صفحات العالم

القمة العربية .. تحديات القضايا الساخنة

خالد غزال
تنعقد القمة العربية في دورتها السنوية أواخر شهر مارس (آذار) في ليبيا، فيما تتفاعل في المنطقة العربية والشرق أوسطية قضايا ملتهبة، سواء ما يتصل منها بالعلاقات الدولية والإقليمية، أو بحراك البنى العربية الداخلية، وما تفرزه من اضطرابات في مجتمعاتها.
لعقود مضت، كانت القمم العربية مناسبة للتبصر بمشكلات المنطقة، وبالتحديات التي تواجهها والصراعات المنخرطة فيها، بحيث تشكل مناسبة لإيجاد حلول نسبية بين بعض الدول العربية، أو لتأمين حد من التضامن في مواجهة المخاطر التي تهدد المنطقة العربية. لم تعد هذه القاعدة سارية خلال القمم التي شهدتها السنوات الأخيرة، بمقدار ما كان بعضها مناسبة لتعميق الخلاف العربي – العربي، وازدياد حدة التوتر. تنتصب أمام القمة العربية المقبلة جملة تحديات، ليس مبالغة وصفها بالمصيرية بالنسبة إلى دول المنطقة وشعوبها، ما يطرح سؤالا بديهيا لدى المواطن العربي عن القدرة العربية في القمة على الوقوف بمسؤولية أمام هذه التحديات، وتعيين الحد الأدنى من التضامن في مواجهتها.
أول التحديات: يتصل بمستجدات الوضع الدولي المتعلق، وبالدور والموقع الأميركي في المنطقة، بعد عام على رئاسة باراك أوباما. انتظر العرب أن تقدم لهم الرئاسة الجديدة نمطا من التعاطي الأميركي مع دول المنطقة، يأخذ في الاعتبار بعض المصالح العربية، ويحد من الانحياز الأميركي الذي عرفه عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. بعد عام على هذه الرئاسة، تتكشف وعود الرئيس الأميركي عما يشبه الخواء، بل العجز عن إمكان تعديل في طبيعة العلاقة العربية الأميركية لصالح انخراط أميركي أكبر في إيجاد حلول لقضايا المنطقة، وخاصة ما يتصل منها بالصراع العربي الإسرائيلي، والوصول إلى تسوية. عاد المنطق الأميركي، ليؤكد القاعدة الثابتة في السياسة الأميركية، والقائمة على عنصرين أساسيين: الأول: تأمين المصالح الأميركية في المنطقة، وفي طليعتها الموارد النفطية وحراستها، ومنع التلاعب في إنتاجها وتسويقها. والثاني: حماية موقع إسرائيل، والحفاظ على تفوقها العسكري.
من المنطقي أن يشكل تبدد الأوهام التي رافقت مجيء الرئيس اوباما، إعادة نظر عربية تتجه الى استخدام مواقع القوة العربية في الضغط على السياسة الأميركية، لتعديل وجهة مسارها الراهن، والمنحاز إلى غير صالح العرب.
التحدي الثاني: يتصل بالصراع العربي الإسرائيلي، خصوصا في الشق المتعلق بالقضية الفلسطينية. تتصرف الحكومة الإسرائيلية انطلاقا من سياسة تنفي أي إمكانية تسوية مع الفلسطينيين تؤمن لهم الحد الأدنى من الحقوق. إضافة إلى إمعانها في سياسة مصادرة الأراضي، والاستمرار في الاستيطان داخل الأراضي الفلسطينية، وبالتوازي مع متابعة السياسة الإرهابية عبر الاغتيالات والاعتداءات المتكررة، فإن ما ينذر بمزيد من الأخطار، ما يتردد على لسان القادة الإسرائيليين من اتخاذ إجراءات تتناول اقتلاع الفلسطينيين المقيمين في الأراضي المحتلة، أي ما يعرف بفلسطينيي 1948، وتنظيم عملية ترانسفير جديدة، مستفيدة من السياسة الأميركية المتعاطفة والمؤيدة للكيان الصهيوني. يأتي ذلك كله فيما تهدد إسرائيل الدول العربية بشن حروب لتكريس سيطرتها، وزيادة حجم هيمنتها على المنطقة، وإلغاء أي أمل في الوصول إلى تسوية للصراع العربي الإسرائيلي.
التحدي الثالث: يتعلق بالموقع الإيراني و«الهجمة» الشرسة للتدخل في قضايا المنطقة، واتخاذ موقع في تقرير مصير النزاعات فيها. فبالإضافة إلى البرنامج النووي الإيراني الذي يشكل خطرا فعليا على دول المنطقة، فإن ايران تمارس منذ سنوات سياسة تتسم بنوع من «البلطجة» تجاه عدد من المواقع العربية. تسعى إيران إلى الاعتراف بموقعها الإقليمي، وبحقها أن يكون لها رأي في التسويات التي ترافق النزاعات.
لذا تتدخل في لبنان وسورية والساحة الفلسطينية واليمن والمملكة العربية السعودية والبحرين، وأخطر ما في تدخلها ذلك «اللعب» بالبنى الداخلية للمنطقة، عبر إثارة النزاعات الطائفية والاثنية، وتنظيم حروب أهلية، وتقديم المال والسلاح لقوى طائفية، أو مذهبية، بما يسمح بتفجير هذه البنى من الداخل. بل إن السياسة الإيرانية باتت صريحة في تقديم نفسها وسيطا لإيجاد حلول للنزاع في اليمن والساحة الفلسطينية، وتتصرف مع لبنان وحركة المقاومة فيه المتمثلة بحزب الله، بوصفه ساحة في خدمة مصالحها، وداعما لها عسكريا إذا ما تعرضت إيران إلى حرب أميركية أو إسرائيلية. وهي أمور يصعب على القمة العربية ألا تأخذ في الاعتبار هذه التدخلات الإيرانية في أوضاعها الداخلية، والمخاطر الناجمة عن هذا التدخل على الأمن السياسي والعسكري للمنطقة العربية.
التحدي الثالث يتناول الصراعات العربية – العربية، وما يرافقها من نزاعات أهلية محلية، تبدو أكثر من دولة عربية وسط حروب أهلية ساخنة، على غرار العراق واليمن والساحة الفلسطينية والسودان.. أو حروب أهلية باردة، كما هو الأمر في مصر ولبنان وغيرهما.. وذلك ناجم عن الانقسامات التي تضرب هذه البلدان وتؤدي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي، وتدخل البلاد في معمعة اضطرابات داخلية تمعن في تقسيم البلاد وإضعاف مناعتها، وجعلها نهبا للتدخلات الخارجية، بما يلغي موقعها المستقل أو قدرتها على التاثير في شؤون المنطقة.
التحدي الرابع: يتصل بقضايا التنمية المحلية، وضرورة التصدي لمعضلاتها. ليس خافيا أن المجتمعات العربية تقع في أسفل السلم الاجتماعي، على المستوى العالمي، في حجم البطالة وانعدام القدرة على تأمين الوظائف لملايين الشباب، وتسجل أعلى نسبة في مستوى الأميّة والتسرب من المدارس، وتحتل موقعا استثنائيا في حجم الفقر، والذين يعيشون تحت خط الفقر، وصولا إلى الحجم الهائل من الجائعين.. هذا إضافة إلى مشكلات الصحة والبيئة والتصحر وغيرها من المسائل التي تضع المنطقة العربية في مصاف أكثر الدول تخلفا. ينبع الاهتمام في مواجهة هذا التحدي، من كون القضايا المشار إليها تطول الملايين من المواطنين العرب المحبطين واليائسين والمهمشين، وهم جيش كبير تغرف منه اليوم الحركات الإرهابية والأصولية التي تقدم نفسها، بفكرها ومشاريعها، المنقذ لهذه الملايين من حالتها الراهنة، عبر انخراطها في تنظيماتها الساعية لقلب الأنظمة السائدة، وتسلم زمام الحكم فيها من قبل هذه التنظيمات. يصعب على أي حاكم عربي اليوم أن يتجاهل خطر الإرهاب الأصولي الذي يطرق باب كل مجتمع عربي من دون استثناء.
ما جرت الإشارة إليه لا يغطي كامل التحديات والمعضلات التي تواجه المنطقة. ما يأمله المواطن العربي أن تتصرف القمة بمسؤولية تجاه مخاطر هذه التحديات، وأن تشكل لها هما عندما يلتقي الملوك والرؤساء، وألا يدفن أحد رأسه في الرمال، كي لا يرى حجم العمل المطلوب منه.

كاتب من لبنان
أوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى