وجهان للقانون السوري، واحد للفساد وآخر للسياسة
فلورنس غزلان!
لم يأت خبر ترتيب سوريا بين الدول الأكثر فساداً في العالم مفاجئاً للمواطن الذي يكتوي بنار الفساد والسلب ، ولا تختلف هذه النسبة بكثير أو قليل عن دول عاشت حروباً طاحنة كالعراق مثلا…فبالكاد يأتي الفارق ضئيلا…لكن الغرابة ليست في تفشي الفساد والرشوة والمحسوبية لدى دوائر النظام السوري وفي أرفع المناصب وضمن الحلقات الأعلى والأقرب للقيادة السورية، إنما في التغافل عن الانتشار وعدم محاربته كآفة اجتماعية تنخر المجتمع وتزيد من حدة الفوارق الطبقية ، أي تزيد وتوسع من طبقة الفقراء فتزداد فقراً ، بينما تتضخم جيوب الفاسدين أو” الأثرياء الجدد” فيزدادون جشعاً ويغرقون البلاد في فوضى واستشراء، خاصة عندما تقف القوانين عاجزة أو مغمضة العين عنهم لما لأيديهم من باع طويل يصل لأعناق الُقُضاة ــالأكثر فساداً حسب ما نشرته وقامت بدراسته على أرض الواقع صحيفة رسمية كصحيفة الثورة الناطقة بلسان السلطة ــ، وهذا مايشجع منتهكي القانون ومُحَوري الدستور بشكل يخدم مصالحهم ويجعل من البلاد مسرحاً لاقتناص الثروات وتكديس الأموال خارج البلد ، دون حتى أن يوظفوها ــ وهي المنهوبة من لقمة عيش المواطن ــ في مجالات تفتح أبواب توظيف وأعمال يمكنها أن تساهم في تخفيف نسبة البطالة، كما تعمل على تطور ونمو الاقتصاد الوطني..فالمشاهد والمراقب للقانون السوري وموقفه من هذا السوس القاتل للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد ، أو ممن يحاول أن يضع يده على الجرح فيكشف عن فساد حدث في هذا المصنع أو تلك الدائرة..ويجرؤ على المطالبة بالمحاسبة للفاسدين! ، فتكون النتيجة محاسبة من اكتشف الفساد ومن فضح الفاسدين لا من نهب وسرق أموال المشاريع أو حَوَّلها لمصالحه الشخصية ولجيوب المتعاونين معه!! ..ولكشف الوجه الحقيقي المتمادي في تطبيق القانون بشكل عادل ونموذجي يحتذى به بين دول العالم! ، نوافيكم بخبر هام:ـــ
في السابع عشر من الشهر الجاري ” أي بمناسبة عيد الجلاء” أحالت الأجهزة الأمنية لمحكمة الاستئناف الثانية كلاً من الصحفيَّين ( بسام علي، وسهيلة اسماعيل) والتهمة الموجهة إليهما كانت:ــ ” مقــــاومـــة النظــــام الاشــــتـراكــي “!! ، وذلك على خلفية تحقيقات صحفية معمقة قام بها هذين الصحفيين وتوصلا لنتيجة مفادها أن اختلاساً رهيباً وقع في الشركة العامة للأسمدة ” حمص ” ــ وقد اعتقدا أنهما باكتشافهما العظيم هذا سيحصلان على مكأفأة كبيرة يستحقان عليها ترفيعاً أو تكريماً وقد حصلا عليه فعلا ــ حسب التطبيق الواقعي المتناسب وسمعة الوطن ، القانون السوري الذي يحمي الفاسدين والمختلسين بينما يتهم المكتشفين للاختلاس ” بمقاومة النظام الإشتراكي” …وكل مافي الأمر أن التطبيق للقانون كان حرفياً فعلاً…بما أن النظام اشــــــتـــراكـــي ، فهذا يعني أنه يحق للمدير العام التشارك في مال الوطن!!!…بنسبة يستحقها هو ودائرة الشراكة الاشتراكية…لهذا حوسب هذين الصحفيين على جريمتهما وأحيلا للمحكمة لترى فيهما ماتراه …فلماذا يحشران أنفهما بمعمل أسمدة؟…فلو حصل وحشرا فضولهما بمعمل صابون فمن الممكن اتهامهما بغسل أموال أجنبية..وهذا بحد ذاته يعدُ تشويهاً لسمعة مدير عام شركة كبيرة واتهامه بالاختلاس في حين أن الرجل يقوم بدوره ومهمته الوطنية في تطبيق الاشتراكية!!…وهذا يعني وهن لنفسية المدير الحريص على نفسية الأمة وتشويه سمعة الوطن لدى دور نشر وصحافة وطنية ” لايقرأها أحد ” أو أجنبية!…وتعني كذلك إضعافاً للشعور الوطني العظيم الموجود لدى أمثال هذا المدير العام.، وربما على الصحفيين المذكورين أن يحمدا الباري العظيم أنهما لم يكونا محسوبين على طرف من أطراف المعارضة…ومن يدري فقد يتم تلبيسهما تهمة التعاون مع المعارضة ، أو السير في طريق معارضة النظام، وقد حدث هذا الأمر مع آخرين كشفوا فساداً في مناطق الجزيرة” الرقة ، الدير”، وكانت النتيجة تشريد المكتشف!.
فمابالكم بتطبيق قوانين الاستثناء والطواريء بحق من ينتقد ويطالب بديمقراطية وحرية تعبير وحرية رأي وصحافة…وقانون أحزاب ، وقانون جمعيات ومنظمات مجتمع مدني؟!!! خاصة في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد! ـ حسب ادعاء النظام ــ
وهي التي تقف ممانعة بوجه المخططات الاستعمارية والصهيونية، التي تهدد بإسقاط النظام وأسرة النظام ويأتي الرد على لسان السيد ” المعلم وزير خارجية السلطة الممانعة” قوياً مفحماً قاطعاً لالبس فيه…وأن الردع سيكون حاسماً ويطال مدن إسرائيل الدولة المرتزقة ـــ هذا كان قبل شهر من الآن!ــ …لكن عندما تتمادى الدولة العبرية وتصرح بأنه لو أطلق باتجاه شمالها صاروخاً باليستياً واحداً من نوع ” سكود وأخواته ” …من لبنان طبعاً أي من حزب الله…فستقوم إسرائيل بتهديم البنية التحتية السورية برمتها…وقد رد المعلم كذلك ، لكن الرد جاء أخف وطأة وحدة ينتابه التشكيك في نوايا إسرائيل عنه في السابق وصدرت الصحف السورية ” تشرين ” تتهم أمريكا خاصة بأنها تتبنى مزاعم إسرائيل وتكذب وتفتري، وأبدى السيد وزير الخارجية أسفه الشديد”! … لماذا ياترى هذا الفرق الشاسع بين الموقفين مع الفارق الزمني الضئيل؟..في المرة الأولى جاء الرد قاسياً واثقاً نوعاً ما ..! بعد زيارة أحمدي نجاد والسيد حسن نصر الله وتصريحاتهما النارية وسخرية الجميع من أحاديث كلينتون” وزيرة الخارجية الأمريكية”..
هل هناك معارض ما دخل على الخط فأوهن عزيمة وزير الخارجية السوري؟…مَن يدري فربما نفاجأ بعد فترة أن المسؤول عن الوهن الوزاري سببته محاكمة هيثم المالح ، أوأن علي العبد الله من سجنه ــ وقد أحيل على محكمة أمن الدولة ” المشهورة بسمعتها وحسن سيرتها وسلوكها وتطبيقها لقانون الطواري بعد مروره بالشرطة العسكرية ،في حين لم يبق على اتمامه لمحكوميته سوى شهرين فقط!!! ــ ، ربما يكون قد أصدر من سجنه بياناً أو رسالة أحبط فيها همة الحكومة السورية برمتها حسبما تزعم الوشايات المصدقة والموثوقة المصدر من سجناء مجرمين يُعَينون خصيصاً داخل المهاجع ويتم خلطهم وتحريضهم كما مكافأتهم حين يلفقون مزاعماً وأقوالاً لايأتي ذكرها أو الحديث عنها إلا حين تقترب ساعة الإفراج عن معتقل أنهى مدة حكمه!…وهذا ماسبق وحصل مع أكثر من معتقل سياسي وسجين رأي( أنور البني، كمال اللبواني ..) يراد له أن يبقى خلف القضبان أكبر مدة ممكنة حتى لو أنهى المدة الجائرة التي حكموه بها حسب قوانين الاستثناء الطوارئية!
القضية إذن قضية عزيمة أمة وأنباء غير صحيحة ” كاذبة” ربما ينشرها القابعين في السجن ويزورون حقيقة مصادرها لأن صلاتهم وراء القضبان صلات استعمارية تتجاوز قدرة الوزارات وهممها القومية والاشتراكية وروابطها غير الطائفية ! خلفها مخططات تسعى لاحباط عزيمة دولة الممانعة وإضعاف قدراتها على المقاومة بوجه إسرائيل وسعيها لإعادة الجولان الأسير منذ مايقارب الخمسة عقود..مَن يدري ربما يأتي فيه اليوم ويحملون سقوط الجولان وخسارته لطرف معارض !! ــ، رغم أنهم لم يتسلموا منصباً وجلهم لم يأكل وأسرته من خبز الوطن ــ…أما كل المعطيات والتسهيلات الصادرة عن دمشق لإرضاء وكسب مودة واشنطن في السماح من جديد لفتح المدرسة الأمريكية بعد أن أغلقت أثر سحب السفير الأمريكي من دمشق وانهيار العلاقات الثنائية…وكل مايصدر على لسان السلطة من تهذيب وترحيب بالسفير المنتظر ” روبيرت فورد”..كل هذا يصدر عن عزيمة لم تتأثر بما يصدر عن المعارضة السورية ورجالاتها، ولا عن القوانين المطاطة التي يخرقونها ــ حسبما صرح السيد رئيس البلاد لأكثر من صحيفة غربية ، “وأنهم يطبقون القانون حتى لو كان هذا القانون لايحظى بإعجاب دول أخرى” ــ القانون ــ!! الذي لايطبق بحق المفسدين في الأرض والناهبين لثروات الوطن والمحتالين …ويكفي لكم أن تقرأوا صحيفة النور والمرصد السوري أو حتى صحف النظام فربما أصبتم بالدهشة أو بالسكتة القلبية لمقدار الكم الهائل من حجم وأعداد السرقات والتلاعب بالوثائق الرسمية من أجل الاستيلاء على أراضي وعقارات تباع وتشترى دون علم أهلها المتوفين أو ورثتها الغائبين، وكم من الأراضي التابعة للدولة تباع بأبخس الأثمان لذوي القربى من أسرة النظام لإقامة مشاريعهم ” الوطنية” فوقها وأحياناً يتم التحايل على القانون فيجدوا تخريجة غير تخريجة البيع ــ خاصة حين تكون الأرض ملكاً خاصاً بالدولة ولا يجوز التفريط بها أو بيعها لأفراد ــ فيصدر بها قرار ” تأجير “!!ويقال أن الدولة قامت بتأجيرها للشركة القابضة والمستملكة والمقربة لمدة ” 90 عاماً فقط” بعدها تعود ملكيتها للدولة!!…مدة فعلا وجيزة وقصيرة…لكنها قانونية!!.. القانون صاحب الوجوه متعددة الأغراض!…وكله حسب القانون وسجل ياقانون واحمل فوق أكتافك…وكله تحت سمع وبصر قضاتنا العادلون…
تصوروا لو أن الله مَنَّ على العالم كله بقانون عادل مثل قوانيننا…إلى ماذا ستؤول أحوال العدل الكوني؟! .
ــ باريس 24/04/2010
خاص – صفحات سورية –
القانون في سوريا هو – مادمت من الهتافين بحياة بشار الأسد في الإحتفالات والمناسبات – الحزبية – فاعمل ماتريد وذنبك مغفور –