صفحات العالم

«صنع في طهران» .. «صنع في دمشق»

عريب الرنتاوي
من يتأمّل المآلات التي انتهى إليها المشهدان العراقي واللبناني خلال العامين الفائتين ، يتلمس لمس اليد حجم الفشل الذي منيت به السياسة الأمريكية في المنطقة ، ومن يتفحص نتائج آخر انتخابات في البلدين المذكورين وما أعقبها من حراك ائتلافي وتداعيات سياسية ، يدرك تمام الإدراك ، أن الأنظمة التي أرادت واشنطن الإطاحة بها وعزلها ، هي ذاتها الأنظمة التي باتت تلعب دورا حاسما في تقرير وجهة الأحداث والتحكم باتجاه تعاقب التطورات.
تحت حماية مائة ألف عسكري أمريكي ، وبعد خسارة ما يقرب من الخمسة آلاف جندي وضابط منهم ، وبعد إنفاق عشرات المليارات من دولارات دافعي الضرائب الأمريكيين ، جرت الانتخابات العامة في العراق ، ودخلت الكيانات السياسية العراقية في مخاض عسير لتشكيل حكومة جديدة.
واللافت أن طهران ، وليست واشنطن ، ستتحول صبيحة اليوم التالي لإعلان النتائج ، إلى قبلة تؤمها كافة الكتل والكيانات السياسية العراقية ، بحثا عن الرضا والتبريك والمباركة ، حتى القائمة ـ الكيان التي احتسبت على خصوم طهران ، والتي فازت بالموقع الأول في الانتخابات (القائمة العراقية) ، لا تكف عن توجيه رسائل الطمأنة الواحدة تلو الآخر لإيران ، وتطلب صبح مساء ، علنا وعبر القنوات المعتادة ، تحديد موعد لزيارة وفد منها للبحث في تشكيل الحكومة والتفاوض على مطالب طهران وشروطها وهواجسها ومصالحها.
والخلاصة أن حرب واشنطن على العراق لم تنته إلى تقديم رأس صدام حسين ونظامه على طبق من فضة لإيران فحسب ، وللأسف بتواطؤ أو مشاركة من بعض منتقدي التمدد الإيراني من العرب المعتدلين هذه الأيام ، بل أن ما تبقى من قوات أمريكية في العراق لم تعد له من وظيفة سوى حماية قوافل الحجيج السياسي العراقي إلى العتبات الدينية والمقامات السياسية العليا في إيران؟،.
اما التطور الثاني ، ويتعلق بلبنان ، الذي ما أن أنجز انتخاباته العامة العام الفائت ، بعد سنوات خمس عجاف من استعداء سوريا وإخراج قواتها من لبنان عملا بمبدأ “محاسبة سوريا وتحرير لبنان” ، وإنفاذا لمنطوق القرارات الدولية التي انهمرت كالمطر الأسود على رأس سوريا وحلفائها في أعقاب اغتيال الحريري في شباط 2005 ، أقول ما أن أنجز انتخاباته حتى بدأت مسيرة الانعطاف شرقا وإعادة وصل ما انقطع من “علاقات خاصة ومتميزة” مع سوريا.
ومثلما كانت الانتخابات اللبنانية قد دشّنت قبل عام تقريبا موسم الحجيج اللبناني إلى دمشق ، فقد جاءت الانتخابات العراقية لتدشّن موسم “الحجيج العراقي إلى إيران” ، وليس صدفة أبدا أن تتزامن زيارات قادة الكيانات السياسية العراقية إلى إيران ، مع زيارة أنجزها وليد جنبلاط إلى دمشق ، بعد أن قطع شوطا طويلا على درب جلجلة الاعتذارات والشروحات والتبدلات في المواقع والمواقف ، وهي زيارة تعقب وتسبق زيارتين للحريري الابن لسوريا ، وكافة التقديرات تشير إلى أن من تبقى من أبطال مهرجانات الرابع عشر من آذار ، سيؤمّون دمشق في قادمات الأيام والأشهر.
لا حكومة وحدة وطنية في لبنان من دون المرور بدمشق ، ولا حكومة ائتلافية في العراق من دون المرور بطهران ، هذه هي خلاصة سياسة واشنطن وحصادها خلال السنوات السبع الفائتة ، إذ بدل إسقاط هذه الأنظمة وتغييرها وعزلها وإضعافها كما بشّر بذلك المحافظون الجدد وردد نبوءاتهم أصدقائهم في المنطقة ، ها هي أطراف “محور الشر” تلعب دورا إقليميا متزايدا ، وغالبا مقررا في بعض “الساحات” ، بمن فيها “الساحات” التي ألقت واشنطن بكل ثقلها فيها ، وجعلت منها بوابة للتغيير الكبير نحو الشرق الأوسط الكبير ، فهل ثمة فشل أوضح من هذا الفشل؟.
الدستور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى