غوغل والحرب الباردة
ساطع نور الدين
هي ليست معركة وهمية او افتراضية، او مواجهة مستوحاة من كتب الخيال العلمي. ثمة ما يوحي بأن ما يدور حالياً بين شركة غوغل الأميركية وبين الحكومة الصينية هو احدى مقدمات الحرب الفعلية التي تستعد الدولتان الأقوى في العالم لخوضها في فترة لاحقة من هذا القرن، والتي ستمهد لحلول عصر الحروب البيضاء بين القوى الكبرى، التي ستتصارع على شبكات الإنترنت والاتصالات وغرف العمليات التكنولوجية من دون الحاجة الى الاشتباك بين الجيوش ومن دون الاضطرار الى التضحية بقطرة دم واحدة.
متابعة وقائع المعركة الحالية مثيرة للغاية، ولا يمكن لأحد ان يخطئ دلالاتها: الشركة الأميركية العملاقة التي تكاد تحتكر مجال المعلومات وتبادلها على الإنترنت، قالت قبل شهرين ان موقعها الصيني تعرض لهجمات وانتهاكات تحد من حريته ومن حرية المستخدمين، فتدخلت الحكومة الأميركية وعلى أعلى مستوى للدفاع عن الشركة وحقوقها المفترضة داخل الصين واتهمت السلطات الصينية بممارسة الرقابة والتنكر لتعهداتها بحماية الحقوق الفردية والخاصة، واتبعت تلك المرافعة بعبارة لا يزال صداها يتردد في مختلف انحاء العالم وهي ان شركات الإنترنت ليست «الذراع المسلح» للسياسة الخارجية الأميركية.
من جهتها نفت الحكومة الصينية الاتهام بشدة ورددت عبارة مدوية، وهي أن المواطنين الصينيين يتمتعون الآن بقدر من الحريات لم يسبق له مثيل منذ اكثر من خمسة آلاف عام من تاريخ الصين، واتهمت في المقابل الشركة الأميركية بانتهاك الخصوصيات الفردية والمس بمحرمات المجتمع الصيني، والتحول الى أداة سياسية، ثم مضت في اتهامها الى حد القول قبل ايام ان غوغل هي احد اجهزة وكالة الاستخبارات الاميركية، وهي تقوم بحفظ سجلات البحث الذي يجريه المستخدمون الصينيون لكي تقدمها في ما بعد الى عناصر الوكالة، وأشارت الى انها لا تريد شركة إنترنت مسيسة على اراضيها.
ونتيجة لذلك النزاع قررت الشركة امس الاول إقفال موقعها في بكين، والانتقال الى هونغ كونغ، التي بات على نحو اربعمئة مليون مستخدم صيني للإنترنت ان يمروا عبرها اذا كانوا يريدون الاستفادة من خدمات غوغل، التي تستند طبعاً الى المعايير السياسية والاجتماعية والثقافية الأميركية، والتي سبق أن واجهت مشكلات مماثلة في عدد من دول اوروبا الغربية، عندما قررت التقاط الصور الثلاثية الأبعاد للشوارع والمنازل وعندما وفرت على الشبكة معلومات لم يكن يمكن الحصول عليها من دون إذن قضائي.
ما بين غوغل والصين، أبعد وأخطر من أي مشكلة واجهها عالم الإنترنت: التنافس بين البلدين الجبارين لا يزال في اطواره الاولى، لكن يمضي في مسار صدامي حتمي، لن يتأخر عن النصف الثاني من القرن الحالي، عندما سيشهد العالم الاعلان عن حرب باردة جديدة، يمكن ان تدور رحاها على خطوط التماس بين حلفاء اميركا والصين، كما في الحرب البادرة الأميركية السوفياتية، كما يمكن ان تجري وقائعها بين اجهزة الكومبيوتر والرجال الآليين الذي يتقاتلون على اختراق شبكات العدو ووسائل اتصاله ومعارفه وتحطيمها وإجبارها على رفع الراية البيضاء..
السفير