قصائد الأسكيمو: انه لشيء جميل أن يأتي النهار في موعده ترجمة وإعداد فوزي محيدلي
على مدار ألف سنة أو اكثر، وفي تاريخ لا يمكن الجزم بميعاد بدايته، دأب أسكيمو الإنويت على نقل حكمة ووقائع حياة أسلافهم عبر القصص والأغاني والأشعار. الإنويت، مفردها إناك وتغني شخصياً أو انساناً. وهي تسمية لمجموعة من شعوب السكان الأصليين الذين يقطنون مناطق القطب الشمالي: كندا غرييلاند وآلاسكا.
جرى تدوين بعض اللهجات المحلية للإنويت في القرن الثامن عشر. وحتى النصف الثاني من القرن العشرين لم يكن معظم أسكيمو الإنويت قادرين على الكتابة بلغتهم الخاصة. في ستينات القرن السابع عشر وصلت الإرساليات الى غريينلاند فساعدت على تطوير نظام لغوي كتابي يسمى كاليوجاكبايت يرتكز الى الابجدية اللاتينية. تكتب لغة الإنويت بطرق عدة مختلفة معتمدة على اللهجة والمنطقة، وكذلك على عوامل تاريخية وسياسية.
نظم الشعر هو التنفس
بالنسبة للأسكيمو فإن تعبير نظم قصيدة معناه أن يتنفس المرء. وكلا الكلمتين مشتقتين من لفظة “أميركا” او الروح، تلك المتميزة بأبديتها والتي تعتبر نَفَس الحياة. وبهذا المعنى تغدو القصيدة كلمات متشربة بنفس الحياة أو الروح. يقول أحد شعراء الأسكيمو “دعني أتنفسها “(القصيدة). ويقول آخر في احدى قصائده “نظمت قصيدتي على حافة لساني”.
وثمة من يقول ايضاًَ ان كلمة “أنيركا” تعني كلاً من النفس والشعر. يقول شاعر من الشابان ويدعي أوربيغاليك: “الأغاني هي أفكار تغنى بنفس طويل وذلك حين تعمل قوى عظيمة على التأثير في البشر بشكل لا يعود ينفع التعبير بالكلام العادي”.
والقصائد، الى كونها آسرة وسهلة ممتنعة، فانها لا تشكل مجرد مدخل الى طريقة حياة الإنويت لكنها تعتبر ايضاً شهادة لشعب يمكنه أن يجد الفرح في سحر الضحك كما في اللغة في الحياة اليومية بالرغم من ظروف العيش القاسية. في قصيدة “صيد الدب” يتحدث الشاعر عن ممارسة لعبة “إمسكني اذا استطعت” مع دب قطبي مزمجر فوق كتلة جليد طافية. وفي قصيدة “أغنية أم” تصف شاعرة مجهولة الاسم وابنها نائماً “بسلام فوق عارضة فيما عاصفة الثلج تعوي في الخارج” ثم تسأل: هل “غريب أن ابكي من الفرح؟”.
ولا بد من الاشارة الى ان للإنويت كما الناس في كل مكان، أغاني للأوقات الحزينة وأخرى للأوقات للسعيدة لنهاية رحلة صيد موفقة، للهزء بالاعداء ولتحية الأصدقاء. والصوت البشري، أو موسيقى الحنجرة، هو الآلة الموسيقية الاسياسة في أغانيهم. وثمة ايضاً طبلة مستديرة من جلد الرنة، تُملأ بالحصى وتصاحب بصوتها نغمات الصوت البشري.
والى اليوم يتجمع أسكيمو الأنويت الفخورون بتراثهم حول نيران القرية مؤدين أغنيات ورقصات تجلب الدفء بالقلوب. وهذا يشكل جزء مثيراً وشيقاً من حيان الإنويت يهواه كل أفراد القرية.
[ مخاوفي في زورق الكياك
وتذكرت من جديد
مغامراتي الصغيرة،
حين ريح الشاطىء جرفتني بعيداً
وانا في زورقي الكياك
فاعتقدت اني في براثن الخطر.
يا لمخاوفي
تلك الصغيرة
التي اعتقدت انها كبيرة جداً
بالنسبة لكل الأشياء الضرورية
التي علي الوصول اليها أو الحصول عليها
مع ذلك، ثمة
شيء واحد فقط كبير،
وهو الشيء الوحيد:
ان تحيا لتشاهد داخل الأكواخ وفي الرحلات
اليوم الكبير الذي يبزغ فجره
والنور الذي يملأ بطاح العالم.
(الشاعر مجهول)
[ صلاة سحرية
أنهض من الرقاد بحركات رشيقة
كما يصفق جناحا الغراب
انهض
لأستقبل النهار
وا وا
يتحول وجهي عن عتمة الليل
ليحدق في فجر النهار
الذي بدأ التحول الى ابيض في السماء.
(نظمها شاعر مجهول من إنويت الإيغلاليك)
[ قصيدة من إنويت الأماساليك
فوق الضباب
تحت الشمس
عند قمة الضباب
عند قدم الشمس..
وها أنت في الهناك متمددة، نائمة في الشمس.
[ أرى وجهك
أرى وجهك.
هو دائماً قربي، مع انني
على بعد أيام عنك
في ذاكرتي الحميمة لطالما ارى وجهك.
أرى وجهك
وحيداً في الليلة الظلماء
أطفىء الضوء
وفي الظلام، ارى وجهك.
أرى وجهك.
لم ترغبي في البكاء، لكني
اتذكر الآن الدموع ونحن نقول وداعاً.
هكذا أرى وجهك، اتذكره
سأبقى ارى وجهك، في المستقبل
المطلوب ان تنتظري. حين تسافر طيور الربيع
عائدة الى موطنها لتعشش وتتزاوج سأفعل مثلها،
وسأرى وجهك.
(لوك إيسالاك)
[ كلمات سحرية
يا الأرض، الأرض،
يا الأرض العظيمة،
على مدار الأرض
ثمة عظام وعظام وعظام
ازالت لونها الروح العظيمة “سيلا”
وكذلك الطقس والشمس والهواء
ليحتفي كل اثر للحم
هي،هي،هي
***
أيتها الروح، الروح، يا الروح،
ويا النهار، ايها النهار،
اذهبا صوب اطرافي
دون أن تجفاها،
دون أن تحيلاها الى عظام
آفاي،آفاي،آفاي.
(قصيدة من انويت الاغلاليك)
[ أغنية سحرية لذاك الذي يريد ان يعيش
ينهض النهار
من نومه،
يستيقظ النهار
مع تباشير الفجر
انت ايضاَ يجب ان تنهض،
انت ايضاَ يجب ان تستيقظ
سوياً مع النهار الطالع.
(قصيدة من انويت الثيول)
[ مزاج الصباح
استيقظ والصباح يتثاءب داخل فمي،
مع ما يشبه القهقهة ارى فم ابريق الشاي يُصدر البخار.
استيقظ والجوع يعتصر جوفي.
ومع ذلك أتمدّد بلا حراك، شيء جميل، يجعلني منبهراً،
حلول النور في ميعاده.
ترعاني جدتي، ولا تحتاج عائلتي غير ذلك.
يتشاطرون سوياً السرور
حسبما تعرف والدتي، التي تتعلم من السعادة
كما من تصرفاتها هي،
النساء لم يحاولن ان يبدين جميلات بل فقط حقيقيات،
لكن الجمال موجود هنا، انه عادة فينا.
هذا المكان الرافل في فرح غير مكسور،
يسكب نوره اليوم فقط اليوم ليس غداً.
(م.باينغوشو)
[ الجوع
أحاطني الخوف..
داخل منزلي الصغير
فبدا البقاء غير محتمل
خائفاً من الجوع والأصبح من الموت جوعاً
سرت مترنحاً فوق اليابسة
متعثراً اكثر من مرة
عند “بحيرة مسك الثور الصغير”
سخر مني سمك التروتة
ولم اوفق ولو بحبة واحدة
تابعت السير بمشقة
صوب بقعة “الشاب العريض المنكبين”
حدث ان اصطدت هناك مرة سمك السلمون.
تمنيت ان ارى هناك
ايل الرنة سابحاً أو سمكا يجوب البحيرة
ذاك الفرح شكل امنيتي الوحيدة.
لم تفدني افكاري بشيء
بدت اشبه بسطر
يشي بنفاد كل شيء.
هل اوفق ولو مرة تساءلت
بأرض صلبة اقف عليها؟
رحت اتمتم كلمات سحرية طوال الدرب.
(قصيدة من إنويت الكابر النحاس)
[ أغنية مجدّف في طقس عاطل للصيد
نظمت قصيدتي على احسن ما يكون
من طرف لساني
خرج نظمها
لكني فشلت والحق يقال في صيدي.
(قصيدة من أنويت الأماساليك)
[ أبرزن زينة شعركن
الأوقات الصعبة، اوقات القحط
تضرب كل منا،
تضمر البطون،
فيما الأطباق خاوية.
الفرح يسحر
كل ما حولنا
القوارب الجلدية الجوانب تنهض
من غفلة الصباحات
فتذهب معها ادوات الربط والتثبيت
وحتى الارض ذاتها ترفرف
مسترخية في الهواء.
اتنظرن الى الهناك؟
ها قد أتى الرجال
يجرون فقمات بديعة
صوب منازلنا.
الآن، حلت الوفرة
في ديارنا من جديد،
أيام ولائم
تعيد اللحمة بيننا.
أتعرفن رائحة
القدور وهي تغلي؟
وكتل شحم الموت
الملقاة على الطاولة الجانبية.
والفرح غامر قلوبنا
نحيي أولئك
الذين يحضرون لنا الزاد الوفير!
(قصيدة من أنويت الإغلاليك)
المستقبل