ذرائع العدوان على سورية
حسين العودات
في البداية اتهم شمعون بيريز سورية بأنها نقلت صواريخ (سكود) إلى لبنان لصالح حزب الله، واختار العاصمة الفرنسية لإطلاق تصريحه منها خلال زيارتها قبل عشرة أيام، ثم (كرّت) سبحة الاتهامات، فنشرت صحيفة (وول ستريت) نبأ نقل الصواريخ، ثم تبعتها صحيفة (ديلي تلغراف) البريطانية، وبعدها صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية، وجميعها أشارت إلى أن مصادر الخبر هي تقارير استخباراتية.
انتقلت التعليقات والآراء من الصحف إلى الناطقين باسم الحكومات الأميركية والإسرائيلية والفرنسية، وإلى ما يسمى مصادرها المطلعة، فعبّر الناطق باسم البيت الأبيض ثم الناطق باسم الخارجية الأميركية عن قلق الإدارة الأميركية من نقل الصواريخ، لأنها تغيّر (ميزان القوى) في المنطقة، وتبع الناطقين الأميركيين ناطقون إسرائيليون (سواء باسم الجيش الإسرائيلي أم باسم الأوساط السياسية).
ولم تنتظر وزارة الخارجية الفرنسية كثيراً حتى عبرت الناطقة باسمها عن قلق الحكومة الفرنسية من نقل الصواريخ المزعوم، وهكذا تناغمت المقالات الصحفية مع تصريحات الناطقين الأميركيين والإسرائيليين والفرنسيين وتزامنت وكأنها أوركسترا تعزف لحناً واحداً، وكانوا جميعهم قلقين، خائفين على إسرائيل، يخشون تغير ميزان القوى، وأبلغوا الحكومة السورية قلقهم واحتجاجهم وإنذاراتهم.
أما المسؤولون الإسرائيليون فقد سربوا للصحافة أنهم أنذروا سورية بأنهم سيعيدونها (للعصر الحجري كما هدد وزير الخارجية) وسيدمرون مراكز توليد الكهرباء والموانئ والمنشآت الحيوية إضافة للقواعد الصاروخية السورية إذا استمرت بنقل هذه الصواريخ إلى حزب الله.
وأُبلغت الحكومة اللبنانية بدورها من قبل الأطراف نفسها إنذارات وتهديدات مماثلة، وجددت الإدارة الأميركية إنذارها باستدعاء نائب البعثة الدبلوماسية السورية في واشنطن وإبلاغه الإنذار.
أنكرت الحكومة السورية رسمياً هذه الاتهامات، وكذبتها تكذيباً مطلقاً، وأكد وزير خارجيتها قبل أيام من طهران أنها تهم باطلة، وذرائع لعدوان محتمل على سورية أو على لبنان، ولكن إنكارها هذا لم يحل المشكلة.
ولم يسكت أصحاب الإنذارات والتهديدات، لأن إسرائيل كما يبدو تجمع الذرائع وتراكمها لتبرير العدوان، خاصة أن (سلاح الجو الإسرائيلي وضع خطة لمنع تزويد سورية لحزب الله بالصواريخ، ولكنه قرر عدم إخراج هذه الخطة لحيز التنفيذ) حسب تصريح الناطق العسكري الإسرائيلي، وليس لهذا التصريح سوى تفسير واحد هو أن نية العدوان قائمة وأدواته مهيأة وإجراءاته جاهزة بانتظار الظرف المناسب.
يقول المطلعون على خلفيات هذه الاتهامات الإسرائيلية أنها مجرد مزاعم غير صحيحة، تهدف لرفع سوية التوتر وإلزام الإدارة الأميركية على إعادة النظر بموقفها من الاستيطان ومن تطرف حكومة نتنياهو، وتغيير ما لوحت به من سياسة جديدة تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، وخاصة تلميحات الرئيس أوباما وتصريحات وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون وتخويف الداخل الإسرائيلي الذي بدأ يتخوف من الخلافات التي سببتها حكومته مع الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته.
والتأكيد للجميع أن الخطر يتفاقم على إسرائيل وأنها مهددة بالتدمير، وهي الحجة المجربة التي تلجأ إليها الحكومات الإسرائيلية كلما واجهتها صعوبات أو تراجعت الدول الكبرى قليلاً عن دعمها، أو عندما تنوي العدوان، أو ترغب بتجديد الدعم الأمريكي والأوروبي لها، أو حل مشاكل إسرائيلية داخلية، وهذا كله يوحي بأن الإدعاءات الإسرائيلية هي مطلق مزاعم.
إضافة إلى أن صواريخ سكود التي تدعي الأوساط الإسرائيلية أن سورية هربتها إلى لبنان يصعب تمويهها، فطول الصاروخ الواحد يتجاوز عشرة أمتار، واستطلاع الطيران الإسرائيلي لا ينقطع عن سماء لبنان إضافة إلى مراقبة الأقمار الاصطناعية الأميركية.
وقد فشلت هذه جميعها في تقديم أي دليل على انتقال هذه الصواريخ. وتقول الأوساط العسكرية المطلعة أن حزب الله لا يحتاج لمثل هذه الصواريخ، لأنها بعيدة المدى وهو يملك عشرات آلاف الصواريخ القادرة على الوصول للمدن الإسرائيلية الرئيسية، فما حاجته إذن لصواريخ (سكود) بعيدة المدى، وأخيراً يعزز هذه الآراء المكذبة للمزاعم الإسرائيلية أن السياسة السورية تعرف أبعاد ردود الفعل العدوانية الإسرائيلية على نقل هذه الصواريخ، ولا يبدو أن في نية سورية التسبب بعدوان إسرائيلي على منشآتها.
من اللافت للنظر تصريح الناطق الرسمي الأميركي، الذي أشار إلى أن نقل هذه الصواريخ يخل بموازين القوى، وكأنه يبلغ السوريين والعرب علناً بما يعرفونه ضمناً من أن الإدارة الأميركية تريد الحفاظ على توازن القوى الحالي المختل لصالح إسرائيل، وبالتالي ترفض إيجاد شروط جديدة للوصول إلى تسوية، مع علمها بأن خيار السلام هو الخيار الاستراتيجي لدى العرب، وأن الإخلال بميزان القوى الحالي إذا حصل يعزز هذا الخيار وربما يقنع الأوساط الإسرائيلية بضرورة قبول التسوية، وليس العكس.
لقد كان للتصريح الأميركي سواء بشقه القائل بأن الإدارة الأميركية أبلغت سورية قلقها أم بشقه الآخر الحريص على استمرار ميزان القوى الحالي، دلالات سياسية واضحة وهي أن الولايات المتحدة لا تريد الآن الوصول إلى أية تسوية.
وأن كل الجهود التي تعلن عنها والتصريحات التي تبدو معتدلة ما هي إلا لذر الرماد في العيون وتقطيع الوقت، ريثما توجد الشروط المناسبة للسياسة الأميركية نفسها، ولعل هذه الشروط لن تأتي قبل الانسحاب من العراق وأفغانستان.
إنه لمن المهم أخذ التهم والتصريحات الإسرائيلية بمزيد من الاهتمام، وعدم استبعاد احتمال أي عدوان إسرائيلي على سورية ولبنان بعد جمع الحجج المناسبة مهما كانت ملفقة، والعمل الجاد من قبل سورية ولبنان والعرب لسد الذرائع أمام إسرائيل وحلفائها.
البيان الإماراتية