صفحات العالمما يحدث في لبنان

الحريري وسوريا: مواجهة أم تسليم ؟

سركيس نعوم
تخشى جهات لبنانية عدة نشوب ازمة كبيرة في العلاقات بين زعيم “تيار المستقبل” وقائد 14 آذار، أو ما تبقى منها، رئيس حكومة لبنان سعد الحريري وسوريا تطيح مفعول “المصالحة” التي جرت بينه وبين الرئيس بشار الاسد في اثناء الزيارة الاولى له كسياسي ومسؤول لدمشق في العشرين من كانون الاول الماضي. طبعاً لا تعني هذه الخشية ان الجهات المذكورة اقتنعت في حينه ان كل الخلافات الموقتة والعميقة بين الرجلين سلكت طريق الحلول بعد الزيارة المشار اليها والحفاوة والود اللذين احاط بهما الرئيس السوري ضيفه اللبناني، لكنها تعكس خيبة لديها من عدم متابعة ملف العلاقة اللبنانية – السورية واستطراداً الحريرية – السورية على نحو يؤكد رغبة طرفيها الصادقة في التوصل الى حلول او الى تسويات للخاص والعام، وخيبة من مشكلاتهما وخيبة من سرعة عودة الشكوك السورية في النيات الفعلية للرئيس الحريري ومن المسارعة الى تسريبها الى عدد من وسائل الاعلام في دمشق وبيروت سواء مباشرة او بواسطة القريبين. كما تعكس الخشية نفسها خوفا على الاستقرار اللبناني الظاهري (رئاسة جمهورية متحركة ولكنْ بفاعلية مقيدة، وحكومة توافقية شبه مشلولة، وأمن مهدد كل لحظة) الذي سهّلته المصالحة بين المملكة العربية السعودية وسوريا في الأشهر الماضية وربما خوفاً على المصالحة نفسها.
ويبدو ان هذه الخشية بدأت تزداد في الايام الاخيرة، وخصوصاً بعدما بدأت وسائل اعلام موثوق باخبارها عن مواقف سوريا وحلفائها داخل لبنان وخارجه، نَقْلَ “اتهام” سوريا للرئيس الحريري بعدم التزام ما اتُّفق عليه خلال زيارته لدمشق، وخصوصاً اثناء اجتماعه الطويل مع الرئيس الاسد، سواء على صعيد إعداد فريق لبناني للعمل مع فريق سوري على معالجة معظم القضايا الخلافية بين لبنان وسوريا او على صعيد تغيير الاجواء المتشنجة ضد سوريا داخل تيار “المستقبل” واستطراداً داخل فريق 14 آذار، وتالياً التخلي عن الخطاب التحريضي ضدها. وازدادت الخشية ايضا بعد نشر صحيفة ايطالية اخيراً موقفاً للحريري اعتبرته دمشق مؤذياً بل معادياً، لما تضمّنه من مقارنة لسوريا بعراق صدام حسين.
هل الخشية في محلها؟ وهل يمكن ان تتطور الامور بحيث تؤدي الى عودة المصالحة اللبنانية – السورية والحريرية – السورية الى النقطة الصفر؟
انها في محلها طبعا. ذلك ان النقد للحريري وجماعته وحلفائه لم يقتصر على وسائل اعلام لبنانية رغم الثقة بأخبارها السورية، بل وجد طريقه ايضاً الى وسائل اعلام سورية. إن تطور الاوضاع على نحو ينعكس سلباً على المصالحتين المذكورتين امر محتمل في كل لحظة، ولذلك فان المصالحة مطلوبة وبسرعة تلافياً لأي تدهور لا يمكن ان يفيد منه لبنان وخصوصا في مرحلة انقلاب ميزان القوى داخله لمصلحة فريق 8 آذار المدعوم من سوريا وايران الاسلامية. ولكن نجاح المصالحة لن يتحقق الا اذا كانت نيات الجميع صادقة. وذلك يعني ان على سوريا ان تقنع اللبنانيين الخائفين منها والراغبين في الوقت نفسه في علاقة أخوية ومتكافئة ومميزة معها بأنها لا تنوي مواصلة تنفيذ سياستها اللبنانية السابقة التي أخرجتها من لبنان عام 2005 ، وإنْ بأسلوب آخر، مستفيدة من ظروف اقليمية وعربية ودولية مالت الى مصلحتها بعد طول ابتعاد عنها. وعليها ان تقنعهم بأنها لا تنوي السيطرة على بلادهم عبر حلفائها، وبأنها لا تريد ان تفسح في المجال لفريق أو لشعب ان يحكمه “بالنيابة” عن الآخرين او حتى من دون موافقتهم، وبأنها لن تبقي لبنان ساحةً مهمتها تأمين مصالحها واستعادة حقوقها المشروعة الحقيقية من اسرائيل.
وذلك يعني ايضاً ان على اللبنانيين الخائفين من سوريا انفسهم أن يقنعوها بأن لبنان المستقر الذي يحكمه ابناؤه كلهم، لا فريق منهم، هو الذي يحمي ظهر سوريا، وبأن لبنان السيد والمستقل وصاحب العلاقات العربية والدولية هو الذي يساعدها في المحافل الخارجية، وبأن العلاقة من دولة الى دولة بين لبنان وسوريا هي صمام الأمان لكليهما، في حين ان اقامة علاقات مباشرة مع الشعوب والقبائل والمذاهب والطوائف وغيرها تؤذي لبنان وتحمل بذور أذيّة سوريا في الوقت نفسه.
في اي حال على سوريا ان تعرف ان مهمة سعد الحريري “التطبيعية” معها، سواء كابن الشهيد رفيق الحريري او كسياسي او رئيس حكومة، ليست سهلة على الاطلاق، وان ما طلبه منه الاسد في اجتماع التسع ساعات او ما التزم هو القيام به ليس سهل التنفيذ ويحتاج إلى تعاون منها ومساعدة. وما تقوم به بعد انقلاب موازين القوى داخل لبنان ومعها حلفاؤها لا يشجعه على المضي قدماً بل يزيد مخاوفه ويضاعف من تردده الموجود اصلا ويدفعه الى التمسك بـ”النافذة” السعودية مدخلاً لعلاقة سليمة مع سوريا رغم معرفته ان الأخيرة ترفض ذلك جملة وتفصيلاً رغم كل كلام علني ورسمي مخالف.
وفي اي حال ايضاً، على سعد الحريري ان يعرف كيف يعيد بناء العلاقة الشخصية والعلاقة اللبنانية مع سوريا وأن يضع استراتيجيا لذلك وخطة تنفيذية لها، وذلك يعني إطلاع الناس – كما فعلت سوريا عندما راودتها المخاوف من تصرفه – على الحد الادنى، اي على الخطوط العريضة لتفاهمه، كي لا يظهر نتيجة “الاحتراف” السوري انه تراجع فيصبح الحق عليه. وسياسة “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان” هنا لا تفيد كثيراً علما ان ذلك لا يعني نشر كل “الاسرار”، بل يعني معرفة استخدام الاعلام، او الجرأة في استخدامه. ويعني ذلك ايضا ان يحدد الحريري خياراته في صورة نهائية، وما يستطيع ان يقبل من طلبات سوريا وما لا يستطيع ان يقبل، وبما يتمسك من مطالب لبنان وعما يتخلى، وان يشرك معه اللبنانيين على اختلاف “شعوبهم” في محاولة اقامة اول علاقة اخوية جدية ومتكافئة ومميزة بين دولتين توأمين هما سوريا ولبنان. ويعني ذلك اخيرا ان على الحريري ان يحدد خياراته الاقليمية او بالاحرى ان يعرف ماذا يستطيع ان يُحصِّل “لقضيته” وللبنان من هذه الخيارات وكيف. فهو لا يستطيع وليس في مصلحته ومصلحة لبنان التخلي عن السعودية ودورها. لكن عليه ان يعرف انها كدولة اقليمية كبرى لها مصالح قد تدفعها الى التناقض معه ومع بلاده. وهو لا يستطيع وليس في مصلحته ومصلحة بلاده ان يوافق على احتواء سوريا له ولها، لكنه لا يستطيع ان يفرض عليها احترام الاثنين ومصالحهما الا اذا كان في جعبته ما يقايض به. في اختصار: الواقعية قد تدفع الى نصح الحريري “بالتسليم” بالعودة السورية في ظل انقلاب موازين القوى والمصالحات العربية التي كانت على حساب لبنان. اما الحكمة والوطنية فقد تنصحانه بعد درس كل امكاناته وعلاقاته بالتسليم بأن الدور اللبناني لسوريا مهم ولكن برفض ان يعود لبنان تحت حكمها مباشرة او مداورة وبطلب مساعدتها لاقامة لبنان الذي يشعر ابناؤه كلهم بالولاء له ونتيجة لذلك لا بد ان يشعروا بالامتنان لها.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى