القيم الأخلاقية ومثاقفة الآخر
د. طيب تيزيني
تكثر الكتابات العربية حول حقل معين في هذه المرحلة، التي دشنها النظام الجديد منذ عقدين اثنين، نعني الكتابة في المثاقفة والعلاقة بين الأنا والآخر، وليس في ذلك غضاضة، ذلك أنه من دواعي الكتابة ذات المصداقية المجتمعية والتأثير الاجتماعي والأخلاقي أن تكون منطلقة من واقع الحال، الذي يعيش فيه الناس. وإذا كان هذا الأمر من شروط النشاط الأدبي، إلا أنه هو -كذلك- يمثّل مثل هذا الشرط للبحث الميداني في حقول الدراسات السوسيولوجية والنفسية وغيرها، وهذا يعني أن انشغال كتّاب بالموضوع المعْني هنا، حالة طبيعية مطلوبة. أما أن ينطلق كاتب أو آخر من تصنيف إطلاقي قطعي لمنظومة القيم الأخلاقية، كأن يرى أن هذا الشعب ذو أخلاق رفيعة وأن ذاك الآخر ذو أخلاق سيئة، هكذا بإطلاق، فإن ذلك عبث أيديولوجي مقيت، إضافة إلى كونه معيباً بالمعنيين العلمي والأخلاقي.
ذلك الموقف يسلكه محمد عابد الجابري، حيث يتحدث عن “الأخلاق الإسلامية” و”أخلاق الفرس”، فهو يعلن أمام حشد من الناس: “إننا في عصرنا هذا، نحتاج إلى كثير من المروءة، وإلى كثير من العمل الصالح. أما قيم الطاعة والخنوع. فلست أظن أنها قادرة على جعلنا أكثر قوة واستعداداً لمواجهة التحديات التي يطرحها عصرنا. ولكي يكون لهذا الكلام ما يبرره أمامكم… اسمحوا لي أن اقترح عليكم تعريفاً للقومية العربية مستوحى من نظام القيم في الثقافة العربية الإسلامية. هذا التعريف هو: القومية العربية هي المروءة والعمل الصالح لفائدة الأمة”.
تأتي كتابتنا هذه من وحي الندوة، التي انعقدت في الدوحة قبل ثلاثة أسابيع تقريباً، وكانت حول فعل الأنا والآخر في ضوء المثاقفة وعبر التراث العربي. وما نريد الإشارة إليه الآن يتمثل في عدة أمور لا نريد إثارتها جميعاً وإنما نريد التنبيه إلى واحد منها. أما تلك الأمور فهي: 1) تعريف القومية العربية بكونها “المروءة والعمل الصالح لفائدة الأمة”. 2) التمييز بين قيم المروءة والعمل الصالح، وهي -هنا حسب الجابري- قيم من “الأخلاق الإسلامية” من طرف، وبين قيم الطاعة والخنوع، من طرف آخر. 3) لا مجال إذاً للمقارنة بين الفريقين إلا على سبيل البحث العلمي أو الذم الأخلاقي.
ما يؤخذ على ذلك يتمثل في أن الجابري يميز تمييزاً إطلاقياً أولاً وعرقياً ثانياً بين (أخلاقنا) وأخلاق (الغير)، ففي بنيتنا العربية الإسلامية الخيرُ كله وفي بنية الآخر (الفارسي في هذه الحال).
فالأمر الممثَّل بجدلية الأنا والآخر وبصيغة المثاقفة بينهما، يُفضي -والحال على ذلك النحو- ليس إلى نزعة استعلائية لصالح أحد الفريقين فحسب، وإنما ربما كذلك إلى صراعات طائشة بين فئات وشعوب من مثل تلك المشتعلة في مكان أو آخر من عالمنا، ناهيك عن أن الحديث عن شكل من أشكال التمييز “العرقي الطبيعي أو الأصلي” بين الشعوب عمل قاصر معرفياً، إضافة إلى أن تعريف القومية العربية المذكور إنما هو تعريف إيديولوجي ذاتي. ما هي، إذاً، عناصر الحوار بين الأنا والآخر.
الاتحاد