اسرائيلصفحات العالم

الفاتــح

ساطع نور الدين
كما دخل واشنطن دخول الفاتحين، خرج منها خروج المكللين بالنصر. كان اقوى من الرئيس الاميركي نفسه، وأهم من اي شخصية رسمية او سياسية اميركية. كان محط الانظار ومحور الهتافات. عومل خطابه المنتظر الذي دام نحو ساعة معاملة خطابات العرش في الممالك القديمة، او رسائل التبشير الالهي التي نزلت للتو من السماء. قوبل بالتصفيق وقوفا اكثر من مرة، ثم تسابق كبار الاميركيين الى مصافحته والتقاط الصور التذكارية معه، وابلاغه انهم يسيرون معه في السراء والضراء، ويضحون بأبنائهم وبناتهم من اجله ومن اجل المعجزة التي يمثلها ويحملها معه الى اميركا.
كان بنيامين نتنياهو ملكا متوجا على واشنطن. اختار بدقة مكان وزمان اطلالته المؤثرة على الاميركيين. استعاد براعته الخطابية المعروفة، لا سيما باللغة الانكليزية، التي كانت افصح من لغته الاصلية وأسهل في ايصال الرسالة المدوية، التي كان يريدها ان تبلغ مسامع مسؤولين لزموا منازلهم بانتظار ان يطرق بابهم ويكرمهم بتناول العشاء الى مائدتهم ويشرح لهم ما فاتهم من ذلك الخطاب الذي لا لبس فيه، عن القدس وعن البناء اليهودي المستمر فيها منذ ثلاثة آلاف عام، ويهددهم بقطع اليد التي تمتد الى هذه المدينة، سواء كانت فلسطينية او اميركية.
قام بزيارات تفقدية الى مسؤولين سبق ان تلاسن معهم او اهانهم علنا مثل نائب الرئيس جو بايدن ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ثم عرج على مبنى الكونغرس حيث استقبل بحفاوة وحرارة لا يمكن ان يحظى بهما في مبنى الكنيست نفسه، وهناك سمع ان اسرائيل هي فوق اي اعتبار اميركي آخر، وخارج الشرخ الحزبي العميق حاليا بين الديموقراطيين والجمهوريين بسبب قانون الرعاية الصحية.. هي في منزلة الهدية السماوية التي تلقاها الاميركيون في لحظة تاريخية حاسمة، والتي تستحق ان يشكروا الرب ليل نهار.
وقبل ان يتوجه الى البيت الابيض للقاء مسائي مغلق مع الرئيس الاسود باراك اوباما الذي يغامر برئاسته وبفرص فوزه بولاية ثانية جراء سؤاله الدائم عن طريقة فتح تلك الهدية السماوية واستخدامها، اعلن مجددا عن مشروع لبناء 20 وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية، على ارض فلسطينية لا جدال حولها، في موقع فندق شيبرد الشهير الذي يدرك الاميركيون قبل سواهم هويته ودلالته. ثم دخل على اوباما دخول المهيب لتناول عشاء ثنائي مغلق قاطعه بعض المستشارين مرة لكنهم تركوا للرجلين تصفية حساباتهما وتحديد الشروط التي يريد نتنياهو ان يمليها، والتي لا يمكن ان تبقى سرية.. وأهمها ان يخرس كبار ضباط الجيش الاميركي الذين انتقدوا علنا، للمرة الاولى، في تاريخ العلاقات بين الدولتين، صلف اسرائيل وتمردها وتهديدها الدائم للمصالح الاميركية الحيوية في العالمين العربي والاسلامي، وان يكتفوا بما يمكن ان يقدمه الاسرائيليون من مساعدة ملحة طلبتها كلينتون صراحة قبل يومين، في واحد من اغرب المواقف الاميركية وأشدها اثارة للذهول ازاء الدولة الاسرائيلية.
لم يعرف ما اذا كان نتنياهو سيقدم مثل هذه المساعدة، وما هو الشكل الذي يمكن ان تتخذه. المهم انه حافظ طوال ثلاثة ايام امضاها في واشنطن على عرشه الذي حقق فتحا جديدا.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى