صفحات العالم

قمة صوتية

ساطع نور الدين
أهم ما ورد في حديث الرئيس بشار الأسد لقناة «المنار» مساء الاربعاء الماضي، هو ذلك التطابق في وجهة النظر السورية مع السعودية، لا سيما في ما يتعلق بالمبادرة العربية للسلام التي ظلت دمشق طوال الأعوام القليلة الماضية من الاشتباك بين البلدين تطالب بإلغائها أو سحبها عن الطاولة. يضاف الى ذلك كلام يكاد يكون مشتركا، وينم عن تفاهم ثنائي عميق وقديم، وغير ملحوظ بدقة في بيروت، حول الموقف من العراق وضرورة المحافظة على عروبته، وعدم بقاء العرب بعيدين عنه، وهو ما يفترض ضمناً استعادة التوازن العربي مع النفوذ الايراني المفرط في الشأن العراقي!
الموقف السوري من المبادرة العربية جديد، وهو موجه أساسا الى القمة العربية التي تفتتح اليوم في مدينة سرت الليبية، والتي يفترض أن تصوغ رسالة سياسية الى الأميركيين الذين يبدون الآن، أكثر من أي وقت مضى، استعدادا استثنائيا لكبح جماح الإسرائيليين وحكومة بنيامين نتنياهو المهووسة بالمضي قدما في واحدة من أخطر الحملات الهادفة الى تهويد القدس المحتلة وإنهاء المطالب العربية والفلسطينية الخاصة بها، سواء على الصعيد السياسي أو الديني.
واذا لم يقم الوفد الليبي المضيف بأي عمل استعراضي خلال قمة سرت اليوم، فإن النقاش حول المبادرة العربية لن يواجه أي مشكلة جدية، ولن يشهد أي مزايدة بالمقاومة أو الممانعة، التي يدرك الجميع جيدا أنها ليست قادرة بحالاتها وسلوكياتها الراهنة، على قلب موازين القوى مع العدو الاسرائيلي، ولا على الحد من مسار الهزيمة العربية والفلسطينية الشاملة.. برغم الظاهرة الصوتية الغريبة التي يقودها الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد، ويحرج فيها حلفاءه أكثر من خصومه، لا سيما عندما يمتنع عن كبس ذلك الزر اللعين الذي يمكن، حسب زعمه، أن يزيل دولة إسرائيل من الوجود، ويكتفي بدلا من ذلك بالتهديد والوعيد شبه اليومي بمحوها نهائيا عن الخريطة!
المؤكد أن تهديدات نجاد التي تكثفت خلال التحضير لقمة سرت لن يكون لها صدى في جدول الأعمال، ولن تساهم في تصنيف إيران شريكا جديا في إدارة الصراع العربي الاسرائيلي، كما كانت الحال في السنوات القليلة الماضية. ثمة معطيات جديدة أهمها السلوك الاسرائيلي الفظ الذي يحتاج الى ما هو أبعد وأعمق من الرهان على الحتمية التاريخية لزوال دولة اسرائيل، التي تواجه حاليا تحديا أميركيا وغربيا لم يسبق له مثيل، يختزل ذلك التباعد بين مصالح الأميركيين والغربيين عموما في العالمين العربي والإسلامي، ومصالح الاسرائيليين في الجغرافيا الفلسطينية. وهذه معطيات تفترض الكثير من الدهاء العربي بحيث لا تصدر أي كلمة، لا عن القمة ولا عن كواليسها، يمكن أن تنهي ذلك التباعد، كما تستدعي التركيز على كل ما يخدم السعي الأميركي والغربي الى احتواء تلك الظاهرة الإسرائيلية المتفلتة.. مهما كان هذا المسعى متواضعا!
لم يكن من المعيب، ولا من الجديد، أن تخصص قمة سرت اليوم لمؤازرة الرئيس الأميركي باراك أوباما. فإذا سقط تسقط معه بدلا من أن تسقط وحدها، وتكون مجرد ظاهرة صوتية تثير شماتة الرئيس الايراني!
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى