الصين × غوغل: رُبّ ضارة نافعة
سعد محيو
مع مَنْ نقف: الصين أم غوغل؟ الخيار يبدو صعباً حقاً، خاصة بالنسبة إلى الشعوب العربية وبقية العالم الثالث، التي ترمق بعين الإعجاب نهضة الصين الكبرى وتمسكها بهويتها القومية، والتي تسعى في الوقت نفسه إلى الحصول على أكبر قدر من حرية الفكر والمعلومات .
لكن مثل هذا الخيار ليس مطلوباً في الواقع، ولا هو مُلّح أيضاً . فلا الصين هي الجنّة الموعودة، ولا غوغل هي الفردوس المفقود .
فالأولى لا يزال عليها أن تعبر نهر الروبيكون لتحويل حداثتها الاقتصادية إلى حداثة سياسية، عبر الدمقرطة والتعددية السياسية وسيادة القانون . والثانية لا يزال أمامها شوط كبير لتقطعه قبل أن تثبت بالفعل أنها ديمقراطية حقاً، كما تدّعي، أو ذاكرة العالم وبرلمانه كما تزعم .
وفي مثل هذه الأوضاع، يمكن لما بات يُسمى بمواطني الشبكة (Netizins) أن يعتبروا ما يجري صراعاً بين استبدادين اثنين كلاهما مرفوض: استبداد الدولة التي تريد أن تصادر حرية مواطنيها وتحدد لهم ما يجب أن يروا أو يسمعوا في الفضاء الأثيري، وبين استبداد الشركات الرأسمالية العملاقة التي تتحكم هي الأخرى (من دون أن ندري) بكل ما نقرأ ونشاهد وننصت على الإنترنت .
وبالمناسبة، كلا الاستبدادين كان على تحالف مكين وشهر عسل مزدهر حتى الأيام القليلة الماضية . فغوغل كانت سعيدة بأن تخضع نفسها إلى رقابة ذاتية على المعلومات في السوق الصيني، مقابل غرفها من منجم ذهب بلغ هذا العام أكثر من 120 مليون صيني مشترك في خدماتها . والدولة الصينية كانت أسعد وهي ترى هذا العملاق الإلكتروني يشتغل (عملياً) في خدمة أيديولوجيتها السلطوية .
لماذا انهار هذا التحالف؟
لا أحد يدري بعد . لكن المؤكد أن أخلاقيات الحرية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بقرار شركة غوغل نقل عملياتها من بكين إلى هونغ كونغ . إذ لو كان الأمر كذلك، لاستفاقت هذه الأخيرة منذ زمن بعيد على الحقيقة بأنها أبرمت من البداية صفقة فاوستية (من فاوست) مع الصين: روحها المعلوماتية مقابل رنين الذهب الصيني .
وعلى أي حال، الآن الحرب اندلعت بين الطرفين، وقد تتوسّع في وقت لاحق لتشمل شركات معلوماتية أمريكية أخرى مثل سوفت وير، وياهو، وبايدو، وأبل وغيرها . وكما في أي حرب، سيكون هناك رابحون وخاسرون .
لكن، ولأن الجميع يرقصون على إيقاع رأسمالي واحد، بعد أن انتقلت الصين من ديكتاتورية البروليتاريا إلى ديكتاتورية رأس المال، فإن مواطني الشبكة العالميين مرشحون ليكونوا الفائز الأكبر في هذه المجابهة التي ستكون سمة بارزة من سمات القرن الحادي والعشرين .
لماذا؟
لأن هذا الصدام سيكشف المدى الذي تُسيطر فيه احتكارات الدول والشركات الكبرى معاً على دفق المعلومات ونوعيتها في كل أنحاء العالم .
إنه الغسيل الوسخ، وقد بدأ حلفاء الأمس وخصوم اليوم ينشرونه على سطوح “القرية العالمية” التي خلقتها ثورة تكنولوجيا المعلومات .
وحين يتلمّس مواطنو الشبكة الإلكترونية أي شبكات اعتقال ينسجها لهم الطرفان، فهذا قد يدفعهم في لحظة ما إلى إعلان التمرد عليهما معاً، أو على الأقل إلى المطالبة بقواعد وقوانين جديدة في القرية العالمية، تضمن له في آن الحرية الذاتية والدقة الموضوعية .وهذه ضارة ستكون نافعة حقاً .
الخليج