ماذا لو وقعت كارثة الطائرة البولندية على دولة استبدادية ؟
كامل عباس
علّق مذيع راديو مونتي كارلو على خبر تحطم الطائرة البولندية المفاجئ ( بعفوية يحسد عليها ) قائلا : لا خوف من اضطراب الوضع في بولندا – رغم غياب قادتها بمن فيهم رئيس البلاد – لأن النظام فيها هو نظام مؤسسات .
لنتخيل ان تلك الكارثة الطبيعية نزلت على طائرة ايرانية تقل المرشد الأعلى والى جانبه احمدي نجاد وقادة الجيش والحرس الثوري وهم في طريقهم الى تفقد مركز نووي شمال البلاد . ماذا ستكون النتيجة في الظرف الحالي التي تمر بها إيران ؟ او ان تلك الحادثة وقعت على حسني مبارك ومعه قيادته وهم في طريقهم الى ألمانيا لإجراء عملية جراحية للرئيس . او ان كارثة مشابهة أودت بحياة القيادة الكورية او الكوبية ؟
حقا انها كارثة لا بد ان تدفع العالم بقادته ومفكريه وفلاسفته وعلمائه وباحثيه للتفكير بها واستخلاص العبر والدروس منها على المستوى العلمي والسياسي والاجتماعي وهذه مساهمتي المتواضعة .
– على المستوى العلمي : يأسف المرء لكون النوع البشري قد شغله التفكير في الصراع بين الانسان وأخيه الانسان من اجل اقتسام خيرات الكوكب ونسي الصراع مع الطبيعة وكيفية مواجهة كوارثها , ان لم نقل أنَ سلوكه الأحمق زاد من ويلاتها . والكارثة تدق ناقوس الخطر في حياته .
• ترى اليس للتغيرات البيئية وفي مقدمتها الاحتباس الحراري دورا في ذلك الضباب الكثيف الذي أودى بالطائرة ؟
• اليست التغيرات المناخية وراء الأعاصير والفيضانات التي تضرب بعنف حاليا ؟
* اليست الحفريات المحمومة في الأرض من اجل استخراج البترول مُحفِّزا للزلازل التي تجتاح كوكبنا الجميل ؟
– على المستوى السياسي : ما من شك في ان الكارثة سترفع من سوية الوعي السياسي (ولو قليلا) لدى الإنسان وتجعله يقارن بين الأنظمة التي تُحكم بواسطة المؤسسات والأنظمة التي تُحكم بواسطة الرموز, ودور الشعب البولندي الرائد في الانتقال من النظام الشيوعي الاستبدادي الى النظام الديمقراطي وستجعله يطرح على نفسه بعض الأسئلة ويستنتج بعض الخلاصات مثل
• هل حرق المراحل يضر بالمجتمع أم يفيده ؟
• أليست الديمقراطية كنظام سياسي ممر إجباري باتجاه النظام الاشتراكي ؟
• ان اختباء الأنظمة الاستبدادية وراء شعار النضال ضد الامبريالية قد سقط الى غير رجعة . فمن سيصدق الآن ان نظاما يناضل ضد الاستغلال وهو يذيق شعبه كل صنوف القمع والاضطهاد ؟
• ان الأنظمة الاستبدادية مآلها السقوط الحتمي مثل النظام البولندي السابق والمسألة مسألة وقت ليس الا .
– على المستوى الاجتماعي . تذّكر الكارثة بمقولة ( القائد الضرورة ) وما فعلت بالبلدان التي مرت فيها والويلات التي سببتها لشعوبها وللعالم , وتذّكر أيضا بجنازة ستالين وعبد الناصر وانبهار البسطاء بها . ان القائد مهما على شانه سيموت بالنهاية مثله مثل الآخرين وتأكل عيناه الدود ولا يبقى من اثر يدل عليه سوى عمله .
سيكون للكارثة حضور نسبي في الشارع العربي لألف سبب وسبب , ففي ظل ثورة المعلومات سيسمع بها كل بيت وستدفع ولو بعض من ساكنية للمقارنة بين أحوالهم وأحوال العالم , فالوضع العربي بمنتهى السوء . زاد في الطين بلة تجاهل حكامه ما يجري على الصعيد العالمي وتمسكهم بشكل الحكم الاستبدادي الذي تتقاسم بموجبه العائلات الحاكمة الثروة والنفوذ , وتصر على تجاهل الدروس والعبر مما جرى في بولندا تحديدا قبل وبعد سقوط نظامها الاستبدادي .
واذا كان حال مصر – الدولة العربية الأهم وذات التاريخ الحضاري العريق – قد عقمت نساءها , ولم تعد قادرة على ولادة قائد جديد يخلف حسني مبارك وقد بلغ من الكبر عتياً , وهو لذلك يحاول تفصيل دستور على طول قامة ابنه كي يجنبها “كارثة” وفاته , فما بالك بالأنظمة العربية الأخرى التي لا تشعر بأي حاجة لدستور جديد تنتقل فيه السلطة من الأب الى الابن , فأجهزة القمع عندها كفيلة بذلك بدلا من الدستور .
ان حاجة بلداننا العربية الى إصلاح تدريجي وهادئ وآمن يتم بموجبه الانتقال من الدولة الأمنية الى دولة القانون أصبح ضرورة تمليها حاجة المنطقة والعالم أيضا . ولن يجلب تمسك حكامنا بالسلطة سوى مزيد من الويلات لهم ولشعوبهم .
* اللاذقية