من سرت إلى القدس …سيروا تحفظكم أجسادنا!
فلورنس غزلان
كثر اللغط وحارت الأجهزة الإعلامية في منطقتنا ، حيث تندر نزاهة القلم أو نزاهة الخطاب..لأنها برمتها مرتبطة بنزاهة الأنظمة أو عدالتها..ومع هذا لابد من حالات الاستثناء…لأنها فعلاً موجودة…وهي من يمنحنا شجاعة القول ويمنحنا القدرة على الاستمرار ، والايمان بأن الفرج قادم لامحالة… شبعنا من الخطب وأصحابها …في سرت البارحة…وفي خرطوم السبعينات تليها القاهرة وتتبعها دمشق …إلى أن نصل الدوحة وكل دوائر العواصم وحاراتها القممية…كل يخيط بإبرة تخصه ، يحيك نسيجه البيتي المتعلق بإقامته وإدامته فوق رؤوسنا..وبقدرته على تطويعنا…ومن خلال حياكته يصب لعناته الصامتة والمعلنة على من لايتفق معه في ترتيب أمور المنطقة..فيدور على عقبيه أو يلتف على سامعيه ومحاوريه مستعد للمناورة والمقامرة ببلده والمنطقة ، فيما لو تمت الترتيبات على غير مايهوى..ووجد نفسه ” يخرج من المولد بلا حمص”!
أي أن دوره المناطقي محفوظ ومحور حركته أكثر اتساعاً من السابق…وعودته لمضافة العروبة تظل في صدر القائمة ويحرص الأخوة على مكانة كل منهم ورعايته للآخر..لأن كل مايقدمه …سيجد مقابلا له وامتنانا وشكراً عليه.
ــ القذافي حلم بوحدة العرب ــ على أن يكون مليكها! ــ فلم تُجدِ مساعيه المرضية، وحلم بزعامة إفريقيا حتى لو اشترى هذه الزعامة…لكنها أيضاً لم تفلح..والآن يود تجزئة وتمزيق أكبر دولة فيها وأكبرمنتج للذهب الأسود ( نيجيريا )..وبهذا يثبت عكس ما صدر من هوى وهوس بالوحدة..محاولاً إثبات انعدام إمكانية التعايش بين مذاهب متنوعة أو أعراق وأجناس مختلفة كذلك…ويلغي بهذا معنى الانتماء لوطن أو معنى المواطنة…وبالوقت نفسه يحارب سويسرا باسم الدين وحرصه على مساجد المصلين في هذا البلد…أماحربه على أمريكا، فقد خفت حدتها بعد أن قُصت أجنحته فخفف من الطيران فوق أعشاش الوقواق…ودفع ثمن إسقاط الطائرات ماهب ودب من دم الشعب الليبي ولقمته..هذا الشعب الذي عانى ويعاني من قمع وخطف وقتل وسحل تحت اسم حكم الشعب في جماهريته الديمقراطية العظمى…باعتباره يملك ولا يحكم!…والمقصود يتحكم..فقط منذ أربعة عقود ونصف!!.
ــ أما سيد العشيرة السورية الأسدية..ونظامه القابض ” من خلال شركة أسرية مساهمة موحدة ضد الطامع” تقبض على عنق سوريا منذ ماينيف عن أربعة عقود…خطب وأطنب …في سرت وغيرها…مانع ومَنعَ ويمنع كل صوت يخرج من حنجرة سوري، لبناني ، أو فلسطيني…ووقف يُعَّلم السيد عباس كيف تكون ا لمقاومة!” وأن ما أخذ بالقوة لايسترد إلا بالقوة ــ رحم الله قائلهاــ وأن إسرائيل لاتفهم إلا بلغة القوة…” لكنه لم يشرح لعباس ولا لدباس من أين سيأتي بهذه القوة؟!…جميع من حوله يفهمون على مَن وماذا يستند في قوته ويحارب بها في محافل القمة اليعربية..ولم تمضِ سوى أيام على زيارة صديقه وحليفه السيد أحمدي نجاد ومعهما السيد حسن نصر الله…وقد أعلن ثلاثتهم أن أي اعتداء على طرف سيشعل المنطقة وسيعتبر اعتداء على الجميع!!…سيد طهران يعلم جيداً أن حرباً على مفاعلاته النووية لن تقوم، وأن أمريكا غير قادرة على إشعال جبهة جديدة ، كما لن تسمح لإسرائيل بتوريطها في مثل هذه الحرب، وإسرائيل من طرفها تعرف جيداً أنها لاتستطيع أن تطلق صاروخاً نحو إيران دون دعم أمريكي كامل …فضرب مفاعلات نجاد يختلف عن ضرب مفاعلات صدام ( أوزيراك عام 1981)، ولا المفاعل السوري عام 2007 …حين لم يرد على أي من الاعتداءين..ودخل الرد في طيات دفاتر ” الرد المناسب في الزمان والمكان المناسب “..وهاهو العد العكسي والنفخ في قربة القوة يعود ليطفو…إنما بفعل شحن بطارياته إيرانياً…ولأن نجاد يعلم أن أي عدوان إسرائيلي فردي ــ ولو كان خاطفاً مُرَكزاً ــ فسوف يبادر أحمدي نجاد لإشعال المنطقة ، لأنه تعود على الحرب خارج أرضه وشن الهجوم والمقاتلة بدماء غير فارسية…لهذا حرص على أن تكون لغة الحرب وأطرافه ثلاثية الأبعاد…سورية….لبنانية …فلسطينية..مع تهديدات معلنة ومبطنه بالرد الفوري وضرب المصالح الأمريكية في المنطقة!!…وهذا يعني اسمعوا ياجيراني…في خليج عربي فارسي…لا في خليج سرت الليبي، مع أنه شبه متيقن من بُعد الحرب وشبحها عن بلاده، لأن الموقف الغربي مهما صدح وصرخ وطالب بعقوبات…لكنها لن تكون رادعة ولن تحول بينه وبين امتلاك السلاح النووي…وإسرائيل مهما علا صوت باراك أو نيتنياهو أو ليبرمان واعتبروا إيران الخطر الأكبر عليها…يدركون جميعهم أن الشر الإيراني حتى لو اتسم بالتطرف الإسلامي فسيظل أهون منه لو كان عربي الفعل…وماذا يضيرهم بالتالي لو امتلكت طهران قنبلة نووية؟…لديهم قنابل وصواريخ ورؤوس نووية ، وهم الأقوى دون منازع ــ بل القوة الثانية أو الثالثة في العالم حسب رأي البروفيسورفي الجامعة العبرية والمؤرخ الإسرائيلي مارتين فان كارفيلد المتخصص في التاريخ العسكري في قسم العلاقات الدولية ( عن القدس العربي عدد اليوم) ــ ، بل امتلاك إيران لسلاح نووي سيجعلها مصيدة للغرب وبقرة إسرائيلية حلوباً وعذراً أكبر من عذر الهولوكوست…تستعطف وتستدر من خلاله بقاءها القوة الأكبر المهيمنة والمسيطرة في المنطقة…وأن تكون منافستها الأصغر فارسية مسلمة لهو أفضل مليون مرة من أن تكون عربية..فما الذي أخافها من قنبلة باكستان، رغم قوة طالبان والسلفية هناك.؟ وهل إيران أقرب كثيرا من باكستان على إسرائيل؟..في النهاية هي لغة سياسية وضعت سيناريوهاتها…بعد دراسة معمقة ومساومات دقيقة وحسابات مستقبلية لمصير المنطقة….وسيد دمشق يعرف هذا تماماً ويدخل من بابه الإيراني ليضمن له دوراً ولو تحت إبط إيران..لكنه أوسع في لبنان …وأوسع في العراق..وكذلك في فلسطين ، وكلها أوراق قابلة للعب في محور السلام مع إسرائيل…فسلامه يختلف عن سلام عباس….وعباس عقبة في طريق سلامه…وماعلى هذا الأخير إلا التأجيل وانتظار مباحثات تركيا…الداخلة بقوة في المنطقة….الملاحظ أن كل الأطراف الغريبة تدخل بقوة وخطة، إلا العرب فإنهم يخرجون بقوة وبدفشة تجرهم خارج الملعب…وتقتصر ألعابهم البهلوانية على مسارحها الداخلية تلهينا بها …أو تخرسنا بها..بينما تفتح أبواباً مواربة لتصافح غرباً وتخدم أجندة غربية…وتغمز داخلياً غمزات ممانعة…مقاومة…لكنها جميعاً تصب في أروقة المساومة…والبركة في القادم فلا تتعجلوا الأمر…لن يطل انتظاركم ، فالمحكمة الدولية بمقتل رفيق الحريري…ستحكم بلا شيء والقاتل سيسجل ” مجهول الهوية”..وعودة الأبناء اللبنانيين الضالين لحضن أمهم السوري خير دليل على تراجع كل القضايا…وتراجع كل الحريات في المنطقة…ودخولها من جديد نفق …الأخوة والمحبة ..المصبوغ بصبغة الطاعة والتطويع…ومن لايدخل بإرادته…فقد دخل بكل إرادته ضاحكاً مبتسماً راضياً..مخدراً..ماشياً على قدميه..أو عفواً جاثياً على ركبتيه…معتذراً من شقيقه الأكبر…مقدماً كتاب الإذعان والرضوخ..معلناً التوبة على يد القديس.. الدمشقي في صومعة قاسيون الخالدة..هذه أفواج المعتذرين تتقاطر..وهذه سرت قد كرست وأيدت الدور السوري…إن حضر لبنان أم لم يحضر…فظله موجود…وخله حامي الوجود والحدود…
والشعب السوري…والشعوب العربية برمتها…أين كانت ومَن مثلها؟…مَن قال شيئاً بما يصيبها وأصابها من بلاء وشدة؟…قمته هي نقمته…على من اجتمعوا ثم ثيابهم نفضوا ونسيوا ما خطبوا ورددوا…وعادوا لجحورهم يتفقدوا عسسهم…ويعدوا حرسهم….حتى البيان الختامي عجزوا عن قراءته…وزعوه وتوازعوه فيما بينهم…كفكفوا دموع التماسيح على القدس وغزة..وتأبطوا شرهم …وعادوا إليه أوفياء.
ــ باريس 30/03/2010
خاص – صفحات سورية –