سعد وبشار: مش ماشي الحال
ابراهيم الأمين
في علاقة سعد الحريري مع دمشق كوّة، هي من النوع القابل للاتساع كلما تأخر العمل على سدها، باعتبار أن تجربة التواصل بين الزعيم الشاب والقيادة السورية لم تعط ثماراً من النوع الذي يجعل المعنيين بالأمر يراهنون على ما هو أفضل في وقت قريب. ويبدو أن المشكلة هذه المرة لا تخص الحريري وحده، بل في الأجواء ما يشير إلى أن هناك مشكلة جديدة بين الرئيس ميشال سليمان والقيادة السورية أيضاً. وهي أيضاً من المشكلات التي تتطلب علاجاً، وإن كان من نوع مختلف. وبين الرجلين انتظار قائم لما سيدلي به النائب وليد جنبلاط لقناة «الجزيرة الفضائية» مساء الثالث عشر من هذا الشهر، وما سيعلنه في اليوم التالي، حيث يقيم احتفالاً في الرابع عشر من آذار لمناسبة ذكرى السادس عشر من آذار التي تخص والده الراحل كمال جنبلاط، علماً بأنه بحسب المتابعين لهذا الملف، فإن الكلام سيحل الجانب الشكلي من مشكلة جنبلاط مع الحكم في سوريا، وسيفتح الباب أمام زيارة تكون سريعة له إلى دمشق واجتماعه هناك مع الرئيس بشار الأسد وآخرين من القيادة السورية.
في ما خص الحريري، يبدو أن القيادة السورية «منزعجة للغاية» من كون الحريري «لم يلتزم ما اتُّفق عليه خلال زيارته لسوريا وبعد نتائج اجتماعاته الطويلة مع الرئيس الأسد». وبحسب المعنيين، فإن الحريري «كان قد تفاهم مع الأسد على آلية لمتابعة عدد من الملفات العالقة بين البلدين، واتفقا، لتسهيل الأمر، على أن يرسل الحريري خلال يومين من تاريخ عودته إلى بيروت أسماء مساعدين له ليقابلوا مساعدين للرئيس السوري ويتولى الجانبان إعداد كل ما يتصل بالملفات العالقة وتجاوز البيروقراطية، على أن يكون بعد ذلك برنامج تواصل بين الوزراء المعنيين في الحكومتين، وخلق مساحة تواصل أمني ـــــ سياسي، تكون مقدمة لترتيب لقاءات على مستوى رئيسي حكومتي البلدين. وكان متوقعاً أن يجري ذلك الشهر الماضي. لكن الحريري لم يسمّ مساعدين، ولم يرسل وزراء للتعاون ولا جرت اتصالات جدية في هذا السياق».
بالإضافة إلى ذلك، فإن تفاهمات أخرى حصلت مع الحريري خلال زيارته لسوريا «منها تعهده إدارة برنامج عمل سياسي داخل تيّاره وفريقه السياسي يؤدي إلى وقف كل أشكال الحملات الإعلامية والنقد السلبي لسوريا أو العلاقة معها، ولو استلزم ذلك من الحريري إبعاد من لا يوافق أو يمتنع عن تنفيذ هذه التوصيات، بالإضافة إلى تولي الحريري نفسه إدارة عملية سياسية تنتج تخلياً عن كل الخطاب السابق الذي كان يقوم على أساس التحريض على سوريا».
وتبيّن للقيادة السورية أن الحريري لم يلتزم هذا الأمر أيضاً، فظلت المواقف تصدر عن أعضاء في قيادة تياره الحزبي أو نواب من أعضاء كتلته النيابية أو مساعدين إعلاميين له أو سياسيين أو دبلوماسيين، وما يشاع من أجواء تظهر في مواقف وكتابات وتصرفات. وقد حاولت القيادة السورية تدارك الأمر بأن أرسلت له من يلفت انتباهه، لكن الحريري قال أمام الموفد: «إن هؤلاء يفرغون ما بقي في مخازنهم من رصاص، ومن الآن فصاعداً لن تسمعوا تصريحاً واحداً ضد سوريا». ومع أن الحريري عمد إثر ذلك إلى إبلاغ عدد كبير من مساعديه وكوادره أن يتركوا له وحده أمر العلاقة مع سوريا، كما أمر العلاقة مع النائب وليد جنبلاط، إلا أن دمشق كانت تتلقى المزيد من الإشارات السلبية. وفي كل مرة كانت سوريا تشعر بأنها معنية بلفت انتباه الطرف الضامن لهذه العلاقة، أي المملكة العربية السعودية، إلى الأخطاء المرتكبة من الحريري. وكانت الرياض تتولى التواصل مع الحريري في محاولة لترتيب الأمر، لكن الصورة لم تتبدل كثيراً إلى حد ما وصلت إليه أخيراً في تصريحات أطلقها الحريري في إيطاليا وفي الكويت، بدت حاسمة للقيادة السورية بأن الرجل ليس على الخط الصحيح.
الحريري لم يلتزم كل تعهّداته والأسد أبلغ عبد الله ملاحظاته
بالإضافة إلى ذلك، كان مقربون من الحريري يتحدثون بلغة مختلفة عن علاقته بسوريا، وخلال أسبوعين على أبعد تقدير، انتهى مفعول الزيارة، وما إن جاء احتفال 14 شباط، حتى بدا أن التفاهم الذي رافق إعداد لائحة خطباء الاحتفال وكلماتهم يشير إلى أن الحريري لم يتقدم نحو التغيير الفعلي. وترافق ذلك مع تسريبات منسوبة إلى مساعد الحريري الإعلامي هاني حمود، بينها ما قاله أمام إعلاميين في الكويت عن أن الحريري ليس مضطراً للأخذ بكل ما تريده دمشق، وأن على سوريا التزامات يجب أن تنفذها بداية. علماً بأن حمود عاد وطلب من الإعلاميين عدم استخدام هذا الكلام «كي لا نسيء إلى الكويت التي قد لا ترغب في أن يصدر من عندها كلام انتقادي لسوريا».
ومع ذلك، كانت الاتصالات تستمر لمعالجة الأمر. الأتراك يتدخلون من هنا، والقطريون أيضاً، وصولاً إلى الزيارة العاجلة التي قام بها أخيراً الأمير عبد العزيز بن عبد الله إلى دمشق والاجتماع بالرئيس الأسد الذي اهتم بالتغطية الإعلامية للقاء اشتمل الحديث فيه على توضيحات من الرئيس السوري، بأنه «غير مرتاح إلى ترداد الحريري الحديث عن علاقة شخصية جيدة مع الرئيس الأسد، لأن المطلوب علاقة جيدة بين البلدين وبين الحكومتين، لا بناء صداقات يصعب أصلاً تركيبها خلال تسع ساعات».
كانت تلك آخر الرسائل التي ستسبق زيارة مرتقبة للحريري إلى دمشق مع وفد وزاري، يتخللها لقاء مع الأسد، لكن يصعب من الآن توقع تكرار مشهد الحميمية التي ظهرت في الزيارة الأولى.
الأخبار