ماذا وراء عودة سوريا إلى الرسائل بالواسطة ؟
روزانا بو منصف
يتناغم عدد من السياسيين اللبنانيين مع المواقف التي تصدر في الصحافة السورية في شأن الوضع الداخلي في لبنان على نحو يوحي عودة هؤلاء الى التعبير مباشرة او غير مباشرة عن رأي المسؤولين السوريين وغالبا عن تحفظاتهم عن اداء المسؤولين اللبنانيين بحيث ان من يفوته الاطلاع على الصحافة السورية المتابعة بدأب تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية في كل تفاصيلها وصاحبة الرأي فيها بالنيابة عن المسؤولين في القيادة السورية، يمكنه معرفة ما ترغب هذه القيادة في ايصاله من رسائل عبر هؤلاء السياسيين من دون التورط مباشرة في الشأن الداخلي اللبناني على الاقل امام انظار الدول التي لا تزال تتابع لبنان.
والرسائل التي ينقلها هؤلاء بالاصالة عن السوريين او بالنيابة عنهم تطاول رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وعدم الرضى عن توقيت الاعلان والدعوة الى طاولة الحوار راهنا، الى رئيس الحكومة سعد الحريري ومواقفه الاخيرة الى صحيفة كوريري دولاسييرا الايطالية وما بينهما الى الشروط المتزايدة لزيارة النائب وليد جنبلاط لدمشق. وهذه الرسائل ليست جديدة بمعنى ان عدم الرضى السوري عن الرئيس سليمان سار ولا يزال يسير في موازاة النقزة التي اثارها لدى البعثات الديبلوماسية الاجنبية في لبنان حول ما تردد عن اتصالات اسبوعية وربما اكثر بينه وبين الرئاسة السورية في اطار ما يعتبره رئيس الجمهورية التواصل والتعاون على قاعدة صداقة تربط بين الرجلين، بحيث بدأت تثار علامات استفهام حول المدى الذي يمكن ان يبلغه الرئيس سليمان في هذا الاطار في ظل استمرار رعاية دولية للبنان لم تضع حدا للاهتمام به. ولم يخف بعض رؤساء البعثات انزعاجهم من طبيعة هذا التواصل ووتيرته ايضا، ولم يفهموا مبرراته على وجه التحديد، في حين ان الرسائل السورية متواصلة في الضغط على الرئيس سليمان تارة عبر الاحاطة الرمزية المبالغ فيها لرئيس “تكتل التغيير والاصلاح” الذي ذهب بعيدا ولا يزال في تقديم الاوراق السياسية وغير السياسية المجانية لسوريا وفق ما حصل في الاشهر الاخيرة، وطورا عبر انتقادات مباشرة له او رسائل اخرى لزوار دمشق يقال ان هؤلاء ينقلونها له من اجل دفعه الى تقديم المزيد نحو سوريا في محاولة لاعادة الزمن الى الوراء في رئاسة الجمهورية، اي زمن سلفه العماد اميل لحود. ويندرج في هذا الاطار المآخذ على توقيت اعلان طاولة الحوار وتركيبتها غداة قمة دمشق السورية الايرانية من اجل دفع الرئيس سليمان من اجل تقديم تنازلات، وبالنسبة الى البعض المزيد منها بالنسبة الى الطاولة وسائر الامور الاخرى، علما ان الطاولة راجحة لمصلحة قوى 8 اذار عبر ممثلين محسوبين على سوريا مباشرة لم تسر عليهم معايير الاستبعاد، شأنهم شأن قوى اكثر تمثيلا وحضورا سياسيا منهم، ولو اعتبر قريبون منه ان عدم الرضى من اي جهة من الاكثرية او الاقلية عن طبيعة الافرقاء المدعوين الى هذه الطاولة يعني انه على الطريق الصحيح ولا يستطيع ان يرضي الجميع.
ويتكرر المشهد بالاسلوب نفسه مع رئيس الحكومة الذي يعتبر انه ارسى علاقة شخصية مع الرئيس السوري على قاعدة المصارحة والاتفاق على عدم توجيه سوريا الرسائل عبر الاعلام او عبر زوارها كما دأبت على القيام به في زمن والده في شكل خاص الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بل من خلال التواصل المباشر والقنوات المفتوحة ايجابا بين الجانبين. وتصل رسائل شبه يومية الى الحريري، سياسية واعلامية او سياسية اعلامية على حد سواء على نحو يعبر عن استياء سوري من حلفائه في اتجاه دفعه الى التخلي عنهم او تطويع تياره والسياسيين المنضوين من ضمن تكتله النيابي الواسع او ايضا في اتجاه تصحيح مواقفه على وقع ما يناسب السوريين ولو على نحو يغاير الواقع او ينسف مرحلة ما بعد الانسحاب السوري القسري من لبنان في نيسان 2005 على نحو كلي. وبمعنى آخر عادت سوريا لتحاول ان تفرض عبر حلفائها ان تكون هي المعيار في الحكم على صوابية الاداء السياسي اللبناني واداء المسؤولين الكبار فيه، وتاليا رضاها عن ذلك او عدمه.
هذا الاداء السوري غير خاف على المتابعين المحليين والخارجيين على حد سواء ويثبت مجددا للمراهنين على ان سوريا تغيرت، ان هذا الامر بعيد من الواقع ولا يعكس الحقيقة ما دامت تحاول مجددا تدجين السياسيين اللبنانيين ومواقفهم ليس على وقع مواقفها في السياسة الخارجية فحسب بل على وقع اعادة عقارب الساعة الى الوراء على كل الصعد. بعض المتابعين الديبلوماسيين يميل الى تحميل المسؤولية في هذا الاطار الى السياسيين اللبنانيين الذين ذهبوا مجددا بعيدا في مسايرة سوريا بحيث انتزعوا من الخارج القدرة على التحفظ عن كثير من هذا الاداء السوري المتجدد في لبنان ولا سيما بالنسبة الى ما حصل على صعيد بعض المواقف السياسية لاركان في قوى 14 اذار بعد الانتخابات النيابية في حزيران الماضي التي ثبتت الغالبية السياسية لهذه القوى، فيما يسود انطباع ان الاندفاع السياسي الداخلي نحو سوريا مرده في جزء كبير منه الى الاستيعاب الاقليمي والدولي لسوريا مجددا، مما اثار الخشية من ترك اللبنانيين وحدهم في مواجهتها واثار ردود فعل ارتدادية اذا صح التعبير. وليس واضحا في هذا السياق من جنح اكثر من الآخر او ما مدى سوء الفهم الذي سمح بذلك، لكن النتيجة تبدو على الاقل متاحة لمحاولة اعادة سوريا ادارة الوضع اللبناني على ايقاع ارادتها وحدها وفق ما توحي كل الظواهر.
النهار