نسيان البدء .. بداية الفعل: سورية ما العمل الآن؟
غسان المفلح
إسرائيل تدخل على الخط السوري، مواجهة هذه المرة، دون غطاء دولي واضح حتى! إسرائيل تدخل وفي جعبتها رهان أزمة، وفي ديدنها حمولة تدفع ثمنها من دم الفلسطيني، ومن خراب السوري واللبناني، وما تبقى من الشعوب المحيطة بهذا الكيان المقدس. قداسته هي نفسها كما كانت حال تأسيسها، لم تأت من التوراة أو من التلمود، بل أتت وتأتي من سياق دنيوي غربي له امتياز المحرقة، والتخلص من نفايات الانتقال الرأسمالي – والذين هم يهود الغرب – عندما كان اليهود يسيطرون على النظام الربوي، الذي يمد الملوك والأمراء، بأسباب المجون في عالم ارستقراطي لا يعيش سوى نهابا. الخلاصة بسيطة: إسرائيل تدعم نظاما قمعيا وفاسدا، ليس معنى ذلك أنه نظام لا شبيه له في عالمنا، بل المسألة فرادة الحاضر في أزمته، التي أدخل فيها سورية شعبا أولا، في مخاض المجهول الذي حول المواطن السوري، إلى سفير سيئ لبلاده، في بلاد الله الواسعة التي يهاجر أو يحاول الهجرة إليها. سفير سيئ لأنه بات يلعب نفس لعبة السلطة، لخوفه من المجهول يدافع عن حاضر مأفون. هو لا يخاف من المجهول بل يخاف من سيد هذا المجهول، عراقيا كان، أو أن يأتي الإمام الغائب في شكل سلة تفاح تغري الرجال على قلتهم. أو يأتي كحجاج آخر، لا يستطيع العالم استيعابه أبدا، فتضرب سورية نزعات التشظي والتقاسم الملون بالدم، لأمراء طوائف ينتظرون دورهم على قارعة سؤال بسيط: أين ومتى تبدأ لحظة انهيار النظام؟ أمراء يجلسون على موائد حفنة من الرجال ولدتهم الطوائف ولم تلد غيرهم بعد. يتقاسمون دماء شعب، لم يكن في حاجة لهم قبلهم، ولن يكون في حاجتهم مستقبلا. تستطيع سورية العيش بدون هذه الحفنة من الرجال، حتى منهم من يلبس لبوس الاعتراض السياسي، في قبعة طائفية أو دينية أو أثنية. أكثر ما استطعنا أن نقوله: بيضوا أموالكم وفسادكم، ولكن خففوا من جشعكم، لهذا عندما اختلفنا، قلنا نقبل الحوار مع نظام فاسد وقمعي. واكتشفنا خيبتنا مرة أخرى، أن الفساد والقمع لا يقبل غير لغة القوة. ولكن هل نصبح مثله نحمل عنوان العنف ونمضي، سواء مستنجدين بالخارج أو مستنجدين بالداخل، الذي أصبح يتحرك على نار الانتظار للحظة انفلات غير محسوبة؟
إسرائيل بفتحها باب التفاوض الأخير عبر إسلاميي تركيا، حماة الحجاب والدولة الدينية! مرفوعة على أس التمسك بالسلطة، والخوف من عسكر العلمانية، لهذا يريدون خدمة إسرائيل مجانا. لم تكن وليس في نيتها إعادة الجولان، بل في نيتها فقط، حماية الخراب واستمراره، لأن حربا أهلية في سورية، تساعدها على قضم الجولان بالتقادم الدموي. واختباء بوش تحت عباءة العراق المدمي بالطائفية والإرهاب والنفط الأمريكي المجلجل، ذي الصوت الأكثر ارتفاعا، في أروقة الإدارة الأمريكية، تمخض عن فأر فيما حدث في لبنان، من اجتياح طائفي وسياسي لبيروت الجريحة أبدا. إنها لوحة تشبه التعاليم السرية في الكتب غير المقروءة إلا لمن يتبعها، ألم يزل اليهودي يعيش على فتات هذه السرية؟! يعتقد نفسه كما العرب معه، أنه يقود العالم من خلف حجاب لا يرى. في ظل هذه اللوحة؛ ما العمل في سورية؟
دون التواء علماني أو إسلامي أو سلطوي، الديمقراطية وتداول السلطة بين الفاسدين مؤقتاً هو الحل. وتتحول أموالهم إلى أموال قانونية جنوها بعرق جباههم أو ورثوها عن أجدادهم. ليصبح رئيس أي جهاز استخبارات أو أي مسؤول سابق، وزيرا في حكومة ديمقراطية، أو نائبا هو أو واحد من أحفاده أو أبنائه، يدافع عن مصالح الشعب السوري من على قبة البرلمان! الذي أنشأته فرنسا. وعلى المعارضة التي دفعت من حياتها وحياة أبنائها ولا زالت سجونا، وخاصة من هي موجودة في الداخل، أن تقبل بأن دورها يأتي، لإنهاء الفساد لاحقا بعد الديمقراطية، التي ستبدأ حتما مريضة بكل أمراض المجتمع الحالي، إن بدأت؟ علما أننا نعرف أن السلطة لن تقبل بهذا الحل مطلقا، لن يقبل أي رجل من رجالاتها التنافس علنا وعبر صندوق الاقتراع مع رجل آخر من نفس الطينة الفاسدة والقمعية والتي حمت نفسها بإفساد المجتمع كله من ألفه إلى يائه. إنهم تعودوا على تقاسم الثروة المنهوبة تحت الطاولة وفي العتمة الطائفية. لا يريدون أبدا أن يستثمروا وطنا، بل يريدون نهب مزرعة (..). هل كل هذا لا تعرفه إسرائيل؟
(..) السؤال الأساس والذي نهرب منه جميعاً، إذا افترضنا أن الديمقراطية هي الحل: كيف نصل لكي يقتنع الفاسدون، بأن الديمقراطية هي الحل لهم ولنا ولسورية بكل أبنائها؟ وإن لم يقتنعوا وهذا هو الواضح حتى اللحظة، كيف نصل إلى تلك الديمقراطية؟ وجدت نفسي لا أستطيع الكتابة عن جواب سؤالي: ما العمل؟ لأنني ببساطة لا أعرف ما هو الجواب!
ليس يأساً، لكنه جواب بحجم هذه الفجيعة.
كاتب سوري – سويسرا