محمية إيرانية!
رنده حيدر
التأويل الإسرائيلي للأحداث التي شهدها لبنان الشهر الماضي كان قاطعاً وواضحاً. فما جرى هو انتصار سياسي لـ”حزب الله” ودليل ساطع على سيطرته شبه الكاملة على قرارات الدولة اللبنانية من الآن فصاعداً. وتراجع الحكومة اللبنانية عن قراراتها وموافقتها على اتفاق الدوحة الذي رعته قطر بمساهمة كبيرة من ايران وسوريا دليل قاطع آخر على انتصار سوريا وايران في مواجهتهما مع الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة في لبنان. في الخلاصة اسرائيل اليوم تواجه وضعاً مختلفاً في لبنان عما كان عليه سابقاً بحيث لـ”حزب الله” اليد الطولى في فرض التوجهات السياسية للدولة اللبنانية وهو قادر على ان يملي عليها إرادته، واذا رفضت او احتجت يمكنه فرض ما يريد بالقوة.
لم تعرب اسرائيل خلال الأعوام الثلاثة الماضية عن حماسة خاصة للتحرك اللبناني الشعبي المطالب بالسيادة والإستقلال والذي أطلقه اغتيال رفيق الحريري وأدى الى خروج الجيش السوري من لبنان، فالإسرائيليون لم يكونوا يؤمنون بالنموذج اللبناني للديموقراطية. تماماً مثل عدم اقتناعهم بفكرة الرئيس جورج بوش نشر الديموقراطية في العالم العربي، لاسيما انهم لمسوا آثارها في غزة بعد فوز حركة “حماس” في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وسيطرتها بالقوة على القطاع وطرد أنصار السلطة الفلسطينية من هناك. وهم يرون أن البديل من الأنظمة العربية التقليدية والديكتاتورية هو وصول “الأخوان المسلمين” وسيطرة التنظيمات الإسلامية الراديكالية على الحكم وهي التي تكن عداء كبيراً لإسرائيل.
ولكن تطور الأحداث في لبنان يجعل من الصعب على اسرائيل البقاء بمنأى عن التطورات الأمنية والسياسية التي شهدها لبنان، ليس فقط لأن ايران باتت أكثر قرباً من حدودها الشمالية، وهي تضيق الخناق عليها من الجنوب عبر “حماس” ومن الشمال عبر “حزب الله”؛ وإنما لأن ما جرى يهدد بصورة كبيرة كل التوازنات والترتيبات الأمنية والعسكرية جنوب منطقة الليطاني ويطيح كل ما اعتبرته الحكومة الإسرائيلية “انجازاً استراتيجياً” في حرب تموز 2006. فمن الآن فصاعداً “حزب الله” هو الذي يقرر مستقبل وجود قوات الطوارىء في الجنوب ويحدد مهماتها، ويمكنه في أي وقت يشاء أن يطلب منها الرحيل. وفي أي لحظة يمكن ايران أن تطلب من حليفها القوي في لبنان”حزب الله” تسخين الحدود مع اسرائيل. فلبنان في رأي عدد من السياسيين والمعلقين الإسرائيليين تحول الى محمية إيرانية.
ولكن السؤال الذي يطرحه الإسرائيليون اليوم على أنفسهم هو: ما انعكاسات الوضع المستجد في لبنان على مفاوضات السلام مع سوريا؟ عملياً هناك موقفان: موقف رسمي متمسك باستمرار المفاوضات واعطائها فرصة، وأكبر دليل على ذلك أن الإعلان الرسمي عن المفاوضات أتى في الحادي والعشرين من الشهر الماضي وتحديداً بعد السيطرة العسكرية لـ”حزب الله” على بيروت وإجباره الحكومة اللبنانية على التراجع. ويتبنى هذا الموقف رئيس الحكومة وفريقه.
وهناك رأي آخر يرى أن على الحكومة الإسرائيلية أن تولي إهتماماً أكبر لما يجري في لبنان لأن لذلك انعكاساته على المفاوضات مع سوريا. وينتقد أصحاب هذا الرأي العمى السياسي لدى أولمرت وطاقمه، ويعتبرون أن الأسد يستغل المفاوضات مع اسرائيل للخروج من عزلته وتحسين مكانته الإقليمية. في رأي هؤلاء صحيح أن لسوريا مصلحة كبيرة في استعادة الجولان ولكن ذلك لا يقلل من مصلحتها في احكام قبضتها من جديد على لبنان واستعادة زعامتها في العالم العربي والتمسك بحلفها الإستراتيجي مع ايران. تتبنى هذا الرأي أحزاب اليمين المعارض لحكومة أولمرت والمطالب برحيلها.
لم يعد لدى اسرائيل شك في استحالة قيام الحكومة اللبنانية بتجريد “حزب الله” من سلاحه، من هنا فهي تبحث عن أفق سياسي مع سوريا يستطيع أن يلجم أو يقيد استخدام هذا السلاح؛ أو على الأقل وقوف سوريا على الحياد في حال قررت اسرائيل من جديد حل مشكلة “حزب الله” من طريق القوة