الاستخفاف بأوباما: مضاعفات دولية خطيرة
سعد محيو
بات من الواضح الآن أن الاستخفاف الشديد الذي تبديه تل أبيب للرئيس الأمريكي أوباما، تحوّل (أو يكاد) من أزمة ثنائية بين الطرفين إلى أزمة عالمية لواشنطن .
فالاتهامات له بالضعف والتخاذل وبأنه (pullover) (أي شخص يسهل التغلب بل والدوس عليه)، أصبحت لغة مشتركة بين الجمهوريين الأمريكييين وباقي الجمهوريين والملكيين في العالم . وحتى أنصاره في قادة الحزب الديمقراطي باتوا يخشون من ربط أسمائهم به خشية أن يدفعوا الأثمان الانتخابية، في أمّة اشتهرت بحبها للشخصيات القوية والشجاعة .
مضاعفات هذا التطور، في حال استمراره، فائقة الخطورة . إذ إنه يطلق رسائل في كل أنحاء العالم بأنه بات في وسع أي كان أن يتحدى الزعامة الأمريكية وينفد بريشه من عقوباتها . وهذا يصح أكثر ما يصح على الدول الكبرى كروسيا والصين، أو السائرة على طريق الكِبَر كالبرازيل والهند وتركيا وغيرها .
روسيا، التي كانت أول من اشتمّ رائحة الدم في الإدارة الأمريكية الجديدة، سارعت إلى الإفادة من هذه الفرصة لتشديد قبضتها على جورجيا، واستعادة نفوذها في أوكرانيا، وتثبيت أقدامها في آسيا الوسطى، على رغم كل رسائل القلق التي أطلقتها نحوها إدارة أوباما .
وكذا فعلت الصين، التي رفضت تنسيق سياساتها مع واشنطن إزاء إيران والشرق الأوسط، وواصلت “غزواتها” الخاصة لمنابع النفط والموارد الطبيعية الأخرى في إفريقيا وأمريكا اللاتينية .
أما البرازيل فقد حفزها ذلك على رمي قفاز الاستقلال في وجه الولايات المتحدة، فأدارت ظهرها إلى كل دعوات هيلاري كلينتون لها لقطع علائقها الاقتصادية مع إيران .
والحبل لا يزال على الجرار .
هذه الوقائع الدولية، وليس مشاعر الغضب من إذلال نائب الرئيس بايدن، هي التي دفعت هذا الأخير ومن بعده كلينتون إلى إصدار أول بيانات انتقاد إلى “إسرائيل” . بيد أن مثل هذه البيانات لا يُرجّح أن تفي بالغرض وهو استعادة هيبة أوباما ومعه الهيبة الأمريكية نفسها . فبيان بايدن، الذي كان الأعنف، اكتفى ب “إدانة العمل (بناء منازل استيطانية جديدة) الذي يُشعل التوترات” . وبيان كلينتون، لم يتخط بأي حال مستوى إبداء الأسف والشكوى، على رغم وصفه بالقوي .
لكن، حتى لو كانت هذه البيانات قوية بالفعل، فهي قد لا تستأهل الحبر الذي أريق عليها إذا لم تستتبع بإجراءات على الأرض من جانب أوباما .
قد يقال هنا إن الرئيس الأمريكي سيكون عاجزاً عن القيام بهذه الإجراءات لأن الكونغرس الأمريكي “الصهيوني” يقف له بالمرصاد . وهذا صحيح في بعض الجوانب ولكن ليس كلها . فالكونغرس سيرفض أي قرار من الإدارة بوقف المساعدات المالية والعسكرية الضخمة ل “إسرائيل” . لكن في وسع أوباما أن يفعل ما فعل الرئيس جورج بوش الأب في العام 1991: التهديد بأنه لن يكون في وسع تل أبيب بعد الآن اعتبار المساعدات الأمريكية لها أمراً مضموناً وبديهياً . فهذا وحده يمكن أن يؤدي (بل سيؤدي حتماً) إلى نسف كل الدعم الداخلي الذي تتمتع به حالياً حكومة نتنياهو، وإلى إعادة تشكيل السياسات “الإسرائيلية” على أسس جديدة .
الكرة الآن في ملعب أوباما . لكن الشباك هذه المرة لم تعد “إسرائيلية” وحسب بل عالمية أيضاً . وما لم يثبت الرئيس أوباما أنه رئيس حقاً، فإن عشرات الأهداف الدولية ستهز الشباك الأمريكية نفسها .
الخليج