قضية فلسطين

الدم الفلسطيني في المزاد العربي ـ الدولي

طلال سلمان
لم يكن ينقص الحفل الدولي الفخم، أمس الأول، في شرم الشيخ، التي هي استراحة سياحية في مصر لكنها ليست مصر، إلا «الدلال» يهتف بصوته العريض الذي تختلط فيه الغواية بنبرة الإنذار بإقفال «المزاد العلني»: غزة بخمسة مليارات دولار… على أونه، على دويه، على تريه… هل من يزيد؟! من قال ستة؟! لا أحد؟! مبروك! شيل!!
ما أرخص فلسطين على أهلها العرب..
كان الرؤساء ورؤساء الحكومات والوزراء والأمناء العامون للهيئات الدولية والصناديق الاستثمارية، إسلامية وبروتستانتية ويهودية وخلافه، يبذلون الوعود رخيصة، ويكرزون أرقام هباتهم ومساعداتهم وصدقاتهم وقروضهم الميسرة وتبرعاتهم السخية، في حفل نادر المثال، إذ ليس في كل يوم يباع «وطن» ما زال شعبه فيه… بل وثمة من «يمثله» في هذا «المزاد» فيفاخر بالحصيلة التي تجاوزت تقديراته!
ليست هي المرة الأولى التي تشهد فيها «بورصة» شرم الشيخ مناقصة دولية على فلسطين، كلها أو بعضها… بل لقد شهدت هذه المدينة التي من زبد والمستولدة حديثاً سلسلة من المناقصات الدولية التي شارك فيها بعض العرب كزبائن، والبعض كسماسرة، والبعض الآخر كشهود الزور، كانت كل منها تذهب ببعض من تلك الأرض المقدسة والقضية المقدسة، فلسطين، وحقوق أهلها فيها..
شرم الشيخ هي «مدينة السلام»، كما يطلق عليها أبطال صفقات بيع الأوطان بأوهام «السلطة» حيث الأرض والقرار والسلاح للمحتل والشعب (الأصلي) للمهانة والتحقير بتسخيره لبناء المستعمرات للذين سيرثونه (وأجداده) حياً، وهو ينظر إليهم بذل الانكسار!
في كل مؤتمر دولي يعقد في «استراحة شرم الشيخ» يتم «بيع» بعض فلسطين: مرة بميزانية للرئاسة، ومرة بتعزيز جهاز المخابرات (لصاحبه المخابرات المركزية الأميركية)، ومرة بالفتنة بين أهلها بسبب السلطة التي لا سلطة لها..
وهكذا تكتمل دائرة الخسارة: يصادر المحتل الأرض بعد طرد أهلها ليوطن فيها المستعمرين الجدد المستقدمين من أربع جهات الدنيا، وتنشق «السلطة» وتشتعل نيران المزايدة والمناقصة لتلتهم التراث النضالي لمنظمة التحرير الوطني الفلسطينية، وأجداث الشهداء الذين تساقطوا من أجلها على امتداد ستين بل سبعين بل ثمانين سنة أو أكثر… ثم لا يتبقى غير اليأس طريقاً للحرب الأهلية..
بعد ذلك، يرفع النخاسون أصواتهم بالقول: أرأيتم أن الفلسطينيين هم من ضيّعوا وطنهم وباعوا أرضهم واغتالوا القضية بانقساماتهم التي لا تنتهي؟!
ما أرخص فلسطين على أهلها العرب!
إذا كانت غزة، بكل مجد صمودها لحرب القتل الجماعي الإسرائيلية، تساوي خمسة مليارات من الدولارات، فهذا يعني أن فلسطين (التاريخية) لا تساوي (في سوق النخاسة الدولية المموهة بالكوفية والعقال) أكثر من خمسين ملياراً من الدولارات (أقل من خسارة مصرف واحد من المصارف الدولية التي انهارت مؤخراً، وأقل من حصيلة ما جناه النصاب الدولي مادوف بضربة واحدة)..
إذا كانت غزة المضرجة بدماء أهاليها، نسائها وشيوخها وأطفالها وأحلام شبابها في حياة تليق بإنسان يتحدر من صلب خمسة أو ستة أجداد من الشهداء لا تستحق (في السوق!!) إلا خمسة مليارات دولار، تدفع «عند التسليم»، وعلى أقساط، وبعدما تفحص نيات الناس فيها ويتم التثبت من حسن طويتهم، ضماناً «لعدم وقوع المال في الأيدي الخطأ» كما تتخوف السيدة هيلاري كلينتون… فما أرخص الدم العربي على أهله، إن كان عندهم دم!!
لكن لشعب فلسطين رأياً آخر في هذه المسرحية ـ الدرامية التي تم تمثيلها على خشبة ذلك الفندق الرئاسي في استراحة شرم الشيخ..
ورأيه هو ذلك الذي لا يتعب من تسجيله بدمه..
والحرب الإسرائيلية لن تكون آخر الحروب.
… وكذلك «الحرب» التي اتخذت سياقاً ذهبياً في شرم الشيخ.
من باب الذكرى التي تنفع المؤمنين، وليس من باب المقارنات الصادمة، نورد هنا بعض الأرقام ذات الدلالة:
÷ توقع تقرير لشركة «جدوى» الاستثمارية، ومقرها الرياض، أن تتراجع عائدات النفط في المملكة إلى 172 مليار دولار، أي ما يعادل 471,2 مليون دولار يومياً (رويترز، في كانون الأول 2008).
÷ في آب 2008 نقلت مجلة «بيزنيس» الإماراتية عن شركة «جدوى» أن دخل السعودية من النفط بلغ مليار دولار يومياً.
÷ وفي شباط 2009 نقلت صحيفة «عرب نيوز» السعودية عن تقرير ميغا تراندز ترجيحه أن تربح دول مجلس التعاون الخليجي، بحلول 2020، من عائدات النفط، ما يصل إلى 4,7 تريليونات دولار (إذا بقي سعر البرميل 50 دولاراً) ما يعني 2,5 أضعاف ما ادخرته هذه الدول خلال الأعوام الـ14 الماضية.
ومع التمني أن يفيض الخير على أهل الخير، فإن إيراد هذه الأرقام لا يقصد منه إلا التدليل على كمية الاحتقار التي تضمرها «الدول» للعرب، والتي لم تعد تتورع من أن تظهرها في حضورهم كما جرى في شرم الشيخ مرات عديدة آخرها، أمس الأول، الاثنين… وتحت عنوان «إعادة إعمار غزة»!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى