بين عاصفتين
حسام عيتاني
نحن بين عاصفتين. بالكاد نجونا من حرب سنية – شيعية شاملة في العراق ولبنان ونستعد الآن لتغيرات ضخمة في المنطقة بأسرها. العناوين المطروحة لا تقف عند مستقبل المشروع النووي الإيراني وصيغة الحكم في العراق والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وسلاح «حزب الله».
تنطوي كل واحدة من العناوين أعلاه على احتمالات كالحة بالنسبة إلى الاستقرار في العالم العربي. لا يخفى أن الاستقرار بات مرادفاً في بلادنا لحال من الركود والتبلد القاتلين، لكن في المقابل، ومع تحرك العالم نحو تبني خطوات ملموسة ضد إيران وتفاقم المشكلات في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية على نحو قد تستغله حكومة بنيامين نتانياهو لتوجيه ضربات مفاجئة ضد أكثر من هدف، يتعين على القوى السياسية أن تبادر إلى حسم مواقفها واختيار المعسكرات التي ستقف فيها. الخيارات ليست مفتوحة ولا متعددة. «الفسطاطان» هما الجهتان الوحيدتان اللتان تستقبلان المنتسبين. وليس من إغراء في أي منهما لطامح إلى تقدم وحداثة واستقلال وتنمية تعود فوائدها على الشعوب العربية بأكثرياتها وأقلياتها.
حركة الاصطفافات، من زيارات قادة الكتل البرلمانية العراقية إلى طهران واستقبال الرئيس السوري بشار الأسد للنائب اللبناني وليد جنبلاط، تشي أن ما ستسفر عنه العاصفة المقبلة لن يكون سوى تكريس لوضع الإنقسام الطائفي والمذهبي الحاد في المنطقة، هذا إذا رغبنا في النأي عن شعارات «الهجمة الشرسة» و»المشروع الإمبريالي» و»المخطط الصهيوني». قد تحمل الكلمات هذه معاني واقعية وفعلية، لكنها في نهاية المطاف تكشف مشكلات المشاريع المقابلة.
المقاومة والممانعة، أي الشعاران اللذان يرفعهما حماة فسطاطنا العربي، لا يقولان شيئاً على صعيد العلاقات الداخلية. لا بين الدول العربية والإسلامية ولا بين شعوب الدول تلك وحكوماتها. فكرة الحوار مع ايران التي اقترحت اثناء القمة العربية الأخيرة تدخل في الباب هذا كسعي إلى علاج مشكلات الداخل بالهروب إلى الخارج. السؤال الأكثر إلحاحاً قد يبدو عن المانع في قيام حوار بين مصر والجزائر لتسوية خلاف استعرضت فيه كل النوازع الشوفينية عند الطرفين، قبل التوجه إلى إيران للتحاور معها من موقع الضعف والعجز.
والحال أن حصر المشكلة بعدو أجنبي غاشم والتعامي عن فوات مجتمعات وتخلف أنظمة، لم يفعل على امتداد أكثر من ستين سنة، أي منذ النكبة الفلسطينية، سوى زيادة شراسة الخارج وصلفه مقابل تفتت الداخل وتهاويه. ولم يتفتق ذكاء الممانعين والمقاومين الجدد (لأن قدامى المقاومين ابتكروا فكرة «ديموقراطية البنادق») سوى عن تبني أنماط من التفكير والسياسة والحكم تنحو شيئاً فشيئاً نحو خطاب وممارسة فاشيين طائفيين صريحين.
وعلى المعارض لخطاب وممارسة من الصنف المذكور تأكيد خضوعه التام لدواعي المقاومة والاستسلام الكامل لضرورات معركة لا يد له لا في مقدماتها ولا في نتائجها، وإلا طُرد خارج فسطاط الأهل والعشيرة والفرقة الناجية، وصار حكماً من العملاء والخونة والجواسيس الذين لا هم لهم سوى بيع أوطانهم في مزادات الاستكبار العالمي ومناقصاته العلنية والسرية. أما الخشية من الحروب الأهلية العربية، الطائفية والمذهبية والجهوية، فتتكفل في علاجها قيادات معصومة أو تسير حثيثاً على درب العصمة.
ما من سرّ في القول أن التغيرات الكبرى التي قد تشهد المنطقة طلائعها قبل نهاية السنة الحالية، تأتي والعرب غير جاهزين لاستقبالها والتعامل معها، وفي ذلك وفاء لنهج ومسار طويلين.
الحياة