الموت على أبواب كابول
سمير التنير
ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من الحرب الحالية في أفغانستان؟ هل الحل في السيطرة على المدن وترك الأرياف لطالبان، أم ترك الأمر على غاربه كي تعود طالبان لتنفيذ سياسة المجاهدين القديمة وتسيطر على البلد بكامله. وكي تشتعل حرب أهلية جديدة على أبواب كابول، كما حدث منذ 18 عاماً؟ هل يكمن الحل في بقاء وجود أجنبي عسكري دائم؟ وهل ينسحب الاميركيون في تموز 2011 كما أعلن ذلك باراك أوباما في خطابه الذي ألقاه في قاعدة «وست بوينت» العسكرية؟
يقول وزير الدفاع روبرت غيتس ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون (وهما من الصقور) ان ذلك الموعد ليس دقيقاً وليــس حتمياً، والأمر يعتمد على إعادة تأهيل الجيش الأفغاني كي يتسلم المحافظة على الأمن في البلاد. أي تطبيق سياسة «الأفغنة» التي تشبه سياسة «الفتنمة» التي طبقت قبيل الهزيمة الأميــركية في فيتنام. وهل تنسحب القوات الأميركية من دون موافقة الجنرالات المهووسين أصلاً بالحــروب وبإشعالها في مخــتلف بقاع الأرض؟ هل تنــسحب أميركا كي تعود طالبان لحكم البلاد ومعها تنـظيم القاعدة؟
في مؤتمر لندن الذي عقد قبل شهرين قرر «الخلفاء» شيئاً آخر مختلفاً. لقد قرروا عدم الوقوع في الأخطاء التي وقع فيها السوفيات من قبل وانتهاج استراتيجية جديدة تماماً، هي اغراء طالبان بالمال والوظائف كي تلقي سلاحها، على اعتبار ان حركة طالبان تريد توسيع نفوذها في افغانستان وباكستان فقط، وليس امتداده إلى أميركا أو بريطانيا، واقترحوا أيضا اجراء مفاوضات بين حكومة كابول وطالبان برعاية سعودية، ولكن شروط سعود الفيصل نسفت المفاوضات قبل أن تبدأ.
تزامن ذلك مع بعث الأمم المتحدة لآلاف المتطوعين كي يساعدوا سكان أفغانستان في تحمل صعوبات الحرب، وتقديم مواد الإغاثة لهم. هل تستطيع أميركا إشراك طالبان في إعادة بناء الطرق والمدارس والمستشفيات ومحطات توليد الكهرباء؟ وفي ذلك يقول جيمس جونز مستشار الأمن القومي لباراك أوباما: يجب اعادة مقاتلي طالبان إلى المجتمع وتقديم الأموال والوظائف لهم، ومساعدتهم على بناء منازل. ان هذه الاستراتيجية ليست من صنع الولايات المتحدة بل سبقهم إليها محمد نجيب الله من قبل. ونجيب الله كان الرئيس الشيوعي الأخير لأفغانستان. اما ريتشار هولبروك مستشار أوباما لشؤون أفغانستان وباكستان فيقول إن لمقاتلي طالبان دوافع مختلفة لقتال القوات الأميركية، قد تكون المحافظة على حياة أسرهم أو لتحرير وطنهم من الاحتلال.
يقول وزير الخارجية البريطاني ميليباند إنه يجب إعادة التفكير بمجمل الوضع الأفغاني. ويجب وضع كل الحلول على الطاولة. فالبريطانيون لديهم سجل تاريخي حافل وتجارب عديدة في افغانستان، ويفهمون كيف تجري الأمور. هناك. هذا ما يؤكد عليه هيو دايفس الخبير في شؤون افغانستان والأستاذ في كينغ كولدج. ويقول ايضا ان لا شيء يجمع بين التفكير الغربي والتفكير الأفغاني. إن آراء وعادات الناس مختلفة كلياً عن تلك التي في الغرب. وعندما كانت تشتد المنافسة بين القبائل كان البريطانيون يتدخلون لتأليب فئة على أخرى، وذلك منذ احتلالهم الفاشل عام 1842. ويتابع دايفس القول إن البريطانيين كانوا يتقنون اللعبة اكثر من غيرهم، أي متى تستعمل القوة، ومتى تستعمل السياسة والمفاوضات.
«إن فساد الحكم هو من صميم التـقاليد الافغانية» هذا ما يؤكده دايفيس ايضا وعندما يطالب كرزاي بزيادة المساعدات التي تقدمها الدول المانحة فإن تلك الأموال ستصب على التأكيد في جيوب الفاسدين. ولذلك اشترط المانحون في مؤتمر لندن على كرزاي التعهد بمكافحة الفساد في إدراته.
تنطلق خطط الغربيين من الأفكار التي تنادي بها حكومة كرزاي. وقد قدمت تلك الحـكومة مطالبها الى مؤتمر لندن الذي عقد قبل وقت قصير، والتي تركز على استعادة الوحدة الوطنية (ولكن أي وحدة تلك بوجود احتلال أجنبي؟) وهي استعادة للسياسة التي نادى بها من قبل محمد نجيب الله. «كسب العقول والقلوب» هي السياسة الجديدة التي يتبناها الجنرال ماكريستال الذي أمر بوقف الغارات الجوية لتقليل اعداد القتلى في صفوف المدنيين والذين لا يشاركون في القتال الدائر. وفي نفس الوقت دعت وزيرة الخارجيـة هيلاري كلينتون إلى إعادة بناء أفغانستان وذلك في خطاب ألقته في جامعة جورج واشنطن، وينصح الخبراء الغربيون باحتواء نفوذ طالبان المتصاعد وذلك بدعم أمراء الحرب في الأرياف الأفغانية، وعبر دفع الأموال لهم، لتجنب الهزيمة على سفوح جبال الهندكوش. اما كرزاي فيتابع دعم امراء الحرب في الأرياف، والذين أنشأوا دولاً صغيرة يديرونها كما يشاؤون.
من يعرف التاريخ الأفغاني يرى بوضوح ان هجمات حركة طالبان في قلب كابول هي رسائل لا تقبل بأقل من الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية. إن الاميركيين يكررون صنع الأخطاء التي ارتكبها السوفيات من قبل. والنتيجة واحدة: الهزيمة والانسحاب. تقف الولايات المتحدة على مفترق طرق بالنسبة لأفغانستان. وقد اختار أوباما سياسة إرسال مزيد من القوات، ومتابعة الحرب، نزولاً عند رأي جنرالاته، وخاصة الجنرال ماكريستال، الذي بدأ تجربته بغزو مقاطعة هلمند وقرية مرجة الصغيرة بقوة تعدادها 15 الف جندي أطلسي. والنتيجة صورة تمثل علماً أفغانياً مرفوعاً في ارض خالية يقف فيها عشرات من الصبية. ولكن اين هي أبنية القرية؟ اما النتيجة الثانية فهي تصريح للجنرال ماكريستال نفسه يقول فيه (جريدة الحياة عدد الاربعاء 3 آذار 2010) «في المدى القريب يجب ان يشعروا (أي اهل البلدة) انهم ممثلون ويجب ان يشعروا ان هذه الحكومة نزيهة» وأشار إلى احتمال بقاء بين 200 و300 مقاتل في البلدة انضموا إلى طالبان، قبل اسبوعين قد يصبح بعضهم خلايا كامنة في انتظار تبلغهم ما يفعلون».
ان الفكرة التي يدافع عنها أوباما ورئيس الوزراء البريطاني غوردون براون والقائلة بأن الحرب يجب متابعتها في افغانستان لحماية الغرب، هي فكرة خاطئة تماما (كما يشير إلى ذلك الكاتب البريطاني باتريك سيل). ان العكس هو الصحيح. فقتل المسلمين في افغانستان وباكستان واليمن والصومال لن يؤدي إلا إلى تصميم المحاربين على متابعة النضال لدحر الحرب العدوانية. كما ان الطبيعة القاسية في افغانستان تتعاطف مع المجاهدين، كما تعاطفت من قبل في دفن الامبراطورية البريــطانية ثم السوفياتية ومن المؤكد ان الامبراطورية الأميركية ستلحق بهما عما قريب.
السفير