ما بعد بعد الاستقواء بالخارج عن الرمادي وأشياء أخرى …
إلى الأستاذ سلامة كيلة مع المودة
أكرم إبراهيم
1 / 2
نشر الأستاذ سلامة كيلة مؤخراً توضيحاً لأسباب انسحابه من تجمع اليسار الماركسي، “تيم”. في هذا التوضيح ما يحفز على الحوار إذ يقول 1ـ أنه تجاوز عند انضمامه إلى “تيم” مسألة انضمام حزب العمل الشيوعي،
أحد أطراف “تيم”، إلى ائتلاف إعلان دمشق، وأن هذا خطأ استوجب تصحيحه، وأنه يشترط الآن انسحاب هذا الحزب من ائتلاف الإعلان. 2ـ إنه يساوي بين حزب الشعب واللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين إذ يرفض التحالف معهما ويقف في العمل معهما عند مستوى التنسيق؛ الأول ل “ليبراليته” و “استقوائه” بالخارج، والثاني لتحالفه مع النظام. 3 ـ القضية الوطنية لا تصلح وحدها أساساً للتحالف في غياب الاحتلال لأن العمل الوطني يقتصر في هذه الحالة على دعم حركات المقاومة . بداية أنوه بأنني أستعين بالذاكرة
1 ـ في التحالف مع العمل الشيوعي : لا يكفي أن ينسحب حزب العمل من ائتلاف قوى إعلان دمشق، بل لا بد من اعتذار صريح من الشعب بعد نقد ذاتي وتوضيح أين يكمن الخطأ في هذا التحالف؛ فهذا الحزب ما يزال على عدم يقين من “استقواء” حزب الشعب بالقوات الأمريكية حسب بيان تجميد عضويته في ائتلاف إعلان دمشق ـ حزب الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي لم يكن يعرف بهذا “الاستقواء” قبل التوقيع على الإعلان حسب الأستاذ رجاء ناصر ود. مخلص الصيادي ـ ومع هذا جمد الحزب عضويته ولم ينسحب، كما لاحظ بحق الأستاذ سلامة، لكي يغير في توجهات قوى الإعلان حسب ما يصرح هو وحزب الاتحاد الاشتراكي. وهو موقف لا ينطلي على أحد، تنقصه الشفافية وعلنية الفكر والممارسة، يصدر عن حزبين أبديا ميلاً لهذا “الاستقواء”. لهذا يمكن فهم موقفهما على أنه تنكر لموقف لم تعد له قيمة عملية بعد تعثر المشروع الأمريكي وتراجع احتمال العدوان على سورية، أو أنه نتيجة لطردهما من ائتلاف الإعلان عملياً. بالتالي لا يمكن قبول انسحابهما دون اعتذار ونقد ذاتي، وسيبقى انسحابهما من باب التبوغ دون ذلك.
2 ـ أما بخصوص المساواة بين حزب الشعب واللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين، فلا يمكن أن تصدر إلا من موقف رمادي من حزب الشعب، أي من نقصان الحساسية تجاهه ومن الاستعداد للانزلاق إلى مثل مواقفه. إن هذا الحزب يا أستاذ سلامة لا يتساوى مع أي كان حتى مع السلطة نفسها ومهما كان توصيفها.
كثيراً ما نرى إلى اليوم بعض الناس ينكرون “استقواء” حزب الشعب بالقوات الأمريكية، وقد يكون المنكر ممن تتقدمهم هيبتهم السياسية أو الثقافية. هذا إن دل على شيء فعلى تقصير الوطنيين الديمقراطيين أمثال الأستاذ سلامة، أو على رمادية موقفهم من حزب الشعب، إذ لا يخفى ما لهذين الرأيين من أثر تطبيعي لآراء ومواقف حزب الشعب. لهذا وجدت أن أكرر التذكير بمواقف هذا الحزب في حواري هذا مع الأستاذ سلامة، ويبدو أنني لن أمل التذكير بهذه الحقيقة ما دام البعض لا يستوعبها أو يتجاهلها أو لا يعطيها الأهمية التي تستحقها.
لرياض الترك تصريحات كثيرة تؤيد الغزو الأمريكي للمنطقة. منها ما نسبه إليه السيد سمير عباس في 22|3|2008، في موقع قاسيون، تحت عنوان ” رداً على عبد الرزاق عيد “، والذي نصه “من يساعدنا نشكره ولو كان أمريكا”،”أشكر الرئيس بوش على تضامنه مع شعبنا“!.
ليس من عيب في قبول المساعدة بحد ذاته، إذ لا يوجد اليوم ولم يوجد سابقاً قوة تعمل منفردة دون تحالفات مع قوى داخلية وخارجية. ذلك لأنه من طبيعة الأمور أن تلتقي القوى المتقاربة في توجهاتها وأهدافها ومصالحها. لهذا وجدنا أن أوسع العلاقات الاقتصادية والسياسية لإيران هي مع فنزويلا رغم بعد المسافة، وعلى هذا الأساس قام حلف الناتو وحلف وارسو، والعلاقات بين كل منهما وبين الدول الأخرى، أو بينهما وبين القوى السياسية في دول الأطراف؛ فالطيور على أشكالها تقع. هذه بديهية يجري طمسها، خاصة عند الحديث عن علاقة سورية وحماس والجهاد وحزب الله بإيران، أو عند الحديث عن العلاقة بأمريكا.
يطمس هذه الحقيقة الشباطيون، أمراء الظلام، الذين يعملون ب “ساس يساس”، الذين لا مصلحة لهم بمخاطبة العقل. لكن حتى هنا يوجد ما يجب تصحيحه أو التذكير به، ألا وهو أن أمريكا تساعَد ولا تساعِد؛ فالعلاقة مع أمريكا، خاصة علاقة القوى خارج السلطة، وعلى الأخص إذا ما كانت هذه القوى عربية، لا يمكن أن تكون بين أنداد مستقلين تختلف درجة قوتهم؛ فهذه العلاقة لا يمكن إلا أن تكون علاقة الخادم بالمخدوم أو المستهلَك بالمستهلِك مهما تسترت بالشعارات البراقة. وطبعاً الخادم ليس أمريكا كما يوحي تصريح رياض الترك أعلاه، بل هو من يروج مشاريعها بعد كل ما جرته هذه المشاريع على المنطقة والعالم. بدليل أن أمريكا عادة ما ترمي أدواتها إذا ما تحولوا إلى عبء الأمر الذي لا يحدث بين أطراف التحالف المعادي لها.
والتحالف يمكن أن يكون بين خصمين أو عدوين ضد عدو مشترك أخطر على الخصمين، كالتحالف الذي شهدته الحرب العالمية الثانية ضد دول المحور ( ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية واليابان )، لكن في هذه الحال تكون التخوم بين المتحالفين وهدف التحالف واضحين. وهو ما لا نجده في العلاقة بين الغرب و”حلفائه” في المنطقة. ذلك لأن هذه القوى، ورغم بعض الكلام بحق الغرب، وهو كلام يغلب عليه طابع اللوم والعتب غالباً، رغم هذا الكلام القليل عن الغرب فإننا نجد إعلام حزب الشعب يحاول أن يحفر عميقاً في وعي ووجدان الناس ليؤسس لقبول مديد للاحتلال، أي أن الترويج للغزو مؤدلج هنا وليس استعمالياً أو تكتيكياً أو مرحلياً، أي أن الخيار الثالث ليس إلا خديعة واستدراجاً للعقول كما يتضح من موضوعات المؤتمر السادس لحزب الشعب السوري التي جاء هذا الخيار في سياقها، والتي تتعامل مع الاحتلال كخيار استراتيجي، الأمر الذي لفت النظر إليه أكثر من مرة.
في “لنؤكد إنسانيتنا : … “، المنشورة في موقع قاسيون، قارنت بين نص للكاتب الصهيوني عاموس عوز وبين نص من موضوعات المؤتمر السادس لحزب الشعب السوري. والآن أقارن بين نص من خطاب ألقاه بوش في ذكرى نكبتنا في الكنيست وبين نص لرياض الترك من مقابلة صحفية.
أ ـ نص رياض الترك : يقول رياض الترك، في مقابلة مع نيويورك تايمز، عدد 23|3|2005* ، ترجمها موقع “الرأي”، جرت في 11|3، اليوم التالي لاعتصام المعارضة الشهير، عشية التقرير الثاني لميلس ونائبه ليمان : ” أنا ألوم صدام أولاً وأخيراً على الغزو الأمريكي … لو هاجمنا بوش فإنني سأعتبر بشار المسؤول الأول … نحن جاهزون للتخلص من الدكتاتورية، نحن نتفق مع الأمريكان في ذلك ـ أي جاهزية الشرق الأوسط للديمقراطية ـ بشار لم يتعلم درس العراق، إنه مثل صدام الذي كانت لديه 11 سنة، من 1991 ـ 2002 ، لكي يتغير، فلم يستطع. ما كان للولايات المتحدة أن تدخل العراق لو أن صدام كان قادراً على التغيير، لماذا انهارت الإمبراطوريتان البيزنطية والفارسية أمام الفتوحات العربية في القرن السابع؟! لأنهما كانتا ضعيفتين وعاجزتين عن التغيير …
في هذه المقابلة يتوجه رياض الترك بالأساس إلى الشعب الأمريكي والإدارة الأمريكية وقت كان الهجوم الأمريكي على المنطقة في ذروته، لكنه يعرف أن أقواله ستعمم، وبالتالي إنه يتوجه إلى العقل العربي أيضاً. وهي على كل حال تنسجم مع صفحات طويلة من موضوعات مؤتمر حزبه، فلنمعن النظر فيها قليلاً.
هذا التصريح لا يدعي أن القوات الأمريكية ستنجز لنا الديمقراطية وترحل، بل يقول أن انتصارها السهل علينا سيغيرنا نحو الأفضل، لأنها ستنقل لنا الحداثة. ومثلما أسف المقطع من الموضوعات الذي ناقشته في “لنؤكد إنسانيتنا: … ” لأن مقاومتنا ارتدت علينا إذ قطعت مسار التحديث، سيأسف صاحب التصريح إذا ما قامت مقاومة للاحتلال الأمريكي وسيدعو إلى إدامة الاحتلال؛ فهو يقول في مقابلة نشرها موقع الرأي وسبق لي أن تناولتها غافلاً عن التاريخ : ” لقد وجدت دائماً في سورية معادلة بين القوى المتطرفة الرامية إلى الاستقلال أو إلى منعه. ففي عهد الانتداب الفرنسي كانت هناك نضالات عنيفة من أجل الاستقلال، وفي الجهة المقابلة كانت هناك قوى متواطئة مع الفرنسيين. في هذا السياق كانت هناك الحركة الوطنية المستندة إلى الشعب والمتفاوضة مع الفرنسيين في آن، فهناك عامل ثقافي سوري يحبذ الاعتدال”. إنه يعتبر المقاومة المسلحة تطرفاً يخرج عن “الحركة الوطنية المستندة إلى الشعب”؛ فهو ليس معتكفاً عن مقاومة الغزو المرتقب ما دام النظام قائماً، بل هو رافض للعنف ضد الاحتلال إطلاقاً. وهذا الرفض ليس تشبهاً بغاندي، لأنه لا يقول أي كلمة رفض للاحتلال، ويعلن جاهزيته ويحمل السلطات كامل المسؤولية ( أولاً وأخيراً حسب قوله ). وكما هو واضح، لا أثر هنا للتكتيك أو منطق استعمال القوة الخارجية وقبول المساعدة من عدو مدجج، ربما صح هذا على بعض حلفائه، أما هو فلا؛ لا هوى هنا إلا مع الحداثة والحداثة فقط، فليدم الاحتلال إذاً حتى نصبح أمريكيين بعيون زرق وشعر أشقر حقيقة لا مجازاً. هذا ما يستفاد من المقارنة مع قوتين، صاعدة وهابطة، في القرن السابع؛ هنا تنتفي الذرائع إلا الضعف والعجز عن التغيير في طرف وحمل روح العصر في الطرف الآخر؛ فالمقارنة وما سبقها تنطوي على أكثر من الإغراء بالغزو.
لا تجوز مقارنة الغزوة الأمريكية اليوم بما جرى في القرن السابع، بل لا تجوز مقارنة الإمبراطورية الأمريكية بالرومانية لاختلاف الأهداف والنتائج والثقافة. بالحقيقة كانت الحروب العربية تلك فتحاً، بدليل أن العرب هم الشعب الوحيد الذي ترك علاقات ودية مع شعوب البلدان التي سيطروا عليها، وما تزال نتائج هذا الفتح بادية إذ أن الشعوب الصديقة للعرب هي شعوب تلك البلدان بالذات. قد يتذرع البعض بالعقيدة الدينية فأقول: ما كان ممكناً لتلك الشعوب أن تعتنق الإسلام لو لم يكن يعبر عن روح العصر، ولو لم يكن العرب أرحم فاتح عرفه التاريخ، بدليل أن المغول والتتار أخذوا بعقيدة العرب بعد إخضاعهم لهم. وقد يقول قائل: لماذا المكابرة؟! إن أمريكا تمثل فعلاً روح العصر، فهي تملك تقنيات متطورة وتأخذ بالنظام الديمقراطي!. على الأقل هكذا يعتقد عبد الرزاق عيد الذي لم أعرف أحداً سواه بز رياض الترك في وقاحته، حسب السخرية التي ينقلها عنه السيد سمير عباس في رده المنوه به إذ يقول : “الآخر الأمريكي ليس إلا – الثور – ونحن العرب – الغزلان – المطلوب منا الخفة والرشاقة واللياقة لصرع هذا الثور – الغبي – الذي يحمل –لشدة غبائه – ما بين قرنيه آخر منجزات الحداثات الكونية التقنية في كل مجالات العلوم والاقتصاد والإدارة والاتصالات عبر تاريخ البشرية..!”. الإمبراطورية البيزنطية التي غلبها العرب في القرن السابع كانت ذات نظام ديمقراطي وتملك تقنيات أكثر تطوراً، وكذلك كان العرب في القرن الثالث عشر أكثر تقدماً من المغول والتتار، ماذا إذا ؟! ربما السبب هو ما ذكره رياض الترك، أي الرغبة في التغيير والقدرة عليه. في هذه الحالة نحن لا أمريكا نكون القوة الصاعدة. رياض الترك لا يلحظ الرغبة في التغيير والقدرة عليه إلا عند الحكام، لكن الحكام لا يمثلون روح الأمة وتطلعاتها. المقارنة يجب أن تكون بين الشعوب لا بين الحكام؛ فعندما ينزل مليوني إيراني بمظاهرة أكفان، أو عندما يهز مئات آلاف الناس قبضاتهم بتناسق أين منه تناسق حركة جنود المراسم، يكون الشعب ذات طاقة تغييرية هائلة؛ العبء الأساسي في القضاء على ألمانيا النازية كان على الشعب السوفييتي الذي كان في حالة نهوض ثوري، أو قوة صاعدة مشبعة بالنزعة الإنسانية، ما وفر له الغلبة في حربه مع ألمانيا القوة الصاعدة هي الأخرى ( تحفز أو فرط حيوية السوفييت كان للتحرر والانطلاق، وإذا ما توجهت نحو الخارج فبدوافع إنسانية أممية. أما الثانية فتحفز وفرط حيوية في الصراع مع الأقوياء من أجل اقتسام المستعمرات، أي أنها عدوانية نحو الخارج ). الاعتبار هنا لمنحى حركة الشعوب أو لنوعها لا للدرجة؛ فالنظام الإيراني قد يكون متخلفاً عن النظام الغربي لكنه الممكن ضمن الظرف الاجتماعي الثقافي والمتقدم على ما سبقه؛ فهو في هذه الحال أكثر تعبيراً عن انطلاق إرادة التغيير عند الشعب الإيراني وتحفزه من تعبير النظام الأمريكي عنهما عند الشعب الأمريكي، بل إن المجتمع الأمريكي يعيش حالة الرومان والفرس في آخر عهد إمبراطوريتهما؛ فمنذ متى لم يتم تغيير في النظام الأمريكي البالي والمتقادم؟! هذا عدا أن الشعب الأمريكي هو الأكثر أمية ثقافية في العالم رغم كل ما قاله الدكتور؛ الأمر لا يقاس هنا بالمنجزات العلمية كما يوهمنا عبد الرزاق عيد؛ فنهضة العرب العلمية كانت في فترة انحطاطهم السياسي، لكن تفتح طاقاتهم التغييرية كانت في عهد الرسول، أي في زمن البداوة. هذا موضوع فوق طاقتي، معقد وكبير، اللعب على شاطئه ممتع لافت للنظر ويزين الجسد بالرمل وما يلفظه البحر من قمامة، أما الغوص فيه فشئء مختلف، صعب وبعيد عن الأنظار. الدكتور تعرى من كل دروس التاريخ ووضع قدميه في الماء ليتراشق؛ أما أنا فأصبحت لكثرة ما رأيت، كلما قالوا : دكتور، أقول أرسلوه ليدرس في جامعات فرنسا مع برهان.
يقال أحياناً أن غزوة نابليون سببت صدمة حضارية بسبب ما نقلته إلى المنطقة من وسائل حضارية كالمطبعة وغيرها، لكن هذا لا يقال من باب تزيين الغزوة تلك والدعوة إلى إعادة تكرارها أو الأسف على تلاشيها، بل من باب دراسة النتائج. وطبيعي أنه لا يوجد شر مطلق؛ ففي أكثر الأحداث كارثية يمكن أن نعثر على شيء إيجابي، لكن القيمة تكون في المحصلة. ومهما انطوى الحديث عن أثر نهضوي لتلك الغزوة على مشروعية ـ وهو خطأ لأنها دمرت مقومات النهضة بحيث لا تعود تكفي الصدمة بذاتها، بل ربما انعكست الصدمة سلباً في هذه الحال ـ فإن الصدمة اليوم ليست بحاجة لغزو عسكري وقد تحول العالم إلى “قرية كونية صغيرة” بفعل وسائل الاتصال.
وقد يعتقد البعض أن غرض رياض الترك من كل هذه التصريحات هو إغراء أمريكا بالغزو لا غير، أي دون تقديس الحداثة لذاتها؛ فما يعنيه هو إنجاز التغيير الديمقراطي الذي أصبح مصلحة أمريكية. هذا كلام ليس صحيحاً إلا في جزئه الأول، أي الإغراء بالغزو، لكن ليس من أجل الديمقراطية والحداثة، بل لهدف في نفسه. لا أقول هذا لأن إنجاز الديمقراطية بهذا الشكل هو عمل يتنافى مع الديمقراطية والحداثة، بل لأن رياض الترك يكاد يصرح به؛ فهو يطمئن الأمريكيين في مقابلته مع نيويورك تايمز المنوه بها إلى أنه لن تكون عندنا ديمقراطية ولا من يحزنون؛ تسأله الصحيفة : “إذا سقط النظام هل هناك قوة أو منظمة تستطيع أن تحكم؟ هل هناك بديل” ؟ فيجيب :”الأزمة تدور حول العبيد والسادة، تماماً كما في روما القديمة. ظهرت مشكلة حين استولى العبيد على الحكم، فأعادوا إنتاج النظام القديم وأصبحوا هم سادة بدورهم. لا تستطيع أن تنظر إلى المعارضة هنا كما تنظر إليها في الغرب. لا أحد في المعارضة تلقى تدريباً في ظل حكم الحزب الواحد. ونظام العبيد هذا لا يسمح لأي شيء بالنمو. كذلك فإن العديد من أحزاب المعارضة أنانية. القادة يتابعون مصالحهم الشخصية ومصالح حزبهم ويستبعدون المصلحة الوطنية”. عجباً كيف أن السيد رياض الترك واثق جداً من غبائنا، أو من صحة مقولة دايان ( لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يفهمون )؛ لا شك أن معارفه تركوا لديه هذا الانطباع ؛ فهم ما زالوا ينكرون ما لا يخجل به؛ فهم إما لا يقرؤون وإما لا يفهمون ما يقرؤون. على الأقل هذا ما يعنيه تطمين الأمريكيين هذا.
قائل هذه الأقوال يقر بضعف المعارضة أكثر من مرة في هذه المقابلة بالذات؛ فهي في الحد الأدنى تعبر عن نزعة استئصالية تدميرية حاقدة وبأشد أدوات الأعداء فتكاً. وعليه فإن كلامه عن الحداثة ككلامه عن الديمقراطية لا يخرج عن كونه تزييناً للغزو، أو استعارة من خطاب القوى الاستعمارية.
ب ـ نص بوش : “لو جرت محاولة قبل 60 سنة للتنبؤ بالمستقبل، لكان من الصعب تقدير أن إسرائيل ستكون بهذا الوضع؛ كان من الصعب تخيل إسرائيل العصرية مثلما هي اليوم”. عرب48 في 14 | 5 | 2008
بوش معجب ومندهش من إسرائيل العصرية وكفي، أما أن تكون هذه الدولة العصرية قد قامت على أنقاض حقوق شعب آخر بالمجازر والتهجير فهذا مما لا يعني شيئاً؛ فهو يقول: « أسفي الوحيد يكمن في أنّ أحد قادة إسرائيل الكبار ليس هنا لمشاركتنا هذه اللحظة… صلوات الشعب الأميركي لـ (رئيس الوزراء السابق) أرييل شارون … من العار أن الأمم المتحدة تصدر بشكل منتظم قرارات بخصوص حقوق الإنسان تدين أكثر الديموقراطيات الحرة في الشرق الأوسط». موقع قاسيون 16|5|2008 فانتهاكات الأنظمة الديمقراطية لحقوق الشعوب غير ذات معنى. وهو نفس ما يقوله بيريس :” بالرغم من أننا كنا قلائل فقد انتصرنا في7 حروب كدولة ديمقراطية” عرب48 في 14|5|2008، فماذا بشأن حقوق الشعب الفلسطيني التي هدرتها هذه الانتصارات؟! المهم هو أن الأنظمة الديمقراطية تنتصر وكفى!!. لقد قال أولمرت عن حق أن “الصداقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ليست صدفة، وإنما هي صداقة مؤسسة على القيم المشتركة والأخلاقية والإنسانية والاجتماعية، ويقف في أساسها الحرية والعدالة الاجتماعية والسلام”. عرب48 في 16/05/2008 أو كما قالت رئيسة الكنيست، داليا إيتسيك، بتاريخه إن: ” التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل هو في أساسه تحالف أخلاقي بين شعوب تقدس الحرية وتطمح إلى السلام“.
* قد يكون هذا التاريخ هو تاريخ نشرها في موقع “الرأي“
2 / 2
كل هذا الرقص الديمقراطي الحداثي، أو الاحتفاء القيم المشتركة “الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية” يجري فوق أنقاض حقوقنا وإنسانيتنا؛ كل هذه الأقوال التي صدرت في ذكرى نكبتنا تركز على الحداثة وروح العصر والقيم الإنسانية،
فماذا تكون الممارسات الأمريكية والصهيونية إذاً؟! إنها حروب الحداثة ضد التخلف!؛ حروب البشر ضد الطبيعة، وهو ما فعله المستوطنون في أمريكا واستراليا وفلسطين ـ رجاءً ليعد القارئ إلى نص عاموس عوز في “لنؤكد إنسانيتنا : …” ليتأكد أن هذا ما يقصده رياض الترك بالضبط ـ إن مقارنة رياض الترك بين ما يحصل اليوم وبين ما حصل بين العرب والفرس في القرن السابع هي استعارة من خطاب القوى الاستعمارية عن عبء الرجل الأبيض في عمران الأرض الخربة والخالية، خاصة إذا ما ألقى بكامل المسؤولية على الضعف والعجز عن التغيير.
إذا كان رياض الترك قد اعتبر مقاومتنا للفرنسيين فعلاً متطرفاً خارجاً عن ” الحركة الوطنية المستندة إلى الشعب”، فمن الطبيعي أن نظرته إلى مقاومات اليوم أبعد حقداً وتطرفاً. لهذا نرى “الرأي”، صحيفة حزب الشعب، تردد الدعاية الصهيونية والأمريكية حول المقاومة وقوى الممانعة واضعة الحافر على الحافر؛ فكلام حزب الشعب والسباطيين عامة عن قوى المقاومة هو من إبداع القوى الاستعمارية أيضاً. وبديهي أن المنطق الاستعمالي للغزومن أجل سورية لا يقضي بالعداء للمقاومة خارجها ، إذ يستطيع المرء أن يرغب بمساعدة أمريكا من أجل الديمقراطية لشعبه وبالاستقلال للشعوب الأخرى في آن واحد ـ أقول هذا على سبيل الفرض ـ وأنا هنا لا أتحدث عن شعوب عربية، بل على الإطلاق، فلنقارن:
قال نتنياهو إن الانسحاب من الجولان ” يحوله إلى قاعدة متقدمة لإيران تهدد إسرائيل” عرب48 22|5|2008وهو كلام تكرره نخبة مجتمع الاستيطان بتعبيرات مختلفة. طبيعي أن توقيع سورية لاتفاقية سلام مع إسرائيل يعني حكماً تغيراً في تحالفاتها ودورها في المنطقة بحيث تأخذ أمريكا وإسرائيل سورية بكاملها مقابل الجولان، مثلما حدث مع كل دولة عربية تعاهدت مع إسرائيل، أي أن هذه الاتفاقية ستحجم خطر إيران على إسرائيل ما دام دورها هو دور الإسناد والتأييد. بالتالي الاتفاقية لن تسلم الجولان لإيران، بل على العكس ستخلق لها أعداء جدداً، لكن الإعلام الاستعماري ومن خلفه الإعلام الشباطي يريد أن يقول أنه لا سبب للنزاع بين سورية وإسرائيل، وكل القضية هي تحالفها مع إيران عدوها اللدود؛ فالصراع إسرائيلي إيراني.
وقال أولمرت عن قطع حزب الله ليد الميليشيات العميلة في بيروت :”هذه محاولة إيرانية للمس بالديمقراطية في لبنان، نأمل أن يتمكن السنيورة من التغلب على استفزازات حزب الله وإيران”.عرب48 في 15|5|2008 هنا يختزل أولمرت والشباطيون من خلفه القوى الوطنية اللبنانية إلى حزب الله لكي يسهل القول أن حزب الله يخون بلده إذ يخدم أهداف إيران. وبالتالي لا مشكلة مع حزب الله إلا أنه يخدم عدو إسرائيل اللدود على حساب مصلحة شعبه، وطبعاً لأنه حزب شيعي.
الرئيس المصري حسني مبارك عبر عن قلقه من تنامي التأثير الإيراني في كل من قطاع غزة ولبنان، مشيراً إلى أن ” الوضع الناشئ في قطاع غزة أدى من الناحية العملية إلى أن يكون لمصر حدود مع إيران”، ورأى أن ” المشكلات والأزمات في المكانين تنبع من ضلوع إيراني” قاسيون في 27|3|2008 لهذا وجدنا هذا العنترة، غير المستفز من اشتراك مزرعته مع إسرائيل بالحدود، يهدد بقطع كل رجل غزاوية محاصرة إذا ما انتهكت السيادة المصرية المنقوصة من أمريكا وإسرائيل على سيناء.
هكذا يتحدث أولمرت وخادمه مبارك فماذا يقول حزب الشعب؟! لا تكاد تخلو افتتاحية ل “الرأي” من هذا المعنى، وأحيانا تكاد تتطابق المفردات : في العدد 62 تحدثت الافتتاحية عن ريموت كونترول يوجه حماس وحزب الله، في العدد 61 تقول: “إن النزاع السياسي في لبنان، وكذلك النزاع على موقع سورية في الحضن الإيراني أو الحضن العربي، يتمظهران الآن بشكل نزاع إقليمي قاسٍ على النفوذ بين طهران من جهة والرياض والقاهرة من جهة”؛ فالرياض والقاهرة العروبيتان تريدان استعادة سورية إلى العروبة؛ فالصراع عربي إيراني ولا شأن لمواقف الأطراف من الصراع العربي الصهيوني في هذا الاصطفاف، ولاحظوا هذا الكلام في افتتاحية العدد 59 عن اقتراب إيران من حدود التوابع والأدوات : “فهل يا ترى بالنسبة إلى بعض الأوساط الإسرائيلية صار تأسيس دولة فلسطينية معتدلة أهون الشرور وأقل خطراً على الوجود الإسرائيلي من استطالات دولة على حدودها بحجم إيران”. هنا يكرر كلام نتياهو عن الانسحاب من الجولان وكلام حسني مبارك عن حسم حماس مع العملاء في غزة؛ فحماس مجرد استطالة إيرانية، وطبعاً الفلسطينيون الخلص هم سلطة التفريط والقمع والاستبداد، والتنسيق الأمني مع الاحتلال، ومطاردة المقاومين من مختلف الفصائل بما فيها فتح، وتعميم الفوضى والفلتان الأمني والفساد؛ فهذا الحزب ينحاز صراحة، وعلى طول الخط في هذه الافتتاحية ( وكل افتتاحية )، إلى جانب السلطة الفلسطينية التي يقر بفسادها، ضد الموقف ” السياسي لحماس المفعم بالأيديولوجي والعقائدي” . فما هذا الأيديولوجي والعقائدي الذي يرعب حزب الشعب كل هذا الرعب بحيث يدفعه لتأييد سلطة بهذه المواصفات أو يجعلها أهون شرين على أقل تقدير؟!! حسب موقع “الرأي”، لقد تمنى رياض الترك، رمزحزب الشعب، في لقاء مع اليسار الديمقراطي ( اللبناني ) في باريس، تمنى أن تنجح المعارضة في توحيد صفوفها والتعاون والتكامل بين تياراتها، والتحالف بين شقيها العلماني والإسلامي وفق الثوابت الوطنية وعدم الخوف من تيار الأخوان المسلمين، وهو (أي الحزب ورياض ) الذي ما يزال يعتبر السلطة السورية مسؤولة أولى عن الأحداث الدموية التي نتجت عن الأيديولوجي والعقائدي عند الأخوان المسلمين؟! أقول ما هذا الأيديولوجي والعقائدي الذي يرعب حزب الشعب كل هذا الرعب رغم موقفه من تنظيم الأخوان ماضياً وحاضراً؟! إنها الظلامية ممثلة بثقافة الانتحار والموت المعادية للسلام : تقول الموضوعات :” لذلك من الطبيعي أن يندفع بعضنا من اليأس إلى الموت والخلاص السهل، ومن غير الطبيعي ألا تبادر قوى شعوبنا الحية إلى تعميم ثقافة الحياة والسلام” فلنقارن ! يقول بوش عن إسرائيل إنها ديمقراطية مزدهرة ” تقف في مواجهة متطرفين وإرهابيين يريدون الدفع برؤية ظلامية للعالم. وعلى الولايات المتحدة أن تقف إلى جانب الديمقراطيات في المنطقة ضد الإرهابيين … الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل، وإلى جانب العناصر الفلسطينية التي تحارب حماس المعنية بالقضاء على إسرائيل”.عرب48 في 15|5|2008. على خطا الغرب، الأيديولوجي والعقائدي عند القوى الدينية الظلامية مرحب به، أما عند قوى التحرر الدينية فهو مصدر للانتحار وثقافة الموت المعادية للسلام، وعلى خطاه أيضاً لم يرى الموت الذي يسببه الاحتلال الأمريكي أو المستوطنون والسلطة الفلسطينية وقوى “الإسلام الظلامي“.
إنني لا أريد من نقل هذه التصريحات إضاعة وقت القارئ بما هو معروف من مواقف، بل للتنبيه إلى هذا التنسيق الدعائي، والتطابق في الشحنة الانفعالية، والتوافق على المواقف من نفس المنطلقات.
في العدد 63 من “الرأي” يضغط حزب الشعب على السلطة لكي تأخذ بواقعية مصر والسعودية ويغريها بمثل المكاسب التي تحققانها. يقول: ” يبدو أن بنية النظام منعته من مجاراة شريكيه السابقين ( مصر والسعودية ) باعتمادهما سياسات إقليمية واقعية وعقلانية، الأمر الذي قطفا بنتيجته ثماراً كثيرة، أهمها ازدياد دورهما الإقليمي ” لا تكاد تخلو افتتاحية من مديح للسياسة السعودية تلميحاً أو تصريحاً، فأين الديمقراطية في مصر والسعودية؟! ولماذا يناصب حماس العداء وقد فازت بالانتخابات؟! ( أذكر الآن أنه استنكر إلغاء الانتخابات في الجزائر، ما يعني أن موقفه من الإسلام السياسي التحريري غير محكوم بعلاقة هذا الإسلام بالسلطة السورية. واستطراداً أقول أن “الرأي” حاولت توفير الغطاء لجند الشام في سورية ) إن بيت القصيد في سياسة حزب الشعب هي الدفع بسورية إلى “سياسات إقليمية واقعية وعقلانية”، أما الديمقراطية والليبرالية والحداثة فإننا نجد كثيراً منها في خطابات بوش وأولمرت؛ فهل يستحق الأخذ بالاعتلال العربي كل الخراب والدم الذي ستسفحه المساعدة الأمريكية لرياض الترك وحزب الشعب؟!.
يقول الأستاذ سلامة أنه ليس المهم ما يقوله المرء عن نفسه بل ما هو عليه في الواقع، فهل يجوز التنسيق مع حزب هذه هي أهدافه وممارساته لمجرد أنه يحلي سمومه بالدسم؟! وهل تجوز مساواته باللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين؟! في الواقع لهذه المساواة وهذا القبول بالتنسيق دلالة واحدة.عندما تنقسم النخب المنزهة عن المصالح ما بين مصوفن ( مهبل ، مغودن ، مرشل ، غابب على قلبو ) وبين مهستر طاقق عقلو، عندها يصبح الرمادي جريمة.
3ـ التحالف على القضية الوطنية : القضية الوطنية لا تصلح لوحدها أساساً للتحالف في غياب الاحتلال، لأن العمل الوطني يقتصر في هذه الحال على دعم حركات المقاومة. هذا ما يقوله الأستاذ سلامة، وهوقول غير صحيح : لقد عمل حزب الشعب مع بقة الشباطيين على تدمير كل ما له صلة وثيقة بالقضية الوطنية من طمس للذاكرة الجماعية وكسر حواجز نفسية وخدش مقدسات؛ فالأولوية اليوم لإعادة بناء ما دمروه. لهذا تكون محاصرة أطروحات حزب الشعب قضية وطنية على درجة عالية من الخطورة؛ فالنضال الوطني لا يكون في مواجهة المحتل فقط، بل في مواجهة من يهيئ الأجواء له؛ فليس بالضرورة أن يكون التحالف والتنسيق ضد السلطة فقط، بل أحياناً تكون الأولوية للصراع مع من هم خارج السلطة؛ ولقد أقر الأستاذ سلامة بأن المعارضة قد تكون أخطر من السلطة؛ فمع وجود حزب الشعب قد يكون التركيز على السلطة عملاً تدميرياً.
كثيراً ما يكون نقد السلطة عمل من لا عمل له. وهذا مفهوم لأن الناس يعانون منها بشكل مباشر. النقد هنا لا يحتاج إلى معرفة وثقافة فهو أقرب إلى الشكوى، وغالباً ما تختلط الشكوى بالانفعال والعصبيات المختلفة؛ فنحن نادراً ما نستطيع أن نتم مناقشة مشكلة دون الانجراف إلى تغذية مشاكل أو التورط فيها. لذا يبدو أننا بحاجة من أجل عقلنة نقد السلطة إلى ممارسة النقد والجدل بين القوى السياسية، خاصة نقد المعارضين لها، لكي لا يستفيدوا من نقدنا لها أو نبدو وكأننا حلفاء. إن حياتنا السياسية تفتقر إلى هذا النشاط الفعال.
لكل معارضة رصيد لم تتعب به ناتج عن معاناة الناس من السلطة. لذلك فإن غياب الجدل بين القوى يرضي الانتهازيين الذين يطمعون برصيد لا يستحقونه، أما القوى الحية فتنبه الناس إلى حقيقة غالباً ما تطمس، هي أنه لا إن سببت ناقصاً ولا إن سبني ناقص شهادة لي بأني كامل. لهذا يجب على من يقرن بين الوطنية والديمقراطية أن يوضح أين يتفق وأين يختلف في كل منهما مع السلطة ومع كل طرف خارجها، أي يجب توضيح التخوم بدقة ووضوح . عندما يتم هذا يمكن إقامة تحالفات ضمن الصف الوطني ليس بالضرورة أن تشمل الجميع. مثلاً : لم تضع السلطة برنامجاً لحل المسألة الوطنية فاكتفت بآلياتها لضمان سهولة الحركة والانعطاف، لكن مع هذا يمكن تخمين هذا البرنامج : السلطة اعتمدت السلام خياراً استراتيجياً، لذلك تكون حروبها إذا ما شنتها بهدف التسوية، لأن السلام كما الحرب يكون بين طرفين. وهي إذ تدعم المقاومة اليوم فلإنجاز تسويتها، بعد التسوية سيتم الافتراق عن المقاومة وربما التصادم معها.
في نفس الوقت إن عاد اللاجئون عادت الجولان، بل لا يعود مهماً أعادت أم لم تعد. وما لم يعد اللاجئون لا تغير في طبيعة مجتمع الاستيطان ووظيفته، لذلك كل سلام دون عودة اللاجئين، على الأقل الموجودين في سورية، لا يكون إلا على مبدأ عادت الجولان راحت سورية.
تقديم قضية اللاجئين على أنها قضية وطنية بقدر ما هي قومية وأممية يساهم في التعبئة ضد المرتهنين للخارج وضد الطبقة التي من مصلحتها وطبيعتها الاستعجال، وفي نفس الوقت يحدد مساحة الاختلاف والاتفاق معهما، فإذاً تستطيع اللجنة والأستاذ سلامة ( لا أعرف إن كان لديه تنظيم ) التحالف على موقف وطني متمايز عن موقف السلطة، هذا إذا ما اتفقا.
ثم ما بالنا ونحن على ما نحن عليه من الضعف والعزلة نميل إلى هدر الجهد ونتجنب الاقتصاد في النشاط السياسي؟! صحيح أن الجانب الديمقراطي هزيل عند اللجنة الوطنية لكن يبرز عندها زيادة على الموقف الوطني، وعلى نحو لافت، الموقف الاقتصادي ـ الاجتماعي والموقف من الفساد؛ لا يوجد تنظيم سوري يولي ما توليه اللجنة لهذه القضايا. قضية الفساد كافية وحدها لكي تكون موضوعاً لتحالف، بل لا أرى في هذه المرحلة قضية غيرها العمل فيها ذات جدوى. أولاً: لأن المجتمع الفاسد مجتمع غير سياسي فدق الماء وهي ماء. وثانياً: لأن الفساد يعني غياب الدولة، وبدون دولة لا يمكن الحديث عن قضايا، وفي نفس الوقت القضاء عليه هو نصف الطريق على طريق إنجازها جميعاً، لأن القضاء عليه هو الأساس الصلب لكل القضايا باعتباره سبب الفشل فيها جميعاً فوق أنه سبب أساس للولاءات قبل الوطنية لما يعنيه من غياب القانون وفقدان الحماية. وثالثاً: لأن اللغة هنا ستكون مفهومة وجدانياً وبالموروث وبالعقل.
وإذا ما غضضنا الطرف عن كل ما سبق فالتحالف ممكن بين خصوم، وعلى قضايا ليست بالضرورة من العيار الثقيل؛ فإلى متى نختلف ونتفق على قضايا تحتاج كثيراً من الكلام وقليلاً من الفعل؟!… المهم أن نحدد قضية تكون لها الأولوية الآن وهنا، ومن ثم نبحث عمن يرغب أو له المصلحة في إنجازها. وإذا سئلت فأنا لدي قضية ترونها صغيرة وأراها كبيرة على قوانا السياسية بوضعها الحالي، بل إنها تحتاج إلى أوسع تحالف. القضية هي أنه لدينا مجموعة من الشرفاء الذين فضحوا بعض الفاسدين بالملموس وعن طريق التفتيش، بل أحدهم مفتش. عوقب هؤلاء الشرفاء ورقي اللصوص المدانون عبر التفتيش والقضاء. لا شك أنهم كثر فابحثوا عنهم تجدوهم، ثم اتحدوا من أجل إنصاف الشرفاء ومحاكمة المجرمين، فإذا ما نجحتم أضمن لكم إنجاز بقية قضاياكم في المدى المنظور.
أخيراً : إن وجب التنويه فأنا أسر للأستاذ سلامة بأنني لا أنتمي إلى اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين ولا لأي تنظيم آخر. وما دافعي إلا ملاحظتي لبعض الجفاء غير المبرر بين قوتين ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما بكثير؛ فاللجنة تجمع بين الوطني والاقتصادي ـ الاجتماعي والديمقراطي، وهو نفس ما يفعله الأستاذ سلامة حسب الانطباع الأولي الناتج عن قراءات قليلة، مع ميل كل منهما قليلاً في اتجاهين مختلفين. إنما خشيتي أن يكون مصاباً بلوثة المثقفين المنعزلين في برجهم الذي وإن كان غير عاجي فمن المحتمل أنه عالٍ جداً بعيداً عن الناس..
أكرم إبراهيم: ( كلنا شركاء ) 29/5/2008