اللعب على التناقض
ساطع نور الدين
عدا عن بعض الوقائع المضحكة والمسلية التي يمكن أن تحدث في أي برلمان في العالم، فإن جلسة الاستماع الى السفير الأميركي المعين في دمشق روبرت فورد في لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، كانت واحدة من أهم جلسات النقاش العلني حول العلاقات الأميركية السورية، ومؤشراً حاسماً لما يمكن ان تشهده هذه العلاقات من تحديات وتحولات في المرحلة المقبلة..لا بد لكل لبناني أن يحسن قراءتها قبل أن يقع في أي خطأ.
ولعل المدخل الأهم لمثل هذه القراءة هو أن السفير الجديد الذي يستعد للتوجه الى دمشق لملء مركز شغر بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل خمس سنوات، يأتي من بغداد، حيث لا تزال حقائبه وتقاريره ودفاتر ملاحظاته وأرقام هواتفه موجودة هناك، في العاصمة العراقية التي انطلق منها في السنوات الثلاث الماضية في مهمات دبلوماسية عديدة في اتجاه عواصم دول الجوار العراقي، ووصل الى بيروت أيضاً، وصارت له صداقات واتصالات تتخطى الدائرة العراقية المنتشرة في تلك الدول.
هو من الدبلوماسيين الأميركيين المستعربين، وهذا يعني حسب المصطلحات المتداولة حالياً في واشنطن، الذين يتحدثون العربية بطلاقة، وأساساً الذين يعتبرون العروبة علاجاً شافياً لوباء الأصولية الإسلامية المتفشي في العالم العربي، سواء في مظهره السني المتمثل بتنظيم القاعدة والشبكات المتصلة به أو المشابهة له، أو في وجهه الشيعي المتمثل بإيران وحليفها الرئيسي حزب الله. وهو من الذين يروّجون لفكرة إعادة تعريب العراق، في مواجهة الغالبية الشيعية التي يمكن أن تعرّض بلاد ما بين النهرين لخطر توسع النفوذ الإيراني، بعد الانسحاب العسكري الأميركي في نهاية العام المقبل.
هو يتوجه الى دمشق بناء على نظرية أو فرضية أعلنها صراحة خلال الجلسة ورددها رئيس اللجنة جون كيري، الذي يعتبر الآن أقرب شخصية سياسية أميركية إلى سوريا وقيادتها، وتفيد أن هناك تناقضاً عميقاً وواضحاً بين التوجهات والمصالح السورية والإيرانية في العراق: من جهة تريد طهران دولة عراقية تحكمها غالبيتها الشيعية وتنحو بها نحو الطابع الديني، ومن جهة اخرى، تود دمشق أن ترى دولة عراقية مركزية قوية لا تسقط هويتها العربية، ولا «تجتث» جمهورها السني والعلماني.. لكن العاصمتين لم تصلا حتى الآن إلى مرحلة الاختبار أو التحدي، وما زالتا تخوضان مواجهة ضمنية غير مباشرة، قد تكون نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة إحدى ساحاتها!
التكليف الرسمي المعلن للسفير الأميركي المعين في دمشق هو كما يبدو اللعب على هذا التناقض السوري الإيراني في العراق الذي يحتل أولوية مطلقة في المرحلة الانتقالية الراهنة بين الإدارة العسكرية والسياسية الأميركية المباشرة وبين انكفاء الأميركيين خلف الكواليس وترك العراقيين يتدبرون شؤونهم أو يحاولون، للمرة الأولى، تدبر هذه الشؤون بأنفسهم.. من دون أن يحدهم سوى محظور رئيسي وحيد هو أن لا يسمحوا لإيران بأن تسد الفراغ الذي تخلفه أميركا في العراق.
نقاش أميركي جوهري، أما الخلاصة فهي شأن آخر. وقد تكون بيروت أحد الشهود والشواهد.
السفير