تخويف سوريا والتخويف بها
عصام نعمان
مِن نُصْحِ دمشق وتحذيرها، انتقلت واشنطن بسرعة الى تخويف سوريا وتخويف الآخرين بها .
النُصح والتحذير ترددا كثيراً، منذ مطلع العام الجاري، على ألسنة مسؤولين امريكيين زاروا دمشق والتقوا الرئيس بشار الأسد، منهم الموفد الامريكي الخاص الى الشرق الاوسط جورج ميتشل، ونائبه فرد هوف، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ جون كيري، ومساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الاوسط جيفري فيلتمان، ومسؤول الشرق الاوسط في مجلس الأمن القومي دانيال شابيرو .
كل هؤلاء نصحوا سوريا بأن تبتعد عن ايران، وان تتوقف عن دعم حزب الله الذي تعتبره واشنطن “ميليشيا ارهابية”، وأن تتخلى عن دعم تنظيمات المقاومة الفلسطينية التي لها في دمشق مقار لقادتها لكونها ترفض مبدأ التفاوض مع “إسرائيل” .
ما المقابل؟ وعْدٌ امريكي بإقناع “إسرائيل” بجدوى التفاوض مع سوريا حول الجولان المحتل .
دمشق تجاهلت نصائح واشنطن وتحذيراتها، ليس لأن المقابل المعروض سخيف وهزيل فحسب بل ايضاً لأن سياسة “إسرائيل” التوسعية في ظل حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية العنصرية باتت تشكّل تهديداً خطيراً لوجود الشعب الفلسطيني في وطنه وشتاته ولسوريا وللبنان، شعباً ودولةً ومصيراً .
كان بإمكان واشنطن أن تستمر في إسداء النصائح وابلاغ التحذيرات الى دمشق لولا أنها شعرت، بعد انعقاد قمة الرئيسين السوري والايراني وقائد المقاومة اللبنانية السيد حسن نصرالله في العاصمة السورية اخيراً، بخطورة قيام قوس دفاع استراتيجي من شواطئ لبنان غرباً الى شواطئ الخليج شرقاً مروراً ببلاد الشام .
قوس الدفاع هذا لا يحمي ايران وسوريا والمقاومة اللبنانية من المخاطر العدوانية الصهيونية فحسب بل يشكّل ايضاً تهديداً للمصالح الامريكية في المنطقة . فهو يمدّ ذراع ايران العسكرية الى الجوار الجغرافي للكيان الصهيوني ويتيح لطهران حضوراً جيوسياسياً واستراتيجياً في حال قيام واشنطن بإسناد دور عسكري عدواني له ضدها .
دعم ايران وسوريا اللوجستي للمقاومة اللبنانية ليس سراً، فلماذا ترفع واشنطن فجأة صوتها ضد دمشق وتدعوها “الى وقف فوري لنقل أي أسلحة إلى حزب الله والى غيره من التنظيمات الارهابية في المنطقة”؟
ثمة تفسيرات عدة لهذه الغضبة المفتعلة:
دمشق، بلسان وزير الخارجية وليد المعلم، اعتبرتها تهيئة ومقدمة لعدوان “إسرائيلي” مبيّت على لبنان، وربما عليها ايضاً .
نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عرّج بشكل غير مباشر على موقف واشنطن في سياق تنديده بالتقرير الصادر عن تيري رود لارسن حول تنفيذ القرار الدولي 1559 بقوله، إنه تغطية لإنتهاك “إسرائيل” سيادة لبنان ولإعطائها الذريعة للاعتداء عليه وعلى المقاومة .
مساعد وزيرة الخارجية الامريكية للشؤون العامة فيليب كراولي اعترف في تصريح لصحيفة “واشنطن بوست” : “اننا لم نتوصل بعد الى أي حكم معين في ما يتعلق بحصول أي نقل للأسلحة” (من سوريا إلى المقاومة في لبنان) .
اذا كان الأمر كذلك، فلماذا هذه الحملة على سوريا؟
يتردد في واشنطن أن “إسرائيل” لفتت إدارة أوباما إلى أن ايران في صدد تزويد المقاومة اللبنانية، عبر سوريا، بصواريخ دفاع جوي متطورة من شأنها تعطيل قدرة سلاح الجو “الإسرائيلي” عن التحليق بأمان في سماء لبنان لمراقبة تحركات المقاومة، وان “إسرائيل” قد تضطر الى ضرب سوريا لإكراهها على وقف تزويد المقاومة اللبنانية بالاسلحة المتطورة .
دمشق، كما المقاومة اللبنانية، كانا نفيا نقل صواريخ متطورة من طراز “سكود” الى لبنان . الى ذلك، فإن “إسرائيل” نفسها كانت أعلنت منذ ثلاث سنوات ان حزب الله يمتلك صواريخ ايرانية الصنع متطورة جداً يصل مداها الى مدينتي بير السبع وايلات في اقصى جنوبها، فلماذا الحديث الآن عن صواريخ سورية متطورة اقصر مدى من الصواريخ الايرانية؟
يبدو ان ما تهدف اليه واشنطن من وراء الحملة على سوريا هو تخويفها والتخويف بها . تخويفها كي لا تتمادى في تحالفها مع ايران الى درجة “المجازفة بحصول سوء تقدير”، كما جاء في بيان الخارجية الامريكية، قد يؤدي الى نشوء “خطر فوري على أمن “إسرائيل” وسيادة لبنان . وتخويف لبنان بها، أي تخويفه بردة فعل “إسرائيل” تجاهه نتيجةَ تزويد سوريا المقاومة اللبنانية بصواريخ متطورة .
التخويف بسوريا لن يقتصر على لبنان، بل هو يتناول ايضا السعودية وحتى مصر . فلبنان، في مفهوم واشنطن، علاقته وثيقة بالسعودية الأمر الذي يستوجب ايغار صدر الرياض ضد دمشق بقصد الضغط عليها لوقف دعم حزب الله وبالتالي “انقاذ” لبنان من ضربة “إسرائيلية” مدمرة .
لذا، يجب ألاّ يغيب عن الأذهان أن “إسرائيل” تفتعل كل هذه التحذيرات والتهديدات لتفادي تقديم تنازلات محسوسة تشجّع الفلسطينيين على استئناف المفاوضات من جهة، وتحمل واشنطن على تركيز ضغوطها من جهة اخرى على ايران “النووية” بما هي، في نظر الزعماء الصهاينة، مصدر كل الاخطار على دول الغرب عموماً وعلى “إسرائيل” خصوصاً .
ربما لهذه الاسباب تم السعي الى ترتيب لقاء شرم الشيخ بين العاهل السعودي والرئيس المصري والرئيس السوري . فوق ذلك، لا يغيب عن اذهان القادة الثلاثة ان الولايات المتحدة لم تفلح بعد، ويبدو انها لن تفلح ابداً، في حمل “إسرائيل” على وقف الاستيطان لتسهيل أمر استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين قبل حلول موعد القمة العربية الاستثنائية في الخريف القادم . ألا يفترض بالقادة الثلاثة، بل بجميع المسؤولين العرب، أن يعيدوا النظر بسياسة الركون الى الولايات المتحدة والرهان عليها في ما يتعلق بالصراعات الاقليمية ولاسيما بالصراع العربي الصهيوني؟ هل يعقل ان تنعقد القمة العربية الاستثنائية القادمة وليس في جعبة المسؤولين العرب سوى المزيد من الشيء نفسه إزاء أمريكا و”إسرائيل” وسائر اعداء الأمة في فلسطين والعراق ولبنان والسودان والصومال؟ أما آن أوان الإقرار بأن لا حل سياسياً مع “إسرائيل”؟
متى الاستيقاظ من السبات المزمن؟
الخليج