المحكمة الخاصّة بلبنان: أين تخفق العدالة؟
* عمر نشابة
ترجمة: جورجيت فرشخ فرنجيّة
أين تُخفق العدالة؟ لا يتمحور هذا السؤالُ المحيِّرُ حول خيارٍ أخلاقيٍّ بين الصحّ والخطإ، بقدْرِ ما يتطرّق إلى مدى امتثال المحكمة الخاصّة بلبنان إلى “أعلى معايير العدالة الجنائيّة،” بحسب التعابير المستخدمة في الاتفاق الذي عُقد بين الأمم المتحدة والجمهوريّة اللبنانيّة لإنشاء تلك المحكمة. فهذا الاتفاق لم يقرَّه البرلمانُ اللبنانيُّ، بل فُرض وفقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة العاملة بموجب القرار 1757.
تُقسم هذه المحاضرة إلى ثلاثة أقسام. في القسم الأول تُحدَّد خلفيّةُ المحكمة، ويُوضع اغتيالُ رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري واللجوءُ إلى العدالة ضمن سياقهما التاريخيّ والقانونيّ. وفي القسم الثاني تُحلَّل العيوبُ الإجرائيّةُ والبنيويّةُ الرئيسةُ التي تنطوي عليها المحكمةُ المذكورة. أما في القسم الثالث فتُقترح الحلول.
1 ـ الخلفيّة
أ ـ فالنتاين المدمّر سنة 2005: في 14/2/2005، يوم عيد العشّاق، وفي تمام الساعة 12 و56 دقيقة، دوّى انفجارٌ كبيرٌ على ساحل بيروت، فأوْدى بحياة الحريري و22 شخصًا كانوا يرافقونه أو صدف وجودُهم في مكان الانفجار. وتسبّب الانفجارُ أيضًا بجرح 220 شخصًا، وألحق أضرارًا كبيرةً بأملاكٍ عامّةٍ وخاصّةٍ على شعاع 500 متر. ويشير تحليلُ الانفجار إلى أنّ شحنةً تزن 1800 كلغ من مادة الـ تي. أن. تي (أو ما يعادلها) فُجِّرتْ من داخل شاحنة ميتسوبيشي كانت على مقربةٍ من الموكب الذي كان يُقلّ الحريري من البرلمان في وسط بيروت إلى مسكنه في قريطم.
بين القتلى العديدُ من حرّاس الحريري الشخصيين، وصديقُه وزيرُ الاقتصاد الأسبق باسل فليحان،1 ومواطنون كانوا يتمشّوْن على طول الكورنيش، وعمّالٌ سوريون كانوا يعملون في ورشة بناءٍ قريبةٍ من المكان. وقد افترض فحصُ الحمض النوويّ، المأخوذ من ساحة الجريمة لاحقًا، أنّ الاغتيال ربّما نفّذه انتحاريٌّ شابّ.2
ب ـ لمحة عن حياة الحريري: شغل رفيق الحريري منصبَ رئاسة مجلس الوزراء بين عاميْ 1992 و1998، ومجدّدًا بين عاميْ 2000 و2004. كان مليارديرًا جَمَعَ ثروتَه في السعوديّة حيث أمضى أيضًا القسمَ الأكبرَ من حياته. في المراحل الأولى من حياته المهنيّة، ظهر علنًا وهو يعتمر الكوفيّةَ السعوديّةَ التقليديّة، وعُرِّف بأنه “الوسيطُ السعوديُّ في الأزمة اللبنانية.”3 في العام 1984، شارك في مؤتمرَيْ جنيف ولوزان من أجل تحقيق المصالحة السياسيّة في لبنان، وساعد على وضع مبادراتٍ تهدف إلى إنهاء الحرب الأهليّة.
سنة 1989 وَسَم اتفاقُ الطائف، الموقّعُ في السعوديّة، نهايةَ الحرب الأهليّة، وبدايةَ حقبةٍ سياسيّةٍ لبنانيّةٍ جديدةٍ خضعتْ للهيمنة السوريّة. سنة 1992، سمّى الرئيسُ إلياس الهراوي الحريري رئيسًا للوزراء على رأس حكومتيْن متتاليتيْن بعد الطائف. وفي لبنان، كما في الخارج، عُبِّر عن آمالٍ كبيرةٍ في قدرته على قيادة البلاد نحو حقبةٍ من السلام والازدهار. ولم يلبثْ أن أصبح خيارًا سوريّاً؛ “ويعود السببُ في ذلك جزئيّاً إلى ما يتمتّع به من ثقةٍ ومصداقيّةٍ لدى السعوديين، وإلى ثروته.”4
بنى الحريري شراكاتٍ وثيقةً مع شخصيّاتٍ سوريّةٍ واسعةِ النفوذ، مثل نائب الرئيس عبد الحليم خدّام، ورئيسِ الأركان السوريّ حكمت الشهابي، والعميد غازي كنعان الذي امتلك نفوذًا كبيرًا في السياسة اللبنانيّة. وأصبح الحريري أيضًا داعمًا وصديقًا حميمًا لجاك شيراك الذي انتُخب في ما بعد رئيسًا لفرنسا عام 1995، ومَنح الحريري سنة 1996 ميداليّة “الصليب الأكبر في جوقة الشرف” القيّمة، وشبّهه لاحقًا بشارل دوغول.http://tinyurl.com/yjmjmau ” href=”#footnote5_tboc63z”>5
بعد انقضاء بضعة أشهر على اغتيال الحريري، أُعلن أنّ العميد كنعان انتحر في مكتبه في وزارة الداخليّة في دمشق. وبعيْد ذلك، أُقيل خدّام من منصبه، فلجأ إلى فرنسا، وقام شيراك بـ “عرض فكرة إنشاء محكمة دوليّة، وهو يروّج لها منذ ذلك الحين.”6
ج ـ الاغتيال ضمن سياقه: ليست الاغتيالاتُ السياسيّةُ بجديدةٍ على لبنان. ففي سنة 1951، اغتيل رياض الصلح، أولُ رئيسٍ للوزراء بعد الاستقلال. وتبعتْ ذلك سلسلةٌ من الاغتيالات التي استهدفتْ سياسيين وصحافيين.7 ففي 14/9/1982 اغتيل الرئيسُ المنتخب بشير الجميل. وفي العام 1984، قُتل رئيسُ الجامعة الأميريكيّة في بيروت، مالكوم كير. ثم اغتيل رئيسُ الوزراء رشيد كرامي سنة 1987، واغتيل الرئيس رينيه معوّض في 22/11/1989. كما جرت محاولةُ اغتيال الرئيس الأسبق كميل شمعون سنة 1980، ومحاولةُ اغتيال رئيس الوزراء سليم الحصّ سنة 1984. واغتيل ايضًا العديدُ من القادة الدينيين،8 والديبلوماسيين الغربيين بمن فيهم سفيرٌ أميركيّ، كما قُتل ديبلوماسيون من فرنسا والعراق والأردن.
وتلت اغتيالَ الحريري أيضًا لائحةٌ طويلةٌ من الاغتيالات استهدفتْ عام 2005 شخصيّاتٍ لبنانيّةً كالنائب جبران تويْني، والأمين العامّ الأسبق للحزب الشيوعيّ جورج حاوي، والصحافيّ سمير قصير. واستهدفتْ سنةَ 2006 الوزير بيار الجميّل، والمقاوميْن ضدّ إسرائيل محمد ونضال المجذوب. وفي العام2007 اغتيل النائبان وليد عيدو وأنطوان غانم، والعميدُ في الجيش اللبنانيّ فرانسوا الحاج. واغتيل النقيبُ في فرع المعلومات وسام عيد سنة 2008.
إنّ لائحة الجرائم الطويلة هذه لا تجعل من اغتيال الحريري أقلَّ استحقاقًا للملاحقة القضائيّة وفق الأصول ولتطبيق العقاب العادل. ولكنْ ما من أسسٍ قانونيّةٍ أو أخلاقيّةٍ تبرِّر اللجوءَ إلى هذه الملاحقة في قضيّة الحريري، والامتناعَ عنها في القضايا التي سبقتْها وتلتْها.
د ـ الإفلات من العقاب في لبنان: بقي معظمُ الاغتيالات المذكورة أعلاه بلا عقابٍ، أو عفت عنه قوانينُ عفوٍ شامل. فالدستور اللبنانّي (المادة 53، الفقرة 9) يجيز للرئيس منحَ “عفوٍ خاصّ،” ويخوِّل الحكومةَ والبرلمانَ التصويتَ على قوانين العفو الشامل. ومنذ الاستقلال في العام 1943، أصدر جميعُ الرؤساء اللبنانيين وكلُّ مجالس الوزراء والمجالس النيابيّة تقريبًا العفوَ عن المئات، وربما الآلاف، من المجرمين المفترضين.9
لكنّ قانون العفو الذي أُقرّ في 18/7/2005 ذو صلةٍ أكبر بهذه الدراسة لأنه أُقرّ بعد انقضاء خمسةٍ أشهر لا أكثر على اغتيال الحريري، فأعفى أحدَ أمراء الحرب السابقين،10 وهو سمير جعجع، من خمسة أحكام مبْرمةٍ بحقه، علمًا أنّه حوكم وجُرِّم في دعوى اغتيال رئيس الوزراء رشيد كرامي سنة 1987.
لقد أُقرّ قانونُ العفو هذا بعد أن رَفعتْ بعثةٌ لتقصّي الحقائق، تابعةٌ للأمم المتحدة، تقريرًا إلى مجلس الأمن، جاء فيه أنّ المسؤولين اللبنانيين “ساهموا في ترويج ثقافة التخويف والإفلات من العقوبة.”11 وبعد خمسة أشهرٍ فقط من إقرار قانون العفو هذا بحوالى 100 صوت في البرلمان المنتخب حديثًا (أيّار/مايو 2005)، الذي كان يهيمن عليه حلفاءُ الحريري، طلبتْ حكومةُ رئيس الوزراء فؤاد السنيورة (التي نالت ثقة البرلمان) من مجلس الأمن “إنشاءَ محكمةٍ ذاتِ طابعٍ دوليّ… لمحاكمة الذين تَثْبت مسؤوليّتُهم عن الجريمة الإرهابيّة المرتكبة بحقّ رئيس الوزراء الحريري” و”التحقيق في محاولات الاغتيال والاغتيالات والتفجيرات التي وقعتْ في لبنان، بدءًا بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في 1/10/2004.”12 إذنْ، هذه الأكثريّة النيابيّة نفسُها التي أقرّت قانونَ العفو عن جريمة اغتيال رئيس وزراء (كرامي) دَعمتْ بشدّةٍ الطلبَ الموجّهَ إلى الأمم المتحدة للتحقيق والحكم في قضيّة اغتيال رئيس وزراء آخر (الحريري)!
إنّ أقلَّ ما يُقال هنا هو أنّ هذه المقاربة الانتقائيّة لتحقيق العدالة تتضارب مع المبادرات الهادفة إلى إنهاء حالات الإفلات من العقاب في لبنان. ومع ذلك، فقد أُنشئت المحكمةُ الخاصّةُ بلبنان على أساس وثيقةٍ تستعيد تحديدًا الطلبَ المذكورَ أعلاه.13 وقد أعلن الأمينُ العامّ بان كي مون يومَ إطلاق عمل المحكمة أنها “خطوةٌ مصيريّةٌ، وحدثٌ حاسمٌ، في الجهود الحثيثة التي يبذلها جميعُ اللبنانيين والأسْرةُ الدوليّةُ من أجل كشف الحقيقة ومحاكمة المسؤولين عن الاغتيال وعن الجرائم المرتبطة به ووضعِ حدٍّ للإفلات من العقاب.”14
هـ ـ من فيتزجيرالد إلى بلمار
i ـ لجنة تقصّي الحقائق برئاسة فيتزجيرالد: في 15/2/2005، أيْ بعد مرور يومٍ واحدٍ فقط على اغتيال الحريري، أبدى مجلسُ الأمن اهتمامًا استثنائيّاً بما يجري في لبنان، وطلب من الأمين العامّ “أن يتابع عن كثبٍ الحالةَ في لبنان، وأن يقدِّم على وجه السرعة تقريرًا عن الملابسات والأسباب التي أحاطت بهذا العمل الإرهابيّ وما يترتّب عليه من عواقب.”15 وعلى الأثر، أَرسل أمينُ عامّ الأمم المتحدة كوفي أنان إلى بيروت بعثةً لتقصّي الحقائق، فوصلتْ بعد عشرة أيّام، وهي برئاسة بيتر فيتزجيرالد، وهو نائبٌ مفوَّضٌ في الشرطة الإيرلنديّة. وفي أقلّ من شهرٍ واحد، التقت البعثةُ مسؤولين وسياسيين لبنانيين، من الحكومة والمعارضة في آن، ودَرستْ إجراءاتِ التحقيق، والإجراءاتِ القانونيّةَ اللبنانيّة، وعاينتْ مسرحَ الجريمة، وجَمعت الأدلّة، وقابلتْ شهودًا.
ولكنْ، على الرغم من أنّ تقريرَ البعثة نصّ على أنّ “ثمّة اتهاماتٍ واتهاماتٍ مضادّةً تتفشّى في الأجواء، وتسهم في تفاقم الاستقطاب السياسيّ الجاري،” فقد خلص إلى استنتاجٍ مفادُه أنّ “أجهزةَ الأمن اللبنانيّة والمخابرات العسكريّة السوريّة تتحمّل المسؤوليّة الرئيسيّة عن انعدام الأمن والحماية والقانون والنظام في لبنان.”16 وجاء هذا الاستنتاجُ بعد أقلّ من شهرٍ واحدٍ من التحقيقات، أجراه فريقٌ مؤلّفٌ من ثلاثة أجانب يمْلكون معلوماتٍ محدودةً عن لبنان.
ii ـ لجنة التحقيق الدوليّة المستقلّة شرطًا لإنشاء المحكمة: في 7/4/2005، أقرّ مجلسُ الأمن القرار 1595 الذي قضى بإنشاء لجنة تحقيقٍ دوليّةٍ مستقلّةٍ كي تساعد الحكومةَ اللبنانيّةَ على إجراء التحقيق في العمل الإرهابيّ المرتكب في 14/2/2005، ولتساعدَ في تحديد هويّة “مرتكبيه ومموِّليه ومنظِّميه وشركائهم.”17 ونصّ قرارُ مجلس الأمن رقم 1757 على ما يلي: “تبدأ المحكمةُ الخاصّةُ عملَها… مع مراعاة التقدّم المحْرَز في أعمال لجنة التحقيق الدوليّة المستقلّة.”18 كما نصّ على أنْ تتلقّى هذه المحكمةُ الأدلّةَ التي تجمعها لجنةُ التحقيق الدوليّة، “وتقرِّر دوائرُ المحكمة مقبوليّةَ هذه الأدلّة عملاً بالمعايير الدوليّة المتعلّقة بجمع الأدلّة. ويعود لدوائر المحكمة تقييمُ أهميّة هذه الأدلّة.”19
iii ـ ميليس، الثعلب الألمانيّ: عُيِّن مدّعي عامّ برلين، ديتليف ميليس، الملقّب بـ “الثعلب الألمانيّ،” رئيسًا للجنة. وفي 20/10/2005، تلقّى مجلسُ الأمن أولَ تقريرٍ له، وفيه خلصت اللجنةُ إلى أنّ ثمة أدلّةً تتقارب وتشير إلى ضلوعٍ لبنانيٍّ وسوريٍّ في هذا العمل الإرهابيّ.20 إلاّ أن الأدلّةَ لم تكن كافيةً لدعم توجيه اتهامٍ إلى مسؤولين سوريين أو إلى أيٍّ آخر في اغتيال الحريري. ومع ذلك فقد جاء كلامُ ميليس مغايرًا:21 فقد أوصى بتوقيف ثمانية لبنانيين، بقي أربعةٌ منهم خلف القضبان لمدة أربع سنوات تقريبًا، لتطلق المحكمةُ سراحَهم لاحقًا.
iv ـ برامريتس الملتزم بالأصول: في 15/10/2005، قدّم ميليس استقالته.22 وفي 11/1/2006، حلّ محلَّه سيرج برامريتس. على عكس ميليس، أحجم المفوَّضُ الجديدُ (وهو محقّقٌ بلجيكيّ) عن الإعلان عن تفاصيل عمله، وحافظ على مستوًى عالٍ من المهنيّة. ولم يؤتَ على ذكر شهادات شهودٍ تشير إلى ضلوع مسؤولين لبنانيين أو سوريين (أو إلى أيّ دليلٍ آخر على تآمرهم)، ولا كُرِّر استنتاجُ ميليس الذي يقول بضلوعٍ سوريٍّ في اغتيال الحريري.
مع برامريتس، توسّعتْ صلاحيّةُ23 اللجنة، التي رَفعتْ ستةَ تقارير إلى مجلس الأمن. وقد أشار المفوّضُ إلى أنّ التحقيق لا يكتسي معنًى إلاّ إذا أدّى إلى عمليّةٍ قضائيّةٍ وأُحيل على محكمةٍ خاصّة. ولكنْ بعد سنتين من التحقيقات الجنائيّة، بقيت الأدلّةُ المجمَّعةُ غيرَ كافيةٍ لإصدار اتهامات. وظهرتْ إشارةٌ مهمّةٌ نادرةٌ إلى إحراز تقدّم في التحقيق، وذلك في تقريره الثالث الذي أكّد فيه نظريّةَ تفجير انتحاريّ بهدف اغتيال الحريري.24
v ـ تحوّلُ بلمار المحيِّر: استقال برامريتس في 1/1/2008، وحلّ محلَّه دانييل بلمار. فعيّنه الأمينُ العامّ للأمم المتحدة، بان كي مون،25 مفوّضًا، ليتحوّل إلى “مدّعي عامّ المحكمة الخاصّة” لدى انطلاق عملها. وقد أوضح بلمار، بوصفه مفوّضَ لجنة التحقيق الدوليّة، أنّ التحقيق لم يقتربْ من نهايته. كما صرّح في مؤتمرٍ صحافيّ عُقد في نيسان/أبريل 2008 :”لا أستطيع أن أقول لكم إنّ النتائج سوف تكون معي في هذا الموعد من السنة المقبلة أو بعد ستة أشهرٍ أو ثلاثة.”26 ولم يتغيّرْ موقفُه هذا اليوم كمدّع عامّ. وفي خلال زيارةٍ أخيرةٍ قام بها إلى بيروت،27 كرّر حرفيّاً: “لا أستطيع تحديدَ موعدٍ زمنيّ لتوجيه اتهام.”28
غير أنه من البديهيّ القولُ إنه يُفترض بالمدّعي العام أن يدّعي فعلاً. فإذا كان ما يزال يقوم بعمل لجنة التحقيق التي انتهت صلاحيّتُها في 28/2/2009، فسيكونُ إطلاقُ عمل المحكمة الخاصّة بلبنان في آذار/مارس من دون معنًى، على ما يبدو.
vi ـ المحكمة الخاصّة جدّاً بلبنان: في 29/3/2006، أقرّ مجلسُ الأمن بالإجماع القرار 1664 الذي أنشأ محكمةً دوليّة. وطلب إلى الأمين العامّ كوفي أنان أن يتفاوض مع حكومة لبنان على اتفاقٍ يرمي “إلى إنشاء محكمةٍ ذات طابعٍ دوليّ، استنادًا إلى أعلى المعايير الدوليّة في مجال العدل الجنائيّ.”29 وفي 6/2/2007، وقّعت الأممُ المتحدة وحكومةُ السنيورة، التي وصفها رئيسُ مجلس النواب نبيه برّي بأنّها غيرُ دستورية، اتفاقًا ينشئ محكمةً خاصةً بلبنان. ولكنْ بعد أربعة أشهر من التوتّرات السياسيّة الداخليّة، لم يتمّ التوصّلُ إلى تفاهمٍ بين القوى البرلمانيّة حول الاتفاق الموقّع في 6/2، ولم يتمكّن البرلمانُ من الانعقاد. فقرّرت الولاياتُ المتحدة وفرنسا وبريطانيا أن تتجاهلَ الدستورَ اللبنانيّ، من خلال الأخذ بهذا الاتفاق من دون تصويت البرلمان. والحقّ أنه لا يمْكن إقرارُ انتهاك مجلس الأمن لسيادة عضوٍ مؤسِّسٍ إلاّ بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
vii ـ الصلاحيّة الضيّقة: ما يزيد من خصوصيّة هذه المحكمة هو صلاحيّتُها، إذ إنّها أضيقُ من صلاحيّة أيّ محكمةٍ دوليّةٍ بأشواطٍ بعيدة. فلا يَدْخل ضمن اختصاصها النظرُ في انتهاكاتٍ خطيرةٍ لحقوق الإنسان ارتُكبتْ في لبنان في السنوات أو العقود الأخيرة. وهو ما يعني، ضمنيّاً، أنّ العدالةَ التي يُروَّج لها عدالةٌ انتقائيّةٌ سياسيّاً إلى حدٍّ كبيرٍ وفاضحٍ إلى درجةِ أنها قد تساهم في تفاقم الخلافات بين اللبنانيين.
لقد حُصرتْ صلاحيّةُ30 هذه المحكمة بالتحقيق مع المسؤولين المفترضين عن اغتيال الحريري و22 شخصًا آخرين، ثم مقاضاتهم. كما أنّ لها اختصاصًا في اغتيالاتٍ ومحاولاتِ اغتيالٍ أخرى ارتُكبتْ بين 1/10/2004 و12/12/2005،31 فقط إذا اعتبرتْها المحكمةُ الخاصةُ بلبنان متلازمةً32 مع اغتيال الحريري أو من الطبيعة والخطورة نفسيْهما.
II. أين تخفق العدالة؟
أ ـ دلائل نادرة على الحياة: وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 1757، فإنّ المحكمة الخاصّة بلبنان “تبدأ عملَها في تاريخٍ يحدّده الأمينُ العامّ بالتشاور مع الحكومة اللبنانيّة، مع مراعاة التقدم المحْرَز في أعمال لجنة التحقيق الدوليّة المستقلة.” ولذا فقد حُدِّد التاريخ، وهو 1/3/2009. ونظرًا إلى معنى ما ورد أعلاه، فإنه يُفترض أن تكون ملفّاتُ التحقيق التي يمتلكها مكتبُ المدّعي العامّ قد اكتملتْ إلى حدٍّ يكفي للسماح بتوجيه الاتهامات، أو على الأقلّ لاتخاذ إجراءات الاتّهامات المسبّقة؛ وقد تتضمّن مثلُ هذه الإجراءات توقيفَ أشخاص قبل المحاكمة لمدة 90 يومًا كحدٍّ أقصى33 قبل إصدار الاتهامات.
لكنْ حتى اليوم، أيْ بعد انقضاء عامٍ تقريبًا على إطلاق عمل المحكمة في لاهاي، فشل مكتبُ بلمار في رفع أيّة اتهاماتٍ إلى قاضي الإجراءات التمهيديّة دانييل فرانسين، ولم يقدِّم أدلّةً موثوقةً قادرةً على الصمود أمام فريق العمل الكفوء التابع لرئيس قسم الدفاع فرانسوا رو. ليس هذا وحسب، وإنما هو الآن في مرحلة تعيين رئيسٍٍ جديدٍ لقسم التحقيق بعد عودة نجيب كالداس إلى مسقط رأسه الأستراليّ. بل إنّ بلمار “عبّر عن أسفه” لأنّ كالداس “لن يكون قادرًا على تمديد عقده لمدة إضافيّة،” أيْ بعد شباط/فبراير 2010. والحال أنّ استخدام مدير قسم تحقيق في قضيّة جريمة اغتيالٍ لسنةٍ واحدةٍ فقط أمرٌ يدعو إلى التساؤل، نظرًا، خصوصًا، إلى أهميّة الاستمرار ومدى تعقيد القضيّة والقيود الزمنيّة. وفي 6/1/2010، أشار بلمار إلى تأخيراتٍ إضافيّةٍ في استخدام مديرٍ جديدٍ لقسم التحقيق عندما قال: “سوف أبادر قريبًا إلى اختيار مديرٍ جديدٍ لقسم التحقيق يحلّ محلّ السيد كالداس.”34 إنّ المبادرة مباشرةً (بدلاً من استخدام لفظة “قريبًا” الغامضة) إلى تحديد البديل تبدو ضروريّةً بسبب فشل مكتب المدّعي العامّ في توجيه اتهاماتٍ بعد أكثر من سنةٍ كاملةٍ من التحقيقات، سبقتْها أربعُ سنوات من التحقيقات التي أجرتها لجنةُ التحقيق الدوليّة والسلطةُ القضائيّة اللبنانيّة.
وما قد يؤشّر أيضًا إلى عمليّاتٍ غيرِ ملائمة، ومعوِّقةٍ، هو أنّ القاضية اللبنانيّة، جويس تابت، لم تباشرْ مهامّها نائبةً لمدّعي عامّ المحكمة قبل 1/11/2009،35 أيْ بعد ثمانية أشهر من الانطلاق الرسميّ لعمل المحكمة. وبالتالي فإنّ عملها مع رئيس قسم التحقيق لا يتجاوز ثلاثة شهور. وكان يُفترض بدوْر تابت أن يكون محوريّاً وفق الاتفاق الملحق بالقرار 1757،36 وبالغَ الأهميّة أثناء غياب بلمار في شهريْ تمّوز/يوليو وآب/أغسطس لأسبابٍ طبّيّة،37 ولكنها لم تكن قد باشرتْ مهامَّها بعد لأسبابٍ مجهولة.
ويظهر أنّ بلمار أدرك أنّ القلق بدأ يسود ممّا قد يبدو أنه مأزقٌ بلغه التحقيقُ، فأعلن في 8 تموز/يوليو أنه يتجه “ليس فقط للإبقاء على [هذا] الزخم بل رفع وتيرة سير التحقيق أثناء فترة غيابه”38 ـ وهو أمرٌ غيرُ محتملٍ بتاتًا.
كان الدليلُ الوحيدُ على حياة المحكمة الخاصّة بلبنان، عدا التقارير البيروقراطيّة والزيارات المتكرّرة لمسؤوليها إلى بيروت، جلسةَ استماعٍ عقدها قاضي الإجراءات التمهيديّة وأصدر فيها أمرًا يقضي بإطلاق سراح أربعة ضبّاط أوقفتهم السلطاتُ القضائيّةُ اللبنانيّة واحتجزتْهم لمدةٍ قاربتْ أربع سنوات، بناءً على توصيةٍ كان قد أصدرها ميليس سنة 2005. وبذلك تشير المحكمةُ بوضوحٍ إلى أنّ احتجازَهم، مع أربعة مدنيين لمدة جاوزتْ ثلاثَ سنوات، كان تعسفيّاً.39 ومع ذلك، فإنّ قانونَ المحكمة لا يجيز لها ملاحقةَ المسؤولين عن الاعتقال التعسّفيّ. ومن المهمّ أن يُذكر هنا أنّ المعلومات المقدّمة (إلى لجنة التحقيق الدوليّة والسلطة القضائيّة اللبنانيّة في قضية الأشخاص المعتقلين لأكثر من ثلاث سنوات) لم تكن كافيةً،40 على حدّ قول قاضي الإجراءات التمهيديّة دانييل فرانسين نفسِه. وبالتالي فإنّ النظام القضائيّ، موضعَ الكلام، يشكو من عيوبٍ واضحة. غير أنّ هذه العيوب ليست هي التي تولِّد الشكَّ، بل عجزُ مكتب المدّعي العام عن إظهار أيّ دليلٍ على التقدّم.
صحيحٌ أنّ هذا البحث لا يقوم بمقاربةٍ مقارِنة، لكنْ من المفيد الإشارةُ، في هذا السياق، إلى أنّ المحكمة الجنائيّة الدوليّة الخاصّة بيوغوسلافيا السابقة وَجّهتْ أوّلَ اتهامٍ لها بعد أربعة أشهر فقط من تعيين المدّعي العامّ: فقد عُيِّن ريتشارد غولدستون في 8/7/1994، ووجّه اتهامًا ضد دراغن نيكوليك41 في 7/11/1994.
ب ـ عدالة انتقائيّة: لا يزال أصدقاءُ رئيس الوزراء السابق رشيد كرامي، الذي اغتيل سنة 1987، وأفرادُ أسرته محرومين من العدالة. ومع أنهم رفعوا دعوى أمام المجلس العدليّ اللبنانيّ (وكان بين قضاته رالف رياشي الذي شغل مؤخّرًا منصبَ نائب رئيس المحكمة الخاصّة بلبنان)، ومع أنّ القاتل أُدين، فإنه سرعان ما عُفي عنه كما ذُكر آنفًا.
إنّ الاتفاق الموقّع بين الأمم المتحدة والجمهوريّة اللبنانيّة حول إنشاء محكمةٍ خاصّةٍ بلبنان يتضمّن تعهّدًا لبنانيّاً بـ”عدم إصدار عفوٍ عامٍّ بحقّ أيّ شخص يرتكب أيَّ جريمةٍ تدْخل ضمن اختصاص المحكمة الخاصة.”42 ويعني ذلك ضمنيّاً أنّ الأشخاص الذين يُدانون باغتيال أو بمحاولة اغتيال أيٍّ من السياسيين والصحافيين قبل 14/2/2005 أو بعده، كما هي الحال بالنسبة إلى قضيّة كرامي، يحقّ لهم العفوُ إذا لم يُثبَت أنّ الجريمة التي ارتكبوها ملازمةٌ لاغتيال الحريري.43
من 12/7 إلى 14/8/2006، شهد لبنانُ موجةً من العنف الشديد. فقد انهالت قذائفُ الجيش الإسرائيليّ على المساكن والمستشفيات، ودُفن المئاتُ تحت ركام الأبنية. وأحصى المجلسُ اللبنانيّ الأعلى للإغاثة مقتلَ 1191 لبنانيّاً، فيما قُدّر عددُ الجرحى اللبنانيين بـ 4409، 15% أُصيبوا بإعاقة دائمة.44 قد يقول قائل إنه لا تُمْكن مقارنةُ تفجير موكب الحريري بعمليّات قصفٍ نفّذتْها قواتٌ مسلّحة، غير أنّ حق الضحايا في العدالة هو القضيّةُ المثارةُ هنا.
على عكس ردّ الفعل المباشر على قتل الحريري و22 آخرين في 14/2/2005، عبّر مجلسُ الأمن عن “عميق قلقه إزاء الإصابات في صفوف المدنيين اللبنانيين والإسرائيليين،”45 وذلك بعد 15 يومًا من الصمت حيال عمليّات القتل المتواصلة صيفَ 2006. لكنْ لم يُطلَب من الأمين العامّ “أن يتابعَ عن كثبٍ الحالةَ في لبنان وأن يقدِّم على وجه السرعة تقريرًا عن الملابسات والأسباب وما يترتّب عليها من عواقب،” كما كانت الحال في 15/2/2005. ومجلس الأمن، الذي دان من دون أيّ لبسٍ التفجيرَ الذي أودى بحياة الحريري و22 آخرين، لم يعبِّرْ عن إدانةٍ مماثلةٍ لعمليّات القصف التي أودت بحياة 1191 شخصًا. كما أنّ “عميقَ تعاطفه وتعازيه للبنان شعبًا وحكومةً” أدّى إلى إطلاق محكمةٍ خاصّةٍ تُحصَر صلاحيّتُها باغتيال الحريري (وهو اغتيالٌ وصفه مجلسُ الأمن بأنه عملٌ إرهابيّ)، ولكنّ التعاطفَ مع ضحايا المجازر الإسرائيليّة الـ 1191 لم يلتفتْ إلى أيّ آليّةٍ قضائيّةٍ دوليّةٍ مخوّلةٍ مقاضاةَ المسؤولين عنها. وبعد أكثر من ثلاث سنوات، لا تزال عائلاتُ هؤلاء الضحايا محرومةً من حقّ اللجوء إلى العدالة، وما من إشارةٍ توحي بأنّ هذا الوضع سيتغيّر قريبًا.
ج ـ كلفة المحكمة الباهظة: حدّد القرار 1757 مساهمةَ الحكومة اللبنانيّة في المحكمة بنسبة 49 بالمئة من ميزانيّة هذه المحكمة.46 وأشار تقريرُ أمين عامّ الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن، منذ سنة، إلى “ميزانيّة المحكمة الخاصّة، ومقدارُها 51,4 مليون دولار للسنة الأولى من عملها.”47 يُذكر أنّ مجموعَ موازنة وزارة العدل في لبنان للعام 2009، وهو يمثّل أقلّ من واحد بالمئة من كامل موازنة الحكومة،48 يساوي 55.8 مليون دولار أميركيّ.49 وقد خَصّصت الموازنةُ الوطنيّةُ للسنة نفسها مبلغَ 72 مليون دولار أميركيّ ليشكّل مساهمةَ لبنان في المحكمة الخاصّة به لمدة سنتين.50
إنّ مجلس الأمن يُلزم لبنانَ بالمساهمة في تلك المحكمة بمبلغٍ يفوق ما تنفقه الحكومةُ اللبنانيّةُ على آلاف الدعاوى القضائيّة بحوالى 30 مليون دولار. وعلى الرغم من ذلك، لم تلتئمْ بعدُ دوائرُ المحكمة الخاصّة بلبنان، ولا أُجريتْ توقيفاتٌ، ولا وُجّهت اتهاماتٌ، وما من معتقَل.
أقلّ ما يقال إنّ الاستثمار اللبنانيّ في ملاحقة قضيّة اغتيال الحريري والهجومات المتلازمة غيرُ متناسقٍ مع النظام القضائيّ القائم، وذلك نظرًا إلى العدد الهائل من جرائم القتل الأخرى والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي لم تُلاحَق.
د ـ السيادة المُنكَرة: الفصل السابع. وافق مجلسُ الوزراء على مسوّدة الاتفاق الموقّع بين الأمم المتحدة ولبنان، والمتعلق بإنشاء المحكمة، في 13/11/2006. غير أنّ قرار مجلس الوزراء اتُخذ بغياب ستة وزراء مستقيلين، مثّل خمسةٌ منهم كاملَ عدد الوزراء المسلمين الشيعة. ولمّا كانت الفقرة ياء من مقدّمة الدستور اللبنانيّ تنصّ على أنْ “لا شرعيّة لأيّ سلطةٍ تناقض ميثاقَ العيش المشترك،” فذلك يعني أنّ مجلسَ الوزراء، كما إقراره مسوّدةَ الاتفاق المذكور، غيرُ دستورييْن. ولذا لم يصادق البرلمانُ اللبنانيّ على هذا الاتفاق، ولا وقّع عليه رئيسُ الجمهورية.
في 30/5/2007، تجاوز مجلسُ الأمن الدستورَ اللبنانيّ من خلال إقراره القرارَ رقم 1757 لفرض تنفيذ اتفاق إنشاء المحكمة. غير أنّ تطبيقَ تدابير القمع، المنصوصِ عليها في الفصل السابع (المادة 2، الفقرة 7)، التي تسمح باستثناءٍ لمبدإ السيادة الوطنيّة (ميثاق الأمم المتحدة، المادة 2، الفقرة 1) يَفترض مسبّقًا وجودَ نزاع دوليّ يهدّد السلمَ والأمنَ العالمييْن، في حين أنّ القرار 1757 لم يَذكرْ أيَّ نزاعٍ من هذا النوع. بل لو نشأ نزاعٌ فعلاً، فإنه يُفترض بمجلس الأمن أن يعتمد قرارًا تحت الفصل السابع بعد أن يفشلَ في تسوية النزاع تحت الفصل السادس.51
لم يصوّتْ ثلثُ أعضاء مجلس الأمن، بمن فيهم عضوان دائمان، لصالح القرار 1757. ناصر عبد العزيز الناصر، ممثّلُ قطر، التي كانت حينذاك الدولةَ العربيّةَ الوحيدةَ في المجلس، عبّر عن دعم بلاده للعمليّة الدستوريّة اللبنانيّة الداخليّة، وشدّد على أنّ القرار الذي يتضمّن قانونَ المحكمة “ينطوي على تجاوزات قانونيّة.”52 وحسن كليب، ممثّلُ إندونيسيا، ذكّر المجلس بأنّ “المادة 2 (الفقرة 7) من ميثاق الأمم المتحدة تنصّ على أنه ليس في هذا الميثاق ما يسوِّغ للأمم المتحدة أن تتدخّل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخليّ لدولةٍ ما.” واعتبر دوميزانو كومالو، من إفريقيا الجنوبيّة، أنه لا يلائم المجلسَ تجاهلُ الإجراءات المحليّة من خلال فرض محكمةٍ على لبنان. كذلك اعترض ممثّلُ الصين، وانغ غوانغيا، على التدخّل في الشؤون الداخليّة اللبنانية. كما عَدّ فيتالي تشركن، ممثّلُ روسيا، أنّ “الترتيبات تحوم حولها الشبهاتُ من وجهة نظر القانون الدوليّ.”53
هـ ـ اختيار القضاة وفريق العمل في المحكمة: تضمّ المحكمةُ المذكورة 11 قاضيًا، أربعة من لبنان وسبعة دوليين، يستُخدمون وفقًا لتوصيةٍ من فريقِ اختيارٍ يعّينه الأمينُ العامّ. وقد أجرى فريقُ الاختيار مقابلاتٍ مع مرشّحين دوليين، وأقرّ الأمينُ العامّ توصياتِهم في 4/12/2008. أما المرشّحون اللبنانيون، فقد اختارهم المجلسُ الأعلى للقضاء اللبنانيّ.
إنّ مشكلة اختيار القضاة اللبنانيين والدوليين هي في عدم تضمّن قانون المحكمة معاييرَ مفصّلةً للتعيينات، مثل الحاجة إلى الخبرة في مجال حقوق الإنسان العالميّة والقانون الجنائيّ؛ وفريقُ الاختيار الذي عيّنته الأممُ المتحدة لم يراجعْ سجلاّتِ المرشّحين قبل تقديم التوصيات!
في 9/11/2009 سُميّ سعد الحريري، ابنُ رفيق الحريري، رئيسًا للوزراء. وهو يترأّس الآن مجلسَ الوزراء الذي يُفترض به، وفقًا للقرار 1757،54 أن يُستشار بشأن تعيين قضاة المحكمة الخاصّة بلبنان بعد انتهاء مدة عقودهم التي تبلغ ثلاث سنوات في آذار/مارس 2011. بتعابير أخرى، سوف يُستشار ابنُ الضحيّة في شأن إعادة تعيين القضاة؛ وهذا ما يمثّل تضاربًا في المصالح قد يُضْعف من صدقيّة دوائر المحكمة.
بعيْد إطلاق المحكمة سنة 2009، عُيّن دريد بشراوي المدّعي العامّ في المحكمة المذكورة. ويُعرف عن بشراوي أنه وَجّه اتهاماتٍ علنيّةً إلى مسؤولين سوريين باغتيال الحريري. ففي مقالة نُشرتْ في صحيفة النهار في 27/12/2007، عبّر عن “التخوّف من إمكان طمس حقيقة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، فيما لو تمكّنتْ بعضُ الدول المهيمنة على قرارات مجلس الأمن من عقد صفقةٍ سياسيّةٍ ما مع النظام السوريّ على حساب المحكمة الجزائيّة الدوليّة الخاصّة بلبنان.” ويعني هذا الكلام أنّ بشراوي كان مقتنعًا بالضلوع السوريّ في الاغتيال. ومثلُ هذه التعبيرات عن التحيّز يُفقد مُطْلقَها أهليّةَ الترشّح إلى منصب المستشار القانونيّ لمكتب المدّعي العامّ عادةً. لكنْ لم تكن هذه هي الحال على ما يبدو.
في منتصف كانون الأول/ديسمبر 2008 أُعلن أنّ المحكمة الخاصّة بلبنان عَيّنتْ أيضًا نجيب كالداس مديرًا لقسم التحقيق في مكتب المدّعي العامّ. حينها كان كالداس يخضع لتحقيقٍ في وطنه الأم أستراليا بشأن شكوى قُدّمتْ إلى رئيس القضاء الأعلى جيم سبيغلمان،55 اتُّهم فيها كالداس بأنه يُخفي عن المحكمة معلوماتٍ تتعلّق بالتحقيق في اغتيال نائبٍ في البرلمان ينتمي إلى حزب العمّال، هو جون نيومان، سنة 1994. بُرِّئ كالداس في 16/4/2009، أيْ بعد أكثر من شهرين على تولّيه مهامَّه مديرًا لقسم التحقيق في المحكمة الخاصّة بلبنان.
و ـ استقالات وخلافات داخليّة وأسئلة بلا جواب: في 12/1/2010، أعلنت المحكمةُ أنّ رئيسَ قلمها، دايفيد تولبرت، قدّم استقالته لكي يتسلّم مهامَّه رئيسًا للمركز الدوليّ للعدالة الانتقاليّة. وكان رئيسُ قسم التحقيق في مكتب المدّعي العام قد أعلن أيضًا، في وقتٍ سابقٍ من الشهر ذاته (7 كانون الثاني/يناير)، أنه غيرُ مستعدّ لتجديد عقده. وقبله بأربعة أشهر استقال القاضي هوارد موريسون لأسبابٍ مجهولة (14/8/2009). وقبله ببضعة أيّام استقالت أيضًا الناطقةُ باسم المحكمة، سوزان خان.
ليست الاستقالاتُ مسألةً غيرَ عاديّة في المحاكم الدوليّة. غير أنّها، في حالة المحكمة الخاصّة بلبنان، كانت عديدةً وسريعةً ومتكرّرةً ولم توضَحْ أسبابُها. وعلى سبيل المثال، فإنّ تولبرت، الذي عيّنه أمينُ عامّ الأمم المتحدة بان كي مون في 10/7/2009 وتسلّم مهامَّه في 26/8/2009، كان قد حلّ محل روبن فنسنت الذي استقال في 21/4/2009. وقد أخبرني الرئيس كاسيزي، في مقابلةٍ مسجّلةٍ،56 أنّ أسبابَ استقالة فنسنت “شخصيّة،” في حين شرح فنسنت أنّ خلافًا بينه وبين المدّعي العامّ دانييل بلمار أدّى إلى رحيله.57
III. الحلول المقترحة
أ ـ توسيع صلاحيّة المحكمة وإطلاق عجلة الإصلاح القضائيّ المحليّ: فإسهامًا في حلّ مشكلة العدالة الانتقائيّة، قد يتوجّب على الحكومة اللبنانيّة أن تطلب من مجلس الأمن إصدارَ قرارٍ تابعٍ للقرار 1757 يوسِّع صلاحيّةَ المحكمة الخاصّة بلبنان. وقد يسهّل تحقيقَ ذلك كونُ لبنان قد أصبح عضوًا في مجلس الأمن، وممثّلُه يَحْضر جلساتِه منذ 1/1/2010.
وعملاً بمبدإ العدالة المتساوية للجميع، فإنّ على صلاحيّة المحكمة الخاصّة بلبنان أن تَشمل كلَّ جرائم القتل منذ العام 2005. إذ ينبغي أن يحقّ لضحايا جرائم ارتُكبتْ في لبنان أن يرفعوا دعاوى أمام المحكمة الخاصّة بلبنان. أما بالنسبة إلى الاغتيالات التي نُفّذتْ قبل العام 2005، فيجب أن يُصلَحَ النظامُ القضائيُّ اللبنانيُّ ويُعزَّزَ لكي يستطيع الملاحقة؛ وقد يتطلّب ذلك تعديلاتٍ دستوريّةً تتضمّن إلغاءَ قوانين العفو.
قد يبدو تطبيقُ هذه التوصيات إشكاليّاً على الصعيد السياسيّ في لبنان وفي مجلس الأمن. إلاّ أنّ الوضع الحاليّ والنتائج المتوقّعة من المحكمة الخاصّة بلبنان لا تمثّل تحدّياتٍ خطيرةً للعدالة فحسب، بل قد تهدّد السلامَ والأمنَ في لبنان أيضًا.
ب ـ مراجعة عمليّة التوظيف في المحكمة الخاصّة بلبنان: إذ يُفترض بهذه أن تَعمل “استنادًا إلى أعلى المعايير الدوليّة في مجال العدل الجنائي،” على ما نصّ القرار 1757. ويَفترض ذلك مسبّقًا اعتمادَ الدقّة في عمليّة اختيار المرشَّحين للعمل في المحكمة، الأمرُ الذي يتطلّب مراجعةً متمعّنةً لخلفيّات المرشَّحين المهنيّة والشخصيّة، ونشْرَ السِّيَرِ المفصّلة للمستخدَمين والقضاة، بل يجب التركيزُ على ذلك كلّه من باب خلفيّتهم السياسيّة. وتُعتبر هذه المسألةُ حيويّةً نظرًا إلى التوافق الهشّ بين مختلف المجموعات المحليّة السياسيّة المتنازعة، وإلى عدم تصديق البرلمان رسميّاً على إنشاء المحكمة. وبالنسبة إلى تعيين قضاةٍ محليين ولبنانيين، تحديدًا، فإنّ شفافيّة العمليّة مطلوبة، وقد يكون نشرُ السِّيَر المفصّلة أمرًا مفيدًا.
ج ـ التفاعل مع ما يقلق الشعبَ ووسائلَ الإعلام: لقد شدّد بلمار، أثناء زيارةٍ قام بها مؤخّرًا إلى بيروت، على “أهميّة ثقة الشعب اللبنانيّ والمؤسّسات اللبنانيّة بنزاهة المحكمة الخاصّة بلبنان كهيئةٍ قضائيّة.”58
قد لا تؤثِّر في ثقة الشعب الاستقالاتُ المتعدّدةُ ورحيلُ عدد من المسؤولين من المحكمة الخاصّة بلبنان أثناء سنتها الأولى، ولا سيّما أنّ هذا قد حصل في محاكمَ دوليّةٍ أخرى. ومع ذلك فإنّ انعدامَ تفسيراتٍ رسميّةٍ واضحةٍ للأسباب الموجبة لمثل هذه الاستقالات يدعو إلى الريبة، لا بل يثير الشكوكَ. فاستقالةُ مسؤولَيْن من منصب رئاسة القلم بالتتالي أثارت عددًا من الأسئلة التي لم يُجِب عليها بوضوحٍ مكتبُ الإعلام التابع للمحكمة. ولم تُقدَّم أيُّ تفسيراتٍ في ما يخصّ استقالةَ القاضي هوارد موريسون، ورحيلَ رئيس قسم التحقيق بعد سنةٍ واحدةٍ من تعيينه.
ثم إنّ دافعي الضرائب في لبنان، الذين يغطّون 49 بالمئة من كلفة المحكمة، لا يعرفون أين تُنفق أموالُهم تحديدًا. ولا يتضمّن تقريرُ الرئيس كاسيزي حول عمل المحكمة، الذي أصدره بعد مضيّ ستة أشهر على انطلاقها59 في 1/3/2009 أيَّ معلوماتٍ عن الكلفة والإنفاق.
IVـ ملاحظة ختاميّة
قيل إنّ “عدالةً غيرَ كاملة قد تكون أفضلَ من انتفاء العدالة التامّ، لا سيّما في بلدٍ قام مجلسُه النيابيّ، في أول عملٍ له بعد نهاية الحرب الأهليّة، بإقرار عفوٍ شاملٍ مَنح كلَّ أمراء الحرب في البلاد الحصانةَ من الملاحقة القضائيّة، فأصبح العديدُ منهم برلمانيين ووزراءَ في الحكومات التي تلت الحرب.”60 بيْد أنّ العدالة غيرَ الكاملة قد تساهم في الإفلات من العقاب، وتجعل أمراءَ حربٍ سابقين، عبّروا عن حماسٍ غير مسبوق للمحكمة الخاصّة بلبنان، يتمتّعون بالحصانة من الملاحقة القضائيّة لجرائمَ شنيعةٍ يُقال إنهم ارتكبوها أو كان لهم ضلعٌ فيها في السبعينيّات والثمانينيّات من القرن المنصرم.
أما في ما يخصّ مئاتِ العائلات التي فقدتْ أحبّاءَها في عمليّات القصف الإسرائيليّ عامَ 2006، ولا تستطيع أن ترفع دعاوى أمام المحكمة الخاصّة بلبنان أو القيامَ بأيّ آليّةٍ قضائيّةٍ أخرى، فهي تحقِّق العدالةَ لنفسها بنفسها، وذلك من خلال دعم أعمال المقاومة الوطنيّة.
بيروت ـ لندن
* كاتب وصحافيّ من لبنان. مُحاضر في الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة في بيروت، ومسؤول صفحة العدل في جريدة الأخبار. وهذا هو النصّ الكامل للمحاضرة التي ألقى نقاطَها الأساسيّة في كليّة لندن للاقتصاد في 27/1/2010.
1. 1. على الرغم من أنّ فليحان كان يجلس إلى جانب الحريري لحظةَ الانفجار، إلاّ أنه نجا منه؛ لكنّ حروقًا خطيرةً غطت 95 % من جسده. نُقل فليحان جوّاً إلى مستشفى بيرسي العسكريّ في كلامارت (ضاحية من ضواحي باريس)، حيث عاش 64 يومًا قبل أن يفارق الحياة في 18/4/2005
2. 2. مركز أنباء الأمم المتحدة (18/12/2006)، تحقيق الأمم المتحدة في جريمة اغتيال مسؤول لبنانيّ أسبق يقترب من مرحلة حسّاسة – رئيس لجنة التحقيق http://www.un.org/apps/news/story.asp?NewsID=21034&Cr=leban&Cr1=
3. 3. ورد في صحيفة The Wilmington Morning Star كلام مقتبس عن وكالة الأسوشياتد بريس، وذلك في 8/3/1984، الصفحة 10 :”رفيق الحريري، كبير المفاوضين السعوديين في الأزمة اللبنانية، قابل الرئيس أمين الجميّل.”
4. 4. Muhammad Mugraby, “The Syndrome of One-Time Exceptions and the Drive to Establish the Proposed Hariri Court,” Mediterranean Politics, 13, 2008
5. 5. قال شيراك في 13/2/2006:”غداة الحرب العالميّة الثانية، أراد الجنرال دوغول أن يعيد إلى فرنسا القوةَ والاحترامَ اللذين ندين بهما لها. وضمن هذا الخطّ يندرج رفيق الحريري؛ إنه النوع نفسه، والبنية ذاتها، من الرجال.” رئاسة الجمهورية الفرنسية http://tinyurl.com/yjmjmau
6. 6. Patrick Seale, “Chirac, Hariri, and the International Court,” Global Policy Forum, Middle East Online http://www.globalpolicy.org/component/content/article/168/29018.html
7. 7. تتضمّن اللائحة أعضاءً في البرلمان هم: نعيم مغبغب (1960)، ومعروف سعد (1975)، وطوني فرنجيّة (1978 مع زوجته وابنته وثلاثين آخرين)، وكمال جنبلاط (1977)، وناظم القادري (1989)، والوزير إيلي حبيْقة، وداني شمعون (1990، مع زوجته وولديْه).
8. 8. الشيخ صبحى الصالح (1986)، المفتي الشيخ حسن خالد (1989)، الشيخ أحمد عسّاف (1987)، الإمام حسن الشيرازي (1980)، الشيخ حليم تقي الدين (1987)، الشيخ نزار الحلبي (1995). وفي العام 1978، اختفى الإمام موسى الصدر ورفيقاه الصحافيّ عبّاس بدر الدين والشيخ محمد يعقوب فيما كانوا في ليبيا
9. 9. تتضمّن قوانينُ العفو الشامل منذ الاستقلال العفوَ الشاملَ الصادر في 19/10/1949 عن الجرائم المرتكبة قبل 12/9/1949؛ وقانونَ العفو الشامل الصادر في 31/8/1951 وشمل كلّ الجرائم المتعلقة بالانتخابات العامة؛ وقانونَ العفو الشامل الذي صدر في 24/12/1958 وشمل كلَّ الجرائم ذات الطبيعة السياسيّة وأعمال العصيان والإخلال بأمن الدولة المرتكبة قبل 15/10/1958؛ وصدر عفو مماثل في 17/12/1969 ليشمل كلّ الأعمال المرتكبة قبل 1/1/1967؛ وصدر عفو آخر مماثل في 26/8/1991 وشمل الأعمال المرتكبة قبل 28/3/1991. وصدر عفو شامل عن كل الجرائم المتعلقة بالمخدرات المرتكبة قبل 31/12/1995، وذلك بموجب القانون رقم 666 بتاريخ 19/12/1997
10. 10. Amnesty for Lebanese ex-warlord, BBC, July 18, 2005 http://news.bbc.co.uk/2/hi/middle_east/4693091.stm
11. 11. تقرير لجنة تقصّي الحقائق برئاسة بيتر فيتزجيرالد. التقرير S/2005/203 المقدّم إلى مجلس الأمن في 24/3/2005
12. 12. S/2004/783، مجلس أمن الأمم المتحدة، 13/12/ 2005.
13. 13. القرار 1757 الصادر عن مجلس الأمن- 30 أيّار/مايو، http://www.stl-tsl.org/x/file/TheRegistry/Library/BackgroundDocuments/Ru…
14. 14. 1/3/2009http://www.un.org/apps/sg/sgstats.asp?nid=3727
15. 15. بيان صادر عن رئيس مجلس الأمن في 15/3/2005، S/PRST/2005/4
http://daccess-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N05/238/44/PDF/N0523844.pdf?O…
16. 16. http://domino.un.org/unispal.nsf/0/79cd8aaa858fdd2d85256fd500536047?Open…
17. 17. S/RES/1595(2005) http://daccess-ods.un.org/access.nsf/Get?OpenAgent&DS=s/res/1595(2005)&Lang=E
18. 18. منصوص عليه في القرار رقم 1757 (2007) وفي المادة 19 من الاتفاق بين الأمم المتحدة والجمهوريّة اللبنانيّة
19. 19. المادة 19 من قانون المحكمة الخاصة بلبنان- الوثيقة الملحقة يالقرار 1757 (2007)
20. 20. تقرير لجنة التحقيق الدوليّة، 19/10/2005، الفقرة 8
www.washingtonpost.com/wp-srv/world/syria/mehlis.report.doc
21. 21. في مقابلة أجراها مايكل يونغ في صحيفة وول ستريت جورنال، اتخذ ميليس موقفًا علنيّاً بقوله: “عندما تركتُ كنّا مستعدّين لتسمية مشتبه بهم،” صحيفة وول ستريت جورنال، 26/1/2007
22. 22. Nadim Shehadi & Elizabeth Wilmshurst, “The Special Tribunal for Lebanon: The UN on Trial?” Chatham House, Middle East/International Law Briefing Paper, MEP/IL BP 07/01, 2007, p. 5.
23. 23. صار يُفترض باللجنة أن تساعد السلطات اللبنانيّة على التحقيق في 14 هجومًا إرهابيّاً آخر نُفذ في لبنان منذ تشرين الأول/أكتوبر 2004، وفي اغتيال وزير الصناعة بيار الجميل في 21/11/2006، وفي تفجيرات عين علق في 13/2/2007. وبالإضافة إلى التحقيق في كلّ التفجيرات، أقامت اللجنة روابطَ محتملةً بينها وبين اغتيال الحريري
24. 24. التقرير الخامس للجنة التحقيق الدوليّة، 25/9/2006
http://www.stl-tsl.org/x/file/TheRegistry/Library/BackgroundDocuments/Re…
25. 25. 16/11/2007، الأمين العامّSG/A/1109 http://www.un.org/News/Press/docs/2007/sga1109.doc.htm
26. 26. “كبير المحققين يريد المزيدَ من الوقت من أجل التحقيق بشبكة إرهابيّة وراء اغتيال الحريري،” الأسوشياتد بريس، 9/4/2008
27. 27. 2/12/ 2009. المحكمة الخاصة بلبنان – مكتب المدّعي العامّ http://www.stl-tsl.org/sid/150
28. 28. المصدر نفسه
مجلة الآداب » ٤-٥/ ٢٠١٠