من سينهزم؟
ساطع نور الدين
المغزى الجدي الوحيد للخلاف الاميركي الاسرائيلي الراهن، الذي يدور في جوهره حول هيبة اميركا وصورتها في اعين حلفائها العرب، هو انه بات يتطلب انهزام احد طرفيه وتراجعه امام الآخر.
الخلاف بحد ذاته مثير للجدل. سببه اقدام حكومة بنيامين نتنياهو على تصوير اميركا باعتبارها شريكة علنية مباشرة في قرار توسيع الاستيطان في القدس المحتلة، بدل ان تظل شريكة ضمنية في مثل هذا القرار الذي اتفق عليه رسميا بين الجانبين عندما جرى الاعلان الاسرائيلي عن تجميد الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة باستثناء القدس، لمدة عشرة اشهر، وهو ما رفضه الجانب الفلسطيني، فاقترح الاميركيون فكرة مضحكة تقضي بالتفاوض غير المباشر، الذي كان يفترض ان يبدأ هذا الاسبوع برعاية المبعوث الاميركي جورج ميتشل.
في المواجهة السياسية السابقة التي ادت الى ذلك الاقتراح، بدا واضحا ان حكومة نتنياهو تمكنت من ترويض ادارة الرئيس باراك اوباما، وانتزعت منها اقرارا رسميا بشرعية الاستيطان في القدس، يفترض ان يتفادى الجانبان ما يمكن ان يحرج الآخر امام جمهوره وحلفائه. لكن اسرائيل خرقت ذلك الاتفاق، عندما اعلنت عن المشروع الاستيطاني الاخير بوجود نائب الرئيس الاميركي جو بايدن، الذي لم يشعر هو نفسه بالحرج وأكمل حجه الصهيوني في اسرائيل من دون اي تغيير في جدول الاعمال والكلمات، لكن واشنطن احست بحراجة الموقف، وقررت التنصل من المسؤولية عن الحملة الاستيطانية الجديدة في المدينة المقدسة بأي شكل من الاشكال، حرصا على بقاء السلطة الفلسطينية وعلى ماء وجه الحلفاء العرب الذين تعرضوا لاهانة اشد وأقسى من تلك التي وجهت الى بايدن، لا سيما ان القرار الاسرائيلي جاء بعد اربع وعشرين ساعة على الموافقة العربية على استئناف التفاوض غير المباشر، وحرصا ايضا على الجنود الاميركيين في العراق وأفغانستان الذين يمكن ان يتعرضوا لمخاطر اضافية نتيجة تصوير اميركا باعتبارها شريكة فعلية في الاستيلاء على الارض الفلسطينية.
لهذه الاسباب تبدو المواجهة الحالية بين واشنطن وتل ابيب اسوأ وأخطر من سابقتها، على الاقل في ظاهر الامور وشكلياتها التي بلغت حد استدعاء السفير الاسرائيلي في واشنطن الى وزارة الخارجية وإبلاغه انذارا بوجوب التراجع عن المشروع الاستيطاني، اذا كانت حكومة نتيناهو حريصة على العلاقات الثنائية بين الدولتين.. وهو ما رد عليه رئيس الوزراء الاسرائيلي بالقول انه ارتكب، بحسن نية، خطأ غير مقصود، وشكل لجنة لدراسة الازمة، التي باتت تشكل اختبارا جديدا لنفوذ اوباما وإدارته على ذلك الحليف المتمرد الذي يهدد، حسب بعض المسؤولين والكتاب، المصالح الاميركية في الشرق الاوسط كله.
هنا، لا بد من ملاحظة، هي ان نتنياهو قد لا يكون مجرد مسؤول اسرائيلي أخرق تسبب بمثل هذه الازمة الاستثنائية بين اسرائيل وأميركا، التي يتفرج عليها العالم باهتمام شديد، بل ربما كان شخصا يعرف واشنطن جيدا، ويدرك سلفا ان هذه الازمة لن تنتهي الا كما انتهت الازمة السابقة، اي بتراجع ادارة اوباما والتسليم بضعفها وارتباكها ليس فقط امام اسرائيل، بل ايضا امام الامواج العاتية التي تضرب اميركا هذه الايام، وتكاد تبتلع الرئيس الذي كان ولا يزال لون بشرته يحد من قدرته على الحكم.
السفير