العلاقات الإيرانية – السورية واقع وآفاق
معتز حيسو
بداية يمكننا تحديد الخارطة الجيو سياسية، في المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي، على قاعدة التمحور السياسي القائم على الاستقطاب بين مشروعين سياسيين، يتجليان على قاعدة التناقض الظاهري والنسبي. ويتمحور التناقض بين الولايات المتحدة وإيران، اللتان تشكّلان أطرافه الرئيسية على قاعدة التجاذب والتنابذ. لكن زيادة المساعي الإيرانية لتمتين وتقوية تحالفها الإقليمي المترافق مع تعزيز وجودها السياسي في العراق، ومحاولتها مد تأثيرها إلى اليمن، زاد من حدة التناقض مع المصالح الأمريكية، مما يفترض بداهة تصعيد حدة التوتر من قبل الولايات المتحدة على قاعدة رفض البرنامج النووي الإيراني، الذي يشكل مقدمة وشكل أولي للتناقض، دون أن يعني هذا التخفيف من الخطر السلاح النووي الذي تعتبره أمريكا وإسرائيل بالدرجة الأولى خطاً أحمر يجب عدم تجاوزه، و امتلاك إيران للسلاح النووي، يساهم في خلخلة التوازن العسكري لصالح إيران أولاً ،وتحالفها الإقليمي ثانياً، ويتشكل هذا الموقف على قاعدة التناقض الإيراني ـ الإسرائيلي، ويعززه سعي الحكومة الإسرائيلية لتأسيس دولتها اليهودية. إن تكريس دولة يهودية ذات قومية واحدة، يساهم في تحويل شكل الصراع الدائر في المنطقة إلى صراع ديني ومذهبي، وتراجع الطابع السياسي والقومي للصراع مع إسرائيل يعزز مقولة صراع الحضارات، مما يعني دخول شعوب المنطقة ونظمها السياسية في إشكالية حقيقية.
إن اعتماد سياسة القوة والعنف في إنجاز المشروع الأمريكي إقليمياً، يساهم في ظل تراجع القوى العلمانية بكافة ألوانها السياسية، وتحديداً اليسارية، في انتشار القوى الطائفية الإثنية العشائرية..وبالتالي توسع دائرة العنف الطائفي والمذهبي( ناهيك عن كون المشروع الأمريكي يقوم على تعزيز وتفعيل الطائفية والمذهبية.. )، ويرتبط انتشارها وتعمقها الاجتماعي عمودياً في ظل تراجع الدور العلماني للسلط السياسية السائدة في المنطقة، بشكل يتقاطع مع مضمون المشروع الأمريكي الهادف لتقسيم المنطقة على ذات الأسس، بالتالي فإن المفارقة الأساسية، تكمن في أن التحالف الممانع يقود مجتمعاتنا( من حيث يدري أو لا يدري) إلى تكتلات دون وطنية في سياق ميوله السياسية التي تعتمد تجفيف منابع الفكر العلماني الديمقراطي، الذي يجب أن يشكّل الأساس الموضوعي لدّولة الوطنية.. مما يعني تقاطع طرفي التناقض الأمريكي والإيراني، ومن يدور في فلكهما، على شكل الانقسامات المجتمعية.
وقد بات واضحاً من خلال عرضنا مدى التوافق السياسي، الثقافي، العقائدي الذي يستند عليه المحور الإيراني. ومن وجهة نظرنا نرجح بأن العلاقة الإيرانية مع أطراف تحالفها السياسي، تشكّل جسوراً سياسية لضمان استمرار مشروعها الإقليمي، ولتدعيم موقفها السياسي والاستراتيجي أمام (ومع) الولايات المتحدة وأطرافها السياسية، في لحظات التأزم السياسي والدبلوماسي. ويأتي هذا في سياق فهم العلاقة الإيرانية ـ الأمريكية المتشكّلة تاريخياً على قاعدة تواتر التناقض والتوافق السياسي.
لهذا نرى بأن استمرار شكل ومستوى العلاقات الإيرانية ـ السورية، تفترضه جملة من العوامل أولها: تحلل الحاضنة العربية في سياق تبعية بعض النظم العربية للمشروع الأمريكي،و إنشاء تكتلات إقليمية مستقلة( التكتل الإفريقي)، مما يعني تزايد حدة التكتلات الإقليمية وتعددها. ثانياً: سياسية القوة التي يفرضها التحالف الأمريكي الإسرائيلي، مما يؤدي لاعتماد سياسة القوة( المقاومة) من قبل الأطراف الأخرى.وبالتالي تنامي ثقافة العنف المضاد. ثالثاً: محاولة القيادة السورية استعادة دورها السياسي إقليمياً. رابعاً: توفر إمكانية التوصل لتسوية وضع الجولان أولاً وباقي القضايا الإقليمية العالقة، في سياق تدعيم وتوسيع التحالف الممانع. خامساً: الحفاظ على التوازن الإقليمي في مواجهة التحالف الأمريكي. سادساً: تحقيق انفتاح اقتصادي وسياسي أوربي ـ تركي بشكل يضمن استقرار الأوضاع السياسية. وأخيراً فإن استمرار التحالف يرتبط موضوعياً مع: غياب التكامل والتنسيق العربي المشترك، حاجة القيادة السورية لسند سياسي يعزز استقرارها الداخلي ودورها الإقليمي. عجز الولايات المتحدة عن إيجاد مخارج سياسية للإشكاليات العربية العالقة نتيجة لسياساتها المرتبطة بنيوياً مع المشروع الإسرائيلي/ اليهودي الذي يساهم في توليد العنف الطائفي والمذهبي…، إضافة إلى سعي أمريكا للسيطرة المباشرة على مصادر القوة في المنطقة، وهذا يفترض تعزيز التواجد المباشر لقواتها، ويتم تبرير هذا التواجد بأسباب كثيرة أحدها حماية الدول الخليجية من خطر التهديد الإيراني.
مجمل العوامل التي أوردناه، توجب وتفترض بداهة في حال استمرار توازن الرعب بين الأطراف المتنازعة في المنطقة وعليها، استمرار سياسية التحالفات والتكتلات في مجمل المنطقة العربية، ومحيطها الإقليمي، الذي يمكن أن يمتدد في لحظات التأزم إلى الصين وروسيا أفغانستان ..( قوس التوتر) لكن الأخطر هو ترافق هذه التحالفات مع زيادة توسّع وتعمّق أشكال وعي دون الوطني، في سياق تراجع تأثير القوى العلمانية، بسبب سياسية الضغط والمنع …. التي تتساوق مع غض النظر عن نشاط الجمعيات والهيئات الدينية. مما يمكن أن يؤدي إلى تفجر أزمة اجتماعية فتيلها جماعات سلفية جهادية تعتمد سياسة التكفير والجهاد ضد كافة المكونات الاجتماعية غير السنيّة ( العلمانية والمذهبية) ( جمعية عبد الهادي الباني. هيئة سلفية سوريا الجهادية بزعامة السلفي أبو عكرمة موسى، الذي يدعو فيها (( كل مواطن سوري مسلم سني شريف غيور على الإسلام, إلى الجهاد في سبيل الله ضد هذه الحكومة.., من أجل قيام دولة الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في سوريا, ومحاربة جميع أنواع الكفر والفسق والمجون والتبرج والفجور،و تطبيق الحدود… ))(لا يوجد معلومات دقيقة عن هذه الهيئة،هل هي حقيقية أم وهمية، ليبقى بيانها التي تم الإعلان عنه مجهول الأسباب) لهذا فإن الخروج من حالة الاحتقان الاجتماعي المتعدد الأسباب، يكمن في إطلاق الحريات السياسية، وفتح الهامش الديمقراطي لكافة الجمعيات المدنية والقوى السياسية.