صواريخ ومقتلة…
زياد ماجد
الى جانب الانتخابات البلدية والاختيارية وما عبّرت عنه من مفارقات في التحالفات ومن تداخل عائلي طائفي مدني يشبه المجتمع اللبناني بتناقضاته وإيجابياته وسلبياته، برزت في الأسبوع المنصرم قضيتان في المشهدين السياسي والإعلامي. هنا بعض الملاحظات حولهما.
– “أزمة الصواريخ”: إن كان يمكن فهم أسباب الاتهامات الاسرائيلية بعبور صواريخ “سكود” الحدود اللبنانية ووصولها الى “حزب الله” (لتحويل الأنظار الدولية عن فلسطين حيث الإدانة للسياسات الإسرائيلية تتصاعد وجعل هذه الانظار تتركّز على لبنان، أو لمواكبة الضغط الدولي على إيران بضغط على حليفيها اللبناني والسوري، أو حتى للتحريض ضد “حزب الله” كبديل عن انتفاء قدرة التأثير في التحريض ضد طهران – الذي لا تريد واشنطن وعواصم أوروبا دوراً أساسياً لإسرائيل فيه)، فما لا يمكن فهمه هو عدم نفي “حزب الله” لوصول الصواريخ إليه واكتفاؤه بالقول إنه غير معنيّ بالردّ على الاتهامات رفضاً لها أو تأكيداً. ذلك أن نفي الحزب يمنع إسرائيل من استغلال الموضوع للتهرّب من الضغط عليها في مسألة الاستيطان وتكثيفه في القدس الشرقية، ويحمي الساحة اللبنانية من تجاذبات دولية جديدة حولها. ونفيه – وهو المشارك في الحكم – يسهّل مهمة المسؤولين في اتّصالاتهم الخارجية لتأمين الدعم الدولي للبنان في مواجهة التهديدات. أما إبقاء الالتباس الراهن، فتذاكٍ في غير محلّه ولا يفيد إلا إسرائيل ومزاعمها، لأنه يتيح لها الاستمرار بحملتها، ويناقض الموقف الرسمي اللبناني، ولا يؤدّي في أي حال الى الردع الاستراتيجي الذي يقول به الحزب طالما أن السكود أو غيرها من الصواريخ إذ تُستخدم كذريعة من تل أبيب لضربة محتملة، فهي إذن غير رادعة، أو غير رادعة كفاية…
– مقتلة كترمايا: يتخطى الانتقام الجماعي من المتّهم بارتكاب الجريمة المروّعة بحقّ جدّين وحفيدتيهما في بلدة كترمايا حدود الوحشية وانفلات الغرائز والاستسلام الى طقس انفعالي يرى في الثأر من قاتل مفترض عدالةً وفي التشنيع بجثّته عبرةً، ليلامس حدّ الارتداد ليس عن حكم القانون وسيادته فحسب، بل عن فكرة التعاقد الاجتماعي وعن فلسفة الدولة ومبرّرات قيامها أيضاً.
فأن يشارك بعض رجال بلدة في ضرب مجرم وطعنه، ثم أن يلاحقوه الى مستشفى ليجهزوا عليه ويعرضوا جثّته المشوّهة على سطح سيارة قبل أن يعلّقوه على عامود في ساحة البلدة وسط زغاريد نسوة، فالأمر يبدو عودة الى قرون سحيقة لا مكان لرمزية سلطة فيها ولا محلّ لقضاء ولأخلاق، ولا رابط لها بزمن تشريع وتحقيق ومحاكمة ولا بقيم يُفترض بدولة أن تعزّزها وتتعزّز بها.
والأمر إن وُضع في سياق سياسي لبناني أعمّ، أظهر عمق الحاجة الى “الدولة” كفكرة وكمؤسسة، وأظهر خطورة تنامي الشعور بغيابها وباستسهال التطاول عليها وتهميشها في قضايا اختصاصها وفي جوهر وجودها: الأمن وحفظ النظام وتطبيق القانون ورعاية المصلحة العامة…
المشترك بين القضيّتين إذن، قضية الصواريخ “الاستراتيجية” وقضية المقتلة “المحلية”، يدور حول “الدولة”. فهل نملّ بعد ذلك من ذكرها كلّ ما أردنا البحث في مشكلة أو عرض هشاشة أو نقاش أولويّة؟