قتل هذه الشاعرة واجب.. أم إنّه جائز فقط!
محمد ديبو
تساءل أحد أعضاء المنتدى الإلكتروني” أنا المسلم” تعليقا على قصيدة الشاعرة السعودية حصّه هلال المليحان العنزي الملقّبة بـ”ريمية” التي انتقدت فيها الفتوى الشهيرة المحرّمة للاختلاط بين الجنسين، فقال : “ألا يرى أهل العلم أن قتل هذه الشاعرة واجب.. أم أنّه جائز فقط؟ وهل تقتل بحدّ الردة.. أم تقتل تعزيرا؟أخزاها الله وكشف خبيئتها”.
للوهلة الأولى ظننت أنّ الكلام السابق مجرّد كلام “منتديات” أو كلام عابر بلغة درويش، ولكن سوسة الشك دفعتني للبحث لأجد أنّ ما أورده عضو المنتدى ليس عبثا، وليس من بنات أفكاره بل هو مستمدّ من التراث الاسلامي وكلام الفقهاء، الذي جاء فيه ما يلي : اختلف فقهاء المسلمين في الدفاع عن النفس هل هو واجب ام جائز ؟ فظاهر مذهب الإمام أبي حنيفة ، والرأى الغالب في مذهب الإمام مالك : أنّ الدفاع عن النفس واجب لقوله صلّى الله عليه وسلم ( من شهر على المسلمين سيفا فقد أحلّ دمه )، والوجه الاول أنـــــه واجب لقوله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة )….”
هناك، إذن، فرق”فقهيّ” بين الواجب والجائز، ومن النص نفهم أنّ الواجب يعني أنّه مبرّر فقهيا( ولانقول دينيا) بشكل كامل، والجائز مبرّر بشكل جزئي، و في المعجم : الجائز هو الممكن، والواجب هو المثبت والملزم و اللازم.
والفرق بين الردّة والتعزير، هو الفرق بين العقاب بالحدّ الشرعيّ والعقاب بما هو دون الحدّ الشرعي، ففي حالة الردة تقتل شرعيّا، وفي حال التعزير تقتل بما هو دون الحدّ الشرعي!!
ممّا سبق، نجد أنّ القتل مثبت بالحالين سواء بالردة أم بالتعزير، وجوبا أم جوازا، لنسأل : ما الفرق بين القتل الجائز والقتل الواجب طالما أن النتيجة ستكون مقتل الشاعرة حال تلقف أحدهم هذا الكلام، كما تلقف أحد القتلة الجهلة سابقا صوت شيخه الذي قال له إن رواية “أولاد حارتنا” هي رواية “كافرة” فأخذ سكينه دون أن يقرأ الرواية و حاول حزّ رقبة مبدعنا الراحل نجيب محفوظ، وهو يحلم بالحور العين والأبكار التي سيفضّها في الجنة مكافأة له!!
وهذا التهديد ليس كلاميا فقط، بل يجب أخذه على محمل الجدّ، بعد أن طلب أحد أعضاء المنتدى المتشدد المعروف بتقربه من “القاعدة” وبثه بعض خطب شيوخها، عنوان الشاعرة قائلا : “هل يدلني أحدكم على عنوانها؟”
ولمن لا يعلم، الشاعرة “ريمية” هي شاعرة سعودية تحدت السلطة الذكورية والدينية والابوية وشاركت في برنامج “شاعر المليون” ووصلت المرحلة النهائية من البرنامج الذي تبثه قناة أبوظبي، وفاجأت الجميع بقصيدتها التي انتقدت فيها وبشكل مباشر لاهوادة فيه فتوى” الشيخ البراك” الشهيرة التي تحرم الاختلاط بين الجنسين وتبيح القتل لمن يفعله!!، حيث قالت الشاعرة أنّ الشر يلتهب في عيون الفتاوى، وشبهت الفتوى بالإرهابي “المسخ” -كما أطلقت عليه- الذي يرتدي حزاما ناسفا.
وقالت الشاعرة في قصيدتها “شفت شر يتوايق من عيون الفتاوي في زمان حلاله ملقحينه حرام، عن وجوه الحقايق لا رفعت الغطاوي بان مسخ تخفى تحت ستر اللثام، وحشي الفكر ساخط بربري عماوي، لابس الموت لبس وشد فوقه حزام”.
ولم تكتف الشاعرة بذلك فقط، بل تابعت هجومها في الصحف والمجلات ووكالات الانباء عبر تصريحاتها التي انتقدت فيها رجال الدين المتعصبين، وأعربت عن دعوتها للاختلاط بين الجنسين، وإن كانت دعوتها تأطرت فيما تسميه “الاختلاط الأبيض” أي بدواعي العمل فقط، ولنا أن نتفهم الامر في ظل الظرف السعودي فقط.
وماقامت به الشاعرة السعودية، يعطي مؤشرا واضحا، لما آل إليه وضع المرأة السعودية، لجهة تخطيها حواجز الخوف وجرأتها في رفع صوتها وفتح معارك لاجل حقوقها، و ازدرائها ونقدها للفتاوى الدينية الخارجة عن العقل والمنطق وإعلان تحديها لها، وهذا أمر يبشر أنّ الثيوقراطية في هذا البلد بدأت بالتآكل.
إنّ معركة الدين مع الشعر، ليست جديدة، بل هي قديمة قدم التاريخ وقدم الديانات نفسها، فأضعف العصور الشعرية وأردئها، في تقديري، هو عصر الخلفاء الراشدين، منذ بداية النبوة حتى بداية العصر الأموي، لأن الدين أخصى الشعر وقيد موضوعات الشعراء، وأطّرهم بين حدّين لا ثالث لهما، يتمثل الأول بـ “شاعر الرسول” حسان بن ثابت الذي استمرّ وجوده في تاريخ الشعر من ارتباطه بشخصية تاريخية، لا من أهمية ماكتبه، و الحد الثاني “شاعر الخليفة” الذي “يلحس رجل الخليفة من أجل خمسين درهم”، وفق قول الشاعر نزار قباني.
وفي العصر الحديث، إبان الحكم الطالباني لافغانستان، فاجأ أحد الأفغان زوجته الشاعرة “ناديا أوجمان” وهي تقرأ الشعر، فقتلها دون تردّد لأنّها تلوّثت ( وربما زنت !) مع محرّم ذكر هو الشعر !!
موقع الآوان