صفحات سورية

انحسرت مظلة أميركا فاختلف الأشقاء ؟

null
سركيس نعوم
لقاء المصالحة العربية الذي بادر الى الدعوة اليه في الكويت على هامش القمة العربية غير السياسية اذا جازت تسميتها كذلك، العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز، قد يكون بدأ يعطي بعض الثمار. فالرئيس السوري بشار الاسد الذي ساد علاقته بالمملكة العربية السعودية توتر شديد منذ سنوات عبّر عن نفسه بخطوات مهمة كان أبرزها مقاطعة القمة العربية في دمشق وسحب السفير السعودي منها، رحّب بالمصالحة بعد عودته الى بلاده، وإن يكن اعتبرها عن حق “كسرا للجليد” بين دمشق والرياض يصلح لأن يكون بداية لحوار جدي يتناول كل القضايا المختلف عليها بين الدولتين. وكان رئيس الاستخبارات السعودية الامير مقرن بن عبد العزيز زار دمشق اخيراً وسلم الرئيس السوري رسالة شفوية من العاهل السعودي.
ويقال ان رئيس احد اجهزة المخابرات السورية زار بدوره المملكة ولكن من دون اعلان.
وقبل يومين طار وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى الرياض في زيارة رسمية التقى خلالها العاهل السعودي.
ويتردد كثيراً هذه الأيام أن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل سيزور دمشق قريباً، وان قمة سورية – سعودية يجري الاعداد لها وانها قد تتحول ثلاثية بانضمام مصر اليها التي بدورها لها “مشاكل” مع سوريا بشار الاسد، كثيرة وعميقة.
ما الهدف من المصالحة المشار اليها اعلاه؟
وهل يحقق الحوار العربي – العربي، وتحديداً السوري – السعودي واستطراداً السوري – السعودي – المصري، النتائج التي تأمل الشعوب العربية فيها؟
الهدف الاول قد يكون شكلياً اكثر منه جوهرياً، في رأي مصادر عربية مطلعة، وهو تنقية الاجواء العربية او بالاحرى العلاقات بين الرؤساء والملوك العرب قبل القمة العربية الدورية المقررة في دوحة قطر أواخر شهر آذار المقبل. ومن شأن ذلك جعل المحادثات بل المناقشات بينهم في جلسات القمة وعلى هامشها هادئة، وجعل هذه القمة تنتهي على خير بحيث لا يتكرر ما حصل في قمة دمشق وفي “قمة بمن حضر” في الدوحة، علما ان ذلك لا يعني على الاطلاق ان نتائج القمة المرتقبة ستكون على قدر آمال الشعوب العربية وطموحاتها. ومن شأنه ايضاً فتح الباب امام عودة العلاقات السورية – السعودية – المصرية الى شيء من الطبيعية يساعد في متابعة البحث، سواء ثنائياً او ثلاثياً، في المشكلات العربية وفي خلافات الانظمة العربية وفي محاولة التوصل الى حلول لها او تسويات. ويعود السبب الرئيسي الى التواضع في تفاؤل المصادر العربية المطلعة المذكورة حيال النتائج المتوقعة للقمة، على رغم المصالحة وبدء الحوار او “التطبيع” اذا جاز التعبير على هذا النحو بين العواصم المختلفة، الى امر بالغ الأهمية هو ان القضايا المختلف عليها بين العرب، وتحديداً بين سوريا ومصر وسوريا والمملكة العربية السعودية، كثيرة وعميقة، ومزمنة ومتشعبة، ومترابطة في آن واحد، فضلاً عن انها مرتبطة بقضايا دولية واقليمية، بل بمشكلات وسياسات واستراتيجيات اقليمية ودولية متناقضة. وقضايا بهذا الحجم والاتساع والتشعب قد لا يكون ممكنا التوصل الى حلول لها بالسرعة التي يتمناها المستعجلون ربما لاكتوائهم المباشر بنارها، ومن هؤلاء اللبنانيون المتنوعون اصحاب نظرية الـ”س. س”.
ما هي هذه القضايا المختلف عليها؟
معظمها صار معروفاً، تجيب المصادر العربية المطلعة نفسها. لكن ذكرها والتوسع في شرحها ضروريان لأنهما يجنّبان الناس اولا التبسيط في وصف الأزمة او التوتر بين السعودية وسوريا ومع مصر، وثانياً الاستغراق في احلام وردية قد تكون احلام يقظة ولأنهما يدفعانهم الى التواضع في الامل وربما الى القيام بما يمكنهم لانجاح الحوار العربي المستجد وعدم الاكتفاء بانتظار نتائجه وانعكاساتها عليهم وعلى مشكلاتهم المتنوعة. ولأنهما يعطيانهم فكرة حقيقية عن الاسباب التي جعلت الخلاف بين أهم ثلاث عواصم عربية هي القاهرة والرياض ودمشق يصل الى هذه الدرجة من الاحتدام الذي لم يعد بعيداً كثيراً من القطيعة.
ولكن قبل سرد القضايا الاساسية المختلف عليها بتفاصيلها المهمة فقط، لا بد من الاشارة الى ان العلاقات بين الدول تمر عادة بـ”طلعات ونزلات”، وتحديداً الى ان خلافات مصر والسعودية وسوريا مرت قبل عام 2005 او قبل أواخر عام 2004 او حتى بعد اشهر من الغزو الاميركي – الدولي لعراق صدام حسين في ربيع عام 2003 بصعوبات كثيرة، بعضها كان “ثقيلاً” في حين كان بعضها الآخر “خفيفاً”. لكنها لم تؤد الى التوتر الذي يشهده العرب اليوم في العلاقة بين الدول الثلاث المذكورة وخصوصا بين سوريا والسعودية. والسبب الاساسي لذلك كان اشتراك مظلة الولايات المتحدة في “تظليل” الجميع، وإن بنسب متفاوتة. وكان وجود حلف بين واشنطن وكل من الرياض والقاهرة من جهة، ووجود “تعامل ما” متفق عليه بين واشنطن ودمشق مرفق بتفاهم وربما باطارات تحرك. ويشمل ذلك كله اكثر من قضية في المنطقة. وفي ظل الحلف والتعامل المذكورين ما كان يمكن أي خلاف بين “الاشقاء” الثلاثة ان يتفاقم لأن القائد الاميركي للعالم كان حاضراً للتدخل ولاقناع الجميع بطريقة معينة بأن مصالحهم متلاقية. طبعاً – تستدرك المصادر العربية المطلعة نفسها – كانت سوريا الراحل حافظ الاسد بالغة البراعة في “التعامل” مع اميركا وفي جني المكاسب منها وكذلك في الاختلاف معها، ولكن مع تجنّب العواقب الوخيمة لاختلاف كهذا. اما سوريا بشار الاسد فلم تكن بمثل هذه البراعة ربما لعدم اكتمال الخبرة في البداية، ولكن ايضا لأن الظروف في العالم وفي المنطقة كانت تغيّرت، ولأن التحديات التي واجهتها كانت اكبر من طاقتها ومن قدرتها على التعامل بميزان “الجوهرجي” كما يقال، سواء مع اميركا او مع الأشقاء العرب. وعندما غابت المظلة الاميركية عن الجميع، او بالاحرى عندما اكتفت بـ”تظليل” الرياض والقاهرة وتركت دمشق تحت الشمس الحارقة للتطورات الاقليمية الصعبة سواء بسبب من سوء سياسة اميركا او من سوء سياسة سوريا بشار الاسد، فان النتيجة كانت واحدة: تفاقم الاخطار وسوء التصرف، وتاليا التوتر في العلاقات الى حد القطيعة العملية وليس الرسمية.
ماذا عن القضايا المختلف عليها بين سوريا والسعودية ومصر؟
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى