صفحات سورية

أضواء على زيارة بشار الأسد إلى باريس: سـاركوزي يؤسـِّس لهـيمنة مـن نـوع جـديد في حـوض المتوسـط في غياب الشـعب السـوري

null
لجنة التنسيق من أجل التغيير الديمقراطي في سورية
تأتي زيارة بشار الأسد إلى فرنسا والتي تستمر لمدة ثلاثة أيام (الخميس 12- السبت 14 تشرين الثانَي/نوفمبر 2009) بعد مرور أيام قليلة على تشكيل حكومة سعد الحريري في لبنان. وتٌتوِّج لسلسلة من المساعي التي كان النظام في سورية يمارسها مع الأكثرية اليمينية الحاكمة في فرنسا من أجل توثيق العلاقات بين السياستين السورية والفرنسية. فالزيارة ليست غريبة عن تشكيل هذه الحكومة، وتندرج في سياق من جهود التعاون ما بين النظامين للسير معا في اتجاه واحد، طالما كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يترقب، حتى توقيت يسبُق بقليل تشكيل حكومة الحريري، وقبيل أن يحزم بشار الأسد أمتعته للتوجه إلى باريس، من القيادة في دمشق أن ترفع  آخر العراقيل التي كانت تضعها أمام تشكيل هذه الحكومة.  وكانت سبقت الزيارة تصريحات أدلى بها الأسد في كرواتيا، أكد فيها تصميمه على استئناف المفاوضات مع إسرائيل. وذلك في ما عَمَدَ النظام الحاكم  في الآونة الأخيرة بالاتفاق مع السلطات الأوربية، وفي مقدمتها الفرنسية، إلى ترطيب الأجواء العربية، وبوجه خاص مع كل من مصر وحكم آل سعود. وكان بشار الأسد وعد نظيره الفرنسي في لقائهما بباريس بمناسبة المؤتمر الأول للاتحاد من أجل المتوسط بأن يتعاون مع الدول الغربية  في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني. وليست أيضا هذه الزيارة بالغريبة عن تأجيل سورية التوقيع على اتفاقية الشراكة السورية الأوروبية، والتي كان من المقرر التوقيع عليها يوم 26 تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وكانت فرنسا ساركوزي مارست جهودا ملموسة لرفع العقبات التي كانت بعض دول الاتحاد الأوروبي تضعها للحيلولة دون إبرام هذه الشراكة ما لم تحترم الحكومة السورية بندا واردا في بروتوكول الشراكة يلزمها باحترام حقوق الإنسان. وقد كُلِّلت جهود المقيم في قصر الإليزيه بالنجاح، إلا أن السلطات السورية طلبت في اللحظة الأخيرة تأجيل التوقيع عليها متذرعة بأنها عاكفة على دراسة تأثيرات الاتفاقية على الاقتصاد السوري. وهو الأمر الذي خيَّب آمال الرئيس ساركوزي، وإن كان هذا الأخير لم ييأس بعد من تعاون أوثق للنظام في سورية مع السياسية الفرنسية. لذا فإنه يريد من أجل التعويض عن هذا الكدر المفاجئ أن ينيط بضيفه السوري دورا حيويا في إطار الاتحاد من أجل المتوسط،، وأن يتيح  الفرصة أمام فرنسا وشركائها الأوروبيين كي يمارسوا دورا أكبر إلى جانب السياسة الأمريكية في رفع العقبات، في إطار الاتحاد المتوسطي إن تيسِّر ذلك، التي تقف عائقا  أمام المفاوضات على المسارين السوري-الإسرائيلي، والفلسطيني- الإسرائيلي .
ويرافق هذه الزيارة العديد من الملابسات، إن من حيث توقيتها أم من حيث مراسمها. فقد كان من المقرر أن تُنَفَّذ في شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل، وذلك في ما كان كبار المسؤولين من البلدين يتدارسون ما إذا كانت زيارة دولة، أم هي رسمية، أم زيارة عمل. وانتهت الاتصالات التي كانت تُعقد ما بين الطرفين إلى تقريب موعد الزيارة، ومنحها صفة زيارة العمل. ويرجع السبب وراء حجب زيارة الدولة عنها، إلى أن حملة الاعتقالات الأخيرة التي شملت المعارضين في سورية وناشطي جمعيات حقوق الإنسان، وأن كانت لا تسبِّب إحراجا صريحا للحكومة الفرنسية مادامت اكتفت وزارة خارجية برنارد كوشنير  بتصريح رسمي يطالب بالإفراج عن المحامي الأستاذ هيثم المالح، وهي توزِّع بالعشرات في الأسبوع الواحد تصريحات مماثلة تضامنا مع معتقلي الرأي في جميع أنحاء العالم، إلا أنها رأت أن من السابق لأوانه أن يٌستقبل الرئيس السوري بمراسم زيارة الدولة، وهي أعلى درجات الاستقبال التي تُمنح لضيوف فرنسا من رؤساء الدول، وأن من الأفضل تأجيلها إلى موعد لاحق بحيث تأتي كمكافأة له بعدما يُصْدِر عندما تحين الفرصة المناسبة عفوا رئاسيا عن الأستاذ المالح وعدد من معتقلي الرأي.  بيد أن الأدهى من هذه الأسباب الشكلية،أن زيارة الدولة قد أُُجِّلَت إلى ما بعد إحراز تقدُّم أوسع على مسار التعاون الوثيق ما بين سياستي قصر المهاجرين وقصر الإليزيه، لاسيما وأن الرئيس الفرنسي يريد من الحكم السوري أن يرفع يده نهائيا عن التدخل في الشؤون اللبنانية، وأن لا يعوِّق حكومة الحريري ويعطِّلها،  أو أن يفعل بما يتفق مع السياسة التي ترسمها الاحتكارات الكبرى في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية في إطار المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية، في ما يتعلق – بوجه خاص –  بالعراق وفلسطين وحزب الله في لبنان.
ويعود تقريب موعدها، إلى الصعوبات الداخلية التي يواجهها الرئيس ساركوزي في ما هو يُنهي النصف الأول من عهده الرئاسي ويبدأ نصفه الثاني الذي يشارف على نهايته في فصل الربيع من العام 2012. ويريد الرئيس ساركوزي، ومن ورائه الأكثرية اليمينية الحاكمة، والمصالح الأوروبية ومنها الفرنسية، أن يُحرز الرئيس الفرنسي في النصف الثاني من عهده الرئاسي، وبوجه السرعة، نجاحا باهرا على الصعيد الدبلوماسي بما ينسيه الصعوبات التي تعترضه على الساحة الداخلية، وبما يعيد ثقة الرأي العام به، بعدما انحسرت نسبة مؤيِّديه إلى ما دون 38 بالمائة من الناخبين حسب استطلاعات الرأي. ولما كانت الدبلوماسية الفرنسية تميَّزت في عهده الرئاسي بتوجُّهاتها الإمبريالية، على نحو ما هو واضح من خلال عودة فرنسا إلى القيادة العسكرية الموحَّدة للحلف الأطلسي، وتكثيف مشاركتها في الحرب الأفغانية، ومساعيها الحثيثة لتوثيق العلاقات الأوروبية- الإسرائيلية ورفع الشراكة مع إسرائيل إلى مستوى إستراتيجي، إقليمي وعالمي، ودعمها لحكام العراق، وذلك بين عديد من الحالات غيرها، فإنه يريد أن يستفيد ما أمكن له ذلك من ترأسه للاتحاد من أجل المتوسط إلى جانب نظيره المصري من أجل أن يُحرز لسياسته وللمصالح الاقتصادية والمالية التي تدعمه، اختراقا واسعا بما يوسِّع من هيمنة هذه المصالح في عهد العولمة النيوليرالية على الأسواق العربية المجاورة للاتحاد الأوروبي، ويساعد الرأسمالية العالمية في الغرب بفضل التوسُّع المتوسطي على توفير ظروف اقتصادية أفضل للخروج من أزمتها المالية والاقتصادية المستحكمة. وكان الرئيس ساركوزي بالاتفاق مع البنوك والمؤسسات الإنتاجية الكبرى في أوروبا أطلق رصاصة الرحمة على مسيرة برشلونة الأوروبية المتوسطية التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، وفتح حيزا جديدا كي تتنفس من خلاله هذه المصالح، وذلك في ما عُرف بالاتحاد من أجل المتوسط الذي شهد النور بباريس في الثالث عشر من تموز/يوليو من العام 2008، بمشاركة بشار الأسد وعدد كبير من رؤساء دول وحكومات 43 دولة بينهم رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق أيهود أولمرت . لذا، فإن الحكام الفرنسيين شجعوا في الساعات والأيام القريبة الماضية  الرئيس السوري على زيارة فرنسا على وجه السرعة، وفتحوا أمامه أبواب قصر الإليزية، والتي كانت هي نفسها أُُغلقت قبل ساعات قليلة وراء نتانياهو الذي كان في زيارة عمل هو الأخر للرئيس الفرنسي يوم أمس الأربعاء في القصر الرئاسي بباريس.
ويعوِّل اليوم الرئيس ساركوزي والمصالح التي ترفعه إلى سدة الحكم الآمال على منح الاتحاد من أجل المتوسط حيوية وانطلاقة لم يقوَ حتى اليوم، وبعد مرور سنة ونصف السنة على تأسيسه على اكتسابها، من جراء الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في غزة، واعتذار الحكام العرب عن المشاركة إلى جانب إسرائيل  في نشاطات الاتحاد الذي لم يَستكمل حتى اليوم بناء هياكله الإدارية والقيادية. وكان الرئيس ساركوزي يرمي في العام 2008 من وراء الدعوة إلى تأسيس هذا الاتحاد أن يكون هذا النظام الإقليمي الجديد حيزا يساعد على احتواء النزاع العربي الإسرائيلي من جهة، ويسترضي تركيا بإنجاز مزيد من التقارب الأوروبي معها، بما يعوض لها حرمانها من الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي من جراء الفيتو الفرنسي على عضويتها فيه، ويُوفِّر  أيضا الظروف السياسية أمام تشييد السوق الحرة في حوض المتوسط. وسيَطلب الرئيس الفرنسي من ضيفه السوري أن يوافق على عقد قمة لبلدان حوض المتوسط في موعد قريب لاحق، وتوفير الفرص أمام عقدها في تركيا، ومنح الاتحاد وظيفة سياسية، وهي توفير الاستقرار والأمن في حوض المتوسط، لاسيما وأن النظام في دمشق، حسب ما تكشف عنه التصريحات الرسمية الصادرة عن القيادات، مصمِّمة على استئناف مفاوضات السلام. وكان الرئيس التركي عبد الله غول أجرى زيارة رسمية لفرنسا في مطلع شهر أكتوبر الماضي، وذلك في ما تَحتفي السلطات الفرنسية هذا العام بالموسم الثقافي التركي. وفي هذه الأثناء، فإن السياسة الإمبريالية للاتحاد الأوروبي إذ هي تحيِّي التقارب ما بين سورية وتركيا، فإنها تجد في الصداقة السورية التركية الناشئة ظروفا مناسبة لمد الاتحاد من أجل المتوسط بالحياة، وتعوِّل أيضا على أجواء التعاون التي تخيم على طرفي جبال طوروس لتدفع بالاتحاد من أجل المتوسط على مسار سياسي يستمد قوته من العلاقات الوثيقة السورية التركية.
إن الشعب السوري الذي خاض معارك متتالية في الخمسينات من القرن الماضي لإحباط سياسة الأحلاف النيوكولونيالية التي كانت تريد أن تبسط على سورية هيمنة الإمبريالية، يستمد اليوم من نضالاته عبر التاريخ من أجل حريته وضد الأحلاف  قوة لمواجهة هذا الشكل الجديد من الأحلاف الاستعمارية التي تأخذ أشكالا جديدة لا تقل عنفا عن سابقاتها، وإن كانت تتخفى اليوم وراء أنظمة ومجموعات جديدة، وذلك تحت اسم الاتحاد من أجل المتوسط تارة، والشراكة السورية الأوروبية تارة أخرى،  ووراء أقنعة التعاون الدبلوماسي والاقتصادي والثقافي، هذا، إن لم تَعْمَد إلى العنف الدموي والمباشر كما يحدث في العراق وفلسطين وأفغانستان ولبنان.
إن لجنة التنسيق من أجل التغيير الديمقراطي في سورية تعتقد أن حماية سورية من الخطط الإمبريالية التي تتطلع إلى ابتلاع الثروات السورية وغزو أسواق البلاد وسرقة قوة عمل القوى العاملة بأرخص الأثمان، لن تجد قاعدة قوية تستند إليها في هذه المعركة طالما يستمر إبعاد الشعب السوري وقواه الوطنية الديمقراطية عن القرار السياسي، وما لم يُمسك الشعب بمقدرات البلاد لتوظيفها من أجل التنمية والتحرر. وإن إنجاز هذه المهمة القومية العليا ليس متيسرا ما لم تنتهِ انتهاكات حقوق الإنسان، وتُطْلَق الحريات السياسية، وتلُغى حالة الطوارئ والأحكام العرفية، ويُفرج عن جميع المعتقلين السياسيين، وتُرفَع العقبات أمام عودة جميع المنفيين، وما لم تُنْجِز سورية التغيير الديمقراطي الذي يعيد للشعب حرياته المسلوبة، ويدعم الوحدة الوطنية، ويشيِّد دولة المؤسسات، ويرسي لحياة ديمقراطية، بما يضع معركة التحرر من الصهيونية والإمبريالية بين أيدي الشعب، بعدما يكون انتزعها من أيدي الأجهزة التي تتلاعب بمصير البلاد في الكواليس المظلمة للسياسية الدولية وتجار السلاح.
إن لجنة التنسيق تناشد كل الوطنيين الديمقراطيين في سورية للوقوف صفا واحدا من أجل إرغام النظام الحاكم على الكف عن الجري وراء التفاوض مع العدو الصهيوني، لاسيما وأن الجبهة العربية تعاني من ضعف شديد، وتعيش الجبهة الداخلية حالة من القمع العنيف يُقعدها عن مقاومة مشاريع الغزو بشكليه القديم والجديد، وذلك كله في ما تميل موازين القوى لصالح العدو. فقد قادت وما تزال “سياسة السلام مع إسرائيل خيار إستراتيجي” منذ السبعينات من القرن الماضي إلى التنازلات، والاستسلام، وقمع قوى التحرر والديمقراطية، وإشعال الحروب في المخيمات، والتكريس لرجحان موازين القوى لصالح الكيان الصهيوني وحلفائه الإمبرياليين. وإن “سياسة السلام خيار إستراتيجي مع إسرائيل”، والتي شقَّت طريقها عبر كامب ديفيد، وقمة مدريد، واتفاقية أوسلو، وقمم أنابوليس وشرم الشيخ، أسوة بشبيهاتها في باريس وغيرها، قد فَصَلَت ما بين مسارات السياسية العربية في مقاربتها لدبلوماسية إسرائيل وحلفائها، وأَمعنت في تعميق التمزُّق العربي والنزعات القطرية، كما عزَّزت الخلل الخطير لموازين القوى لصالح الكيان الصهيوني وحلفائه. لذا، فإن لجنة التنسيق من أجل التغيير الديمقراطي تدعو القوى الوطنية الديمقراطية إلى إرساء التحالف في ما بينها على أُسس من “سياسة التوازن الإستراتيجي مع العدو الصهيوني”، تحالف قوامه الوحدة الوطنية، والجبهة الداخلية التي تستمد قوتها ومتانتها من الديمقراطية، والعدل، ووحدة المعركة بين قوى التحرر في العالم. وإن اللجنة تُذكَِّر بأن المقاومة تستدعي أول ما تستدعي جبهة وطنية ديمقراطية، وسياسة خارجية شفافة تلبِّي طموحات الشعب السوري وقواه السياسية، وتقوم على أسس من تحالفات قومية وإقليمية ودولية مع قوى التحرر.

لجنة التنسيق من أجل التغيير الديمقراطي في سورية
باريس، الخميس 12 تسرين الثاني / نوفمبر 2009
http://tansiqsyr@wanadoo.fr
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى