكنه يعود ويستدرك أن هذه الجرأة قد تحمل من ناحية أخرى خطر الانحدار الى مستوى الكتابة التسجيلية التي تطفئ الروح الأدبية أو تضعها لمصلحة ما يرى أو يحس. ويضيف «ولكن كان لا بد من الصحافة بالنسبة اليّ كلبناني عاش على كثير من الانشاء وقليل من الأفكار. ولعل العمل الصحافي كان البوابة الذهبية لأدب لبناني جديد يتحرر من أسر الموروث الجمالي للوصول الى كتابة متوازنة تصل الى قاعدة واسعة من القراء».
فوارق
نظرة يوسف بزي حول الفرق بين الصحافي والكاتب تكمل نظرة فرحات اليها فيعتبر بزي أن الكتابة تستجيب لنزعة فردية وشخصية جداً، بينما العمل الصحافي هو انكباب الشأن العام ولغته وهواجسه وأولوياته. «الكتابة هي الخبر الخاص والصحافة هي الخبر العام. العمل في الصحافة تستوجب مخاطبة قارئ عمومي. أما الكتابة فتستوجب قارئاً نوعياً». أي ان الصحافة بالنسبة إليه هي اشتباك متعدد الأطراف وعلاقة متبادلة في الأخذ والعطاء أما الكتابة فهي الأغلب باتجاه واحد من الكاتب الى القارئ. والصحافة أعطته نوعاً من الادراك المباشر والمستمر واليومي لمجريات البيئة المحيطة به وتحولاتها، كما انها أعطته ثقافة وصلة ومعرفة. وفي نظر بزي ان الصحافة أيضا مؤثرة في صياغة لغة أدبية غير مغتربة للغة العامة كثيراً، «الصحافة هي تمرين يغذي بقدر ما يستهلك من الكاتب. أنا من جهتي لا أضجر من العمل في الصحافة لكنني قد أضجر من الكتابة الأدبية».
أما الناقد التشكيلي جوزيف طراب فلديه رأي مغاير عما سبقه من الصحافيين فهو يعتبر أن الصحافي يغطي الأشياء بسرعة دون أن يتعمق بها، أي انه يراها ويغطيها من الخارج. بينما الكاتب بعكسه، فعليه أن يتعمق ويدخل الى داخل الأشياء كي يفهم الجمهور العام. وطراب يعتبر نفسه ناقداً أكثر من صحافياً كونه يتعمق في الأشياء ويعطي من خلال كتاباته نظرة نقدية للأشياء ومفاتيح لفهم الأشياء من أجل الدخول الى العمل. ويضيف «القارئ يأخذ المفاتيح وممكن أن يكون رأيه مختلفاً في الأشياء، ومن الأفضل أن يكون كذلك. والناقد محفز لفكر وعين القارئ». لذلك يعتبر طراب أن الصحافة لا تؤثر على كتاباته لأنه يكتب كناقد ويبقى متعمقاً في الأشياء، «لم أعمل في الحقل الثقافي كصحافي، أحببت أن أذهب في العمق. كتاباتي تحليلية لاكتشاف سر العمل، أي أنني أكتشف الفنان من خلال أعماله».
أما الشاعر والصحافي حسين بن حمزة يعتبر الفرق بين الكاتب والصحافي نوعياً أي أن هناك فرقاً حاسماً وجوهرياً بين مقالة لكاتب وأخرى لصحافي، اذ يستطيع القارئ أن يتنبه أن لغة الكاتب تتحرك فوق طبقات عديدة ومعقدة، بينما غالباً ما يذهب الصحافي الى التحليل والخبر والابلاغ والرأي المباشر. ويضيف «هو فرق في النوع ولن يتغير هذا الفرق حتى لو قضى الكاتب عمره كله في الصحافة، لأنه سيظل كاتباً يعمل في الصحافة. بالمقابل الصحافة نفسها تغتني من خلال تورط الكتاب والمبدعين فيها». ويعتبر بن حمزة أن الصحافة هي عمل مضنٍ ومنهك اذ لا يعود الصحافي يجد وقتاً لنفسه فتأكل الصحافة من لحم الكتابة وتعيش منه، «أما الكاتب نفسه فيدفع هذا الثمن الباهظ وهو سعيد، لأنه على الأقل يدفع هذا الثمن مقابل نوع آخر من الكتابة». ويضيف «هناك كلام متداول عن فكرة تسرب الصحافة الى جملة الكاتب ونبرته. وهناك كلام مقابل عن استثمار الكتاب وخاصة الروائيين للغة الصحافة والتحقيق الصحافي في إنجاز رواياتهم». ولكن بن حمزة يعتبر أن هذه التأثيرات المتبادلة بين الصحافة والكتابة غالباً ما تذوب وتتحلل وتصبح جزءاً من الكتابة نفسها سواء أكانت عملا صحفيا أم كتابة ابداعية. أما الكاتب حازم صاغية فيعتبر أنه من المفروض ان لا يكون هناك فرق بين الكاتب والصحافي ويجب أن يكون الصحافي مثقفاً، «هناك فرق في مجتمعاتنا بين الكاتب والصحافي لأن الخبر في بلادنا يكون سريعاً ولا يطلب من الصحافي أن يتعمق فيه. أما في البلدان الأوروبية كل خبر سريع يوضع في قطعة جميلة ويضاف عليه تعليق. أما هنا المطلوب من الصحافي فقط أن يجلب الخبر». وبفضل الصحافة أصبح صاغية ليناً ومرناً وغدا يفكر بالقارئ أكثر عندما يكتب، «بدأت آخذ بعين الاعتبار آراء القراء». وكذلك اهتماماته غدت أوسع.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى