صفحات أخرى

التخويف ليس استراتيجية

رنده حيدر
الاستراتيجية العسكرية الجديدة التي تحدث عنها قائد المنطقة الشمالية للجيش الإسرائيلي جادي أيزنكوت والتي أطلق عليها اسم “استراتيجية الضاحية” تثير عدداً من التساؤلات المقلقة والجدية. منها هل يمكن ادخال التهديدات الاسرائيلية برد عسكري “غير متناسب” على أي عملية ضد اسرائيل في باب تحسين قدرة الردع الإسرائيلية التي تضررت كثيراً في أعقاب حرب تموز في لبنان، وذلك برفع سقف التهديدات واحداث نوع من توازن للرعب يشل قدرة الخصم على المبادرة الى عمليات جديدة يعلم سلفاً أنه سيدفع ثمنها غالياً من ارواح المدنيين وممتلكاتهم؟ أم أن هذه التهديدات تستند الى خطط عسكرية فعلية تقوم على أهداف مدنية جرى تحديدها من جانب قيادة الأركان ونالت موافقة الطاقم السياسي وباتت حاضرة للتنفيذ حين تبرز الحاجة اليها؟
من المعلوم أن نقطة الضعف الأساسية في المواجهات العسكرية التي خاضها الجيش الاسرائيلي في العامين الماضيين سواء مع “حزب الله” في لبنان صيف 2006، ام مع “حماس” في قطاع غزة هو العجز عن ايجاد رد عسكري حاسم على الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، وصعوبة القضاء على مطلقي هذه الصواريخ من دون القيام بعملية برية واسعة. هذا العجز هو الذي جعل المدن الإسرائيلية عرضة لقصف صواريخ “حزب الله” حتى الساعات الأخيرة التي سبقت وقف اطلاق النار بعد 33 يوماً من المواجهات، الأمر الذي اعتبره الحزب انتصاراً له على الرغم من الثمن الباهظ الذي دفعته قرى الجنوب والضاحية الجنوبية في الأرواح والممتلكات. والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فحتى الآن لم تنجح قيادة الجيش الاسرائيلي في وضع شبكة ردع مضادة لصواريخ القسّام لحماية المستوطنات المتاخمة للقطاع من التعرض للقصف اليومي الذي بدأ فور الانسحاب الاسرائيلي من غزة قبل ثلاثة أعوام.
في ظل هذا الوضع حاولت قيادة اركان الجيش توظيف ما تعتبره الانجاز الوحيد لحرب 2006 وهو القوة التدميرية الهائلة التي تسبب بها الاسرائيليون للقرى والبلدات في جنوب لبنان وفي الضاحية الجنوبية حيث جرى تدمير 150 ألف منزل وفق الأرقام الإسرائيلية مما أغرق لبنان في عملية اعادة اعمار مكلفة وطويلة الأمد استنزفت قوته وموارده المالية. من هنا التهديد باللجوء من الآن فصاعداً الى تطبيق نظرية “الرد غير المتناسب” على أي تصعيد جديد اما الذرائع السياسية لهذه الخطة فهي أن اسرائيل لن تميز بين أهداف مدنية وعسكرية، بل على العكس من ذلك فالأهداف المدنية هي التي ستتعرض قبل غيرها للضرب و”على الناس الذين يحولون قراهم وأحياءهم الى مراكز للتواجد العسكري ان يدفعوا الثمن”. ووفقاً لأقوال المسؤولين العسكريين كل اللبنانيين في نظرهم هم نصر الله وكل فلسطينيي غزة هم خالد مشعل وكل الإيرانيين هم احمدي نجاد، وعلى هذه القيادات من الآن فصاعداً أن تتحمل تبعة قراراتها ومسؤولية اعمالها أمام جماهيرها التي ستدفع الثمن في حال تورطت هذه القيادات في مواجهة مع اسرائيل.
ومنذ الآن يوضح الإسرائيليون انهم لن يأخذوا بالرأي العام العالمي الذي قد يقف ضد الاستخدام المفرط للقوة ضد المدنيين الذين برأيهم أظهرت حرب لبنان دعمهم المطلق لـ”حزب الله” واستعدادهم لكل التضحيات. أكثر من ذلك تعتبر اسرائيل أن لبنان بات واقعاً منذ عامين تحت السيطرة العسكرية والسياسية الكاملة ل”حزب الله”، بحيث لم يعد من الممكن التمييز بين الدولة والحزب مما يجعل البنى التحتية للدولة هي أيضاً هدفاً لعمليات القصف والتدمير.
طوال أكثر من ثلاثين عاماً تعرض لبنان، لاسيما الجنوب والعاصمة، لعمليات تدمير هائلة على يد الجيش الإسرائيلي بلغت ذروتها في حرب تموز عام 2006، لكن هذا لم يضع حداً لأعمال العنف ولا أوقف دائرة الموت والدمار. والتهديدات الاسرائيلية الأخيرة للبنان لا تشكل استراتيجية جديدة بقدر ما هي محاولة تضخيم للمخاوف وللقلق من أي تصعيد عسكري جديد.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى