حركة فتح الله غولن التركي المقيم في أميركا، إرسالية مسلمة: المبشِّر ومعلموه
بلين تورغوت
تشرين الأول 1992. الاتحاد السوفياتي كان قد تفكك، والفوضى تعمّ في الأراضي التي كانت تابعة له. ثلاث مرات في الأسبوع، تتّجه طائرة تشارتر روسية تصدر صليلاً وتمتلئ بالشبّان المسلمين الشديدي التديّن، من اسطنبول شرقاً عبر السهوب القاحلة والمنخفضة نحو عواصم آسيا الوسطى. الرجال أنيقو المظهر، يرتدون بذلات سوداء ويضعون ربطات عنق سوداء، وقد شذّبوا شواربهم ويعرفون ما يريدون. بالنسبة إلى معظمهم، هذه أول غزوة لهم خارج مسقط رأسهم، فما بالكم على متن طائرة، لكن إيمانهم كبير جداً بفتح الله غولن، الإمام التركي المسلم الذي يبجّلونه. كان غولن يحضّهم: “طيروا كما السنونو إلى هذه البلدان التي تحرّرت حديثاً، تعبيراً عن أُخوّتنا”.
وقد طاروا فعلاً.
توزّع مئات المعلّمين المتطوّعين في الجمهوريات الخمس في آسيا الوسطى. كانت هذه بداية حركة عالمية هي الآن من أكبر وأقوى الحركات التي تتنافس على مستقبل الإسلام في مختلف أنحاء العالم. هناك ما يُقدَّر بألف مدرسة تابعة لغولن في مئة بلد – من ملاوي إلى الولايات المتحدة – تقدّم مزيجاً من العقائد الدينية ومنهاجاً دراسياً غربياً في جزئه الأكبر. كلها تستلهم من غولن، وهو مبشِّر متقاعد ومثير للغموض يشرف على المدارس – وأمبراطورية أعمال قيمتها مليارات الدولارات – انطلاقاً من أحد الأماكن الأقل توقّعاً: ريف بنسلفانيا.
تعرّف عبد الرحمن سيل، وهو مدرِّس كيمياء طويل القامة وهزيل يتكلّم بلكنة أميركية سلسة، إلى حركة غولن عندما كان طالباً في المدرسة الثانوية في اسطنبول. كان والده يعتقد أن طبيعته الثرثارة يمكن أن تجعل منه محامياً جيداً، غير أن سيل أُلهِم بأن يصبح مدرِّساً لأن غولن يعتبر مهنة التعليم الشكل الأسمى من الخدمة. فهو يؤمن أن السبيل الوحيد كي يصمد الإسلام أمام الحداثة الكافرة ويكتسب مجدداً مكانة في الحياة العامة هو من خلال “جيل ذهبي” جديد يستطيع أن يجمع بين التفكير العلمي الغربي والمعتقدات الدينية. من هنا المدارس التي أنشأها.
تسجّل سيل للذهاب إلى آسيا الوسطى عام 1993، ووقعت عليه القرعة بأن يتوجّه إلى مدينة شيمكنت جنوب كازاخستان. يتذكّر: “لم تكن واردة حتى على الخريطة أو في الموسوعة. لم يكن هناك إنترنت في ذلك الوقت. لكنني كنت قد تخرّجت من الجامعة للتو، وكنت عازباً. كانت مغامرة كبيرة. وكنّا أيضاً مدينين أخلاقياً لشعوب آسيا الوسطى. إنهم إخوتنا”. يرى أتراك كثر في آسيا الوسطى موطن أجدادهم، ويتشاطرون رابطاً إتنياً ولغوياً مع شعبها.
من عاصمة كازاخستان آنذاك، آلما آتا، سافر سيل في الحافلة وفي سيارة نقل مشترك إلى مدينة المناجم الكئيبة وتوجّه إلى هيكل مبنى مدرسي تبرّعت به السلطات الكازاخستانية. يروي: “لم تكن هناك تدفئة. علّمت طوال أشهر وأنا أرتدي الفرو والقفّازات. كنّا نمضي عطلة نهاية الأسبوع في مزج الإسمنت ورصف القرميد”. في البداية، كان السكّان المحليون حذرين من هؤلاء الغرباء الذين لم يكونوا يتكلّمون لغتهم، ويضعون ربطة عنق حتى في عطل نهاية الأسبوع، ويرفضون الفودكا المنتشرة في كل مكان كما المياه. يقول: “توقّع الجميع أن نرحل بعد بضعة أشهر. لكن عندما بقينا، احتضنونا”.
سيل هو الآن مدير 28 ثانوية في كازاخستان، علماً بأن عددها كان ثلاثة فقط عند وصوله. من يريد التسجّل في هذه المدارس، عليه الخضوع لامتحان تنافسي. هذه السنة، تقدّم 30 ألف تمليذ بطلبات لملء 1400 مقعد، وكل من تحدّثت معهم في آلما آتا، من مسؤول عن صفحة الموضة إلى قطب في مجال البناء، يريدون تسجيل أولادهم في هذه المدارس. أولاد شقيق الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نازارباييف هم في عداد طلاّب سيل.
لم يزر غولن، الإمام المتقاعد البالغ من العمر 68 عاماً والذي يقف وراء هذا المشروع الضخم، آسيا الوسطى قط. يعيش حياة تقشّف في ملكية عقارية في بنسلفانيا حيث يقيم منذ عام 1999 لأسباب طبية؛ وكذلك لتفادي مواجهة الاتهامات (التي أُسقِطت أخيراً) بالسعي إلى إطاحة النظام العلماني في تركيا. رفض غولن طلب “تايم” إجراء مقابلة معه، مبرّراً الأمر بسوء حالته الصحية. مهمة حياته هي إنشاء نخبة مسلمة جديدة مرتبطة بتركيا، ضليعة في العلوم والتكنولوجيا، وناجحة في اقتصاد عالمي قائم على السوق الحرة، إنما شديدة التديّن. تُعلِّم المدارس – تتمتّع باستقلال ذاتي، إذاً ليست “مدارسه” تقنياً – منهاجاً غربياً باللغة الإنكليزية يركّز على العلوم والرياضيات داخل قاعة التدريس (على الرغم من أن الخَلْق يُقدَّم كحقيقة إلى جانب نظرية النشوء)، وعلى المحافظة المستندة إلى القيم العائلية المسلمة خارجها. في حقبة تواجه فيها معظم المدارس المذهبية صعوبات، تزدهر المدارس
التركية، بحسب التسمية التي تُعرَف بها.
يقول بيل بارك، وهو محاضر في الدراسات الدفاعية في جامعة كينغز كوليدج في لندن يغطّي الشؤون التركية: “يروّج غولن نوعاً من “الإسلام التعليمي” في مقابل “الإسلام السياسي”. ويضيف أن غولن أمل في أن يُحقّق من خلال المدارس “أسلمة” للحداثة”.
جاذب عاطفي
أسلوب غولن مشابه للطريقة التي ينشر بها اليسوعيون الكاثوليك الدين عبر التركيز على التعليم المتكامل والمتماسك. في الواقع، المجنَّدون الأوائل لدى غولن تعلّموا على يد إرساليات مسيحية تملك خبرة في أفريقيا وأميركا الجنوبية. الأسلوب هو أيضاً مثار جدل كبير، وقد أغلقت روسيا وأوزبكستان العديد من المدارس. حسب الشخص الذي تسأله، غولن هو إما قدّيس وإما الخميني المقبل (على الرغم من أنه ينتقد إيران والسعودية لأنهما ألحقتا الأذى بسمعة الإسلام). يناديه أتباعه “الخواجة أفندي” (المعلّم المحترم).
ولد غولن في قرية فقيرة شرق تركيا وبدأ دراسة القرآن في صغره بإرشاد من والده الذي كان مبشِّراً. في بداية بلوغه، “اشتعل حماسةً” عند اطّلاعه على أعمال سعيد النورسي، وهو مفكّر إسلامي في مطلع القرن العشرين استلهم من الصوفية وشدّد على البعد الفردي للإيمان وسعى إلى التوفيق بين الفكر العلمي الغربي والإسلام. تدرّب غولن كمبشّر مجاز من الدولة، واعتباراً من عام 1996 باشر بناء قاعدة من المناصرين الأوفياء في مدينة إزمير الغربية.
بدأ تنظيم مخيّمات صيفية يعلّم فيها مبادئ الإسلام، ثم أقنع رجال أعمال محليين بتمويل بناء مهاجع خاصة للطلاب الجامعيين ذوي الدخل المنخفض القادمين من المناطق الريفية. كان الطلاب يحصلون على غرفة وطعام مجاناً في مقابل “وجبة” يومية من الصلاة والاستماع إلى تسجيلات غولن الصوتية. شكّل ذلك انطلاقة شبكة واسعة من المدارس والجامعات والأعمال التي تروّج كلها الأخلاقيات المستندة إلى الإسلام. وقد راح يجول في تركيا خلال الثمانينات والتسعينات لتوطيد هذه الشبكة.
على غرار مبشّر إنجيلي أميركي، تكمن جاذبية غولن في شكل أساسي في طريقة إلقائه. فهو بارع في التعاطي مع وسائل الإعلام وسريع التأثّر إذ إنه غالباً ما يبدأ بقول الشِعر أو يجهش بالبكاء. يضرب هذا وتراً حسّاساً لدى ملايين الأتراك الذين يشعرون أن تركيا الحديثة والعلمانية أبعدتهم عن معتقداتهم الإسلامية. كما أنه يعظّم الماضي الإمبريالي العثماني، ويشعر بالحنين إلى زمن كان الدين فيه جزءاً من الحياة العامة وكان الأتراك أكثر جبروتاً بكثير. لا يقدّم تفسيراً جديداً للإسلام – فهو يعتبر أن المبادئ الإسلامية كما يكشفها القرآن غير قابلة للتغيير – لكنّه يهتم بالمشاغل الحديثة مثل إدارة عمل ناجح أو الطريقة التي يصلّي بها المرء عند وجوده على متن طائرة. لا يطلق لحيته ويرتدي بذلات. منذ أحداث 11 أيلول، جعل الحوار بين الأديان أولوية. يعقد أتباعه عشرات الاجتماعات في هذا السياق في مختلف أنحاء أميركا الشمالية كل أسبوع.
لكن بالنسبة إلى الأتراك العلمانيين، غولن شخصية شرّيرة، محرّك دمى يحضّر كوادره للسيطرة الإسلامية الكبرى. يتّهمون غولن بممارسة “التقية”، وهو مفهوم إسلامي يستطيع المؤمنون بموجبه إخفاء نياتهم الحقيقية إذا كانت الظروف تقتضي ذلك. أظهر شريط صدر عام 1999 وغالباً ما يُستشهَد به، غولن يدعو مؤيّديه إلى “العمل بصبر” و”التسلّل بصمت” إلى مؤسسات الدولة من أجل اكتساب نفوذ. وقد زعم أنه جرى تحريف كلامه.
نظراً إلى العداوة من العلمانيين، تعتمد الحركة السرّية والتكتّم. ليست هناك بيانات موثوقة حول عدد أتباع غولن لأنه لا يُشترَط التسجّل للانضمام إلى الحركة، كما أنه ليس لها وضع قانوني رسمي. لكنها تزداد قوة. يُقدَّر عدد مناصري غولن بستة ملايين على الأقل، وفقاً لأكاديميين يجرون أبحاثاً حول الظاهرة (الأكثر إثارة للمفاجأة هو تقديرات وزير داخلية سابق بأن 70 في المئة من عناصر الشرطة الوطنية في تركيا هم من أتباع غولن). يقول صحافي التقصّي نديم سينر: “لو كانوا حزباً سياسياً، لحصلوا على 20 إلى 25 نائباً. أي حركة تمارس كل هذا النفوذ يجب أن تكون شفّافة، مثل منظمة غير حكومية. من ينتمي إليها؟ كيف تُموَّل؟ ماذا يجري في المدارس التي تديرها؟ ما هي أهدافها السياسية؟ كل هذه المسائل محاطة بالسرّية”.
تعليم
بالنسبة إلى شخص مثلي واسع الاطّلاع على المدارس الكاثوليكية، تبدو المدارس التي زرتها في آلما آتا وبشكيك مألوفة. هناك فصل بين الجنسَين إلى حد كبير. في مدرسة الفتيات في آلما آتا، ترتدي الطالبات تنانير ذات مربّعات أطول بقليل من تنانير أترابهنّ في مدارس أخرى. يثير التبرّج الاستياء، وتُقفَل أزرار القبّة، وهناك تركيز على “الفتاة الصالحة”.
سُمِح لي التجوال بحرية والتحدّث مع الطالبات. إنهنّ جدّيات وعيونهن مشرقة، ويجعلن الطالب الثانوي الغربي يبدو منحطاً جداً بالمقارنة معهن. لا وجود لأولاد سيئين يدخّنون سراً في زاوية، ولا سراويل فضفاضة ومنخفضة الخصر أو أنوف مثقوبة. يردن جميعهن أن يكنّ مهندسات وطبيبات “مفيدات لبلدنا”. تقرأ مجموعة من طالبات صف التخرّج اللاتي يدرسن بجهد لامتحان “سات” الخاص بالدخول إلى الجامعة، لائحة بجامعات النخبة الأميركية اللاتي يتقدّمن بطلبات للالتحاق بها. مازحتهنّ بإخبارهن عن حفلات شرب الجعة من البرميل، فشعرن بالروع بعض الشيء. قالت نازركيم إيديباييفا، 16 عاماً، وهي تسوّي بعناية نظارتها ذات الإطار الحديدي: “أظن أنه لا يمكنك أن ترفضي بالمطلق. لكنني لا أعتقد أنني بحاجة إلى الجعة كي أتسلّى”. تدين المدارس بنجاحها في جزء منه إلى السيطرة المحكمة. كل دقيقة في اليوم منظَّمة. التعليم الداخلي إلزامي، ويعيش الطلاب مع “إخوة” و”أخوات” أكبر سناً يكونون بمثابة مرشدين لهم والمؤتمنين على أسرارهم. في البداية، جاء هؤلاء الإخوة والأخوات من تركيا، لكن خرّيجين محليين حلوا مكانهم لاحقاً. “التمثيل”، أو القدوة عبر إعطاء المثل، أساسي لا سيما وأن التبشير محظور في معظم دول آسيا الوسطى. تقول برنا تورام، وهي عالمة اجتماع في جامعة نورث إيسترن أمضت عقداً في دراسة حركة غولن: “يجري تدريب الأولاد اجتماعياً على نمط حياة مسلم”. وتضيف “هناك عالم ديني جداً يتم تلقينه العقيدة من خلال نشاطات خارج المنهاج الدراسي. هذا ما يجعل المدارس شبيهة بالمدارس الكاثوليكية”.
تروّج المدارس أيضاً بقوّة الاعتزاز التركي. كلّها تعلّم اللغة التركية، واسطنبول هي الحلم الذي يراود مخيّلة الطلاب، تماماً مثل مدينة نيويورك في أماكن أخرى من العالم. على النقيض من تركيا الشبيهة بالغرب، يلقى هذا المزيج من الاعتزاز الإتني والقيم المسلمة والتعليم العلماني ترحيباً في آسيا الوسطى التي تبحث عن هوية بعد الحقبة السوفياتية. تقول دانا أريستانبيكوفا، 33 عاماً، التي تدير شركة بناء ضخمة في آلما آتا وسجّلت ابنتها دينارا أخيراً في مدرسة الفتيات: “في ظل الحكم الروسي، نسينا تقاليدنا وقيمنا. تتمتّع المدارس بمستوى عالٍ جداً من التعليم باللغة الإنكليزية، كما أنها تعلّم القيم التركية، القيم المسلمة الجيّدة، تعلّم التربية [حسن السلوك]”. في البداية، كانت المدارس مجانية، أما الآن فتتقاضى أقساطاً – ليس الهدف تعليم الفقراء بل تدريب نخبة للمستقبل. يبلغ القسط في آلما آتا خمسة آلاف دولار في السنة. تكلّف إدارة مدرسة 800 ألف دولار سنوياً، وهنا يأتي دور الأعمال – والعُشر.
إليكم كيف تعمل “شركة غولن”: عام 1991، جمع غولن عشرات رجال الأعمال من مدن تركية مختلفة، وكلّف كل واحد منهم مدينة معيّنة في آسيا الوسطى. فطُلِب من رجل الأعمال في مدينة أدابازاري الغربية الاهتمام ببشكيك، ومن رجل الأعمال في إزمير الاهتمام بآلما آتا. أرسل كل منهما وفداً ليعيش هناك وينشئ أعمالاً تعنى باستيراد المأكولات أو الأنسجة أو أجهزة التلفزيون. وقد أفادت المجموعة من غياب البنى التحتية الذي تسبّب به انهيار الاتحاد السوفياتي وبنت روابط مع المسؤولين. وفي نهاية الأمر، مُنِحوا مبانٍ أو قاعات تدريس شاغرة. يقول سيل، أستاذ العلوم: “إنه تبادل للمنافع. تغذّي المدارس والأعمال بعضها بعضاً”. على غرار الخلايا، البرنامج الخاص بكل بلد مستقل تماماً في ذاته، مع وجود مكتب خاص به في تركيا. على الرغم من أن كازاخستان وقيرغيزستان هما على مسافة ساعتَين فقط في السيارة، لا يعرف مديرو البرامج في كلا البلدَين بعضهم بعضاً.
كانت سوليش كوزاينوفا التي كان عمرها 35 عاماً في ذلك الوقت، مسؤولة عن المنشآت في وزارة التربية والتعليم في آلما آتا عام 1992 عندما دخلت مجموعة من الرجال الأتراك مكتبها. لم يكونوا يتكلّمون لا الكازاخية ولا الروسية، لكن “فهمتُ أنهم يريدون مبنى لمدرسة”، كما تقول. وقد أعطتهم قاعتَي تدريس، واحدة للصبيان وأخرى للفتيات، وتقاضت ثمنهما بواسطة أكياس من النقود نُقِلت من تركيا. قالت وهي تسحب صورة مؤطَّرة لغولن الذي تصفه بأنه معلّمها، من حقيبة يدها: “عرفت على الفور أنهم أشخاص صالحون وشرفاء”. وأضافت “كان من المستحيل ألا نتأثّر بهم. في ذلك الوقت، كانت الفوضى تعم في كازاخستان وقد جاء هؤلاء الأشخاص لمساعدتنا”. عدد كبير من الأشخاص الذين تكلّمت معهم أعربوا عن مشاعر الامتنان. قال محسن كارادمير، وهو متعهّد عقارات كازاخستاني: “كانت كازاخستان آنذاك مثل أفغانستان اليوم. لم يكن بإمكانك السير في
الشارع لأن أحدهم قد يشهر مسدّساً في وجهك”.
تساهم المدارس في تعزيز الأعمال؛ يرعاها الخرّيجون وتتكوّن شبكة من التلامذة القدامى. بدأ صاحب المطاعم سانكاك دميرسي عام 1994 مع دكان صغير يقدّم الكباب في وسط آلما آتا. قبل عامَين، وسّع أعماله وأصبح لديه مطعم أنيق ورخامي من طبقتين، وهو على وشك إطلاق ثلاثة امتيازات في كازاخستان. يقول: “عندما تُستدعى للخدمة وتتحلّى بالإيمان، يمكنك فعل أي شيء. تخيّل نوعاً من الحب يفوق ذاك الذي تشعر به حيال أولادك، هذا ما تتشاطره هذه المجموعة. كل ما أملكه هو للمدارس”. يقول إنه يتبرّع بنصف إيراداته الشهرية لدعم القضية.
وجهان
باتت المدارس أقل اعتماداً على المانحين الأتراك بعدما أصبح الأهل والخرّيجون يساهمون في تمويلها. يقول كارادمير “لا أعرف أحداً لا يدعمهم. لست متديّناً. لكنني معجب بالعمل الذي يقومون به. هل كنت لآتي إلى هنا في ظل تلك الظروف؟ بالتأكيد لا. أما هم فقد فعلوا. والناس يقدّرون ذلك ويشعرون بالامتنان”.
للحركة وجهان. فعبر الانتشار في الخارج في ظل أنظمة علمانية في معظمها، تنضج وتصبح أكثر تسامحاً. لا شك في أن الشبّان الذين يديرونها يتقيّدون بقوانين صارمة (صانعو القرارات هم جميعاً من الرجال، نادراً ما تعمل زوجاتهم). يؤمنون بحقيقة واحدة، ويعتبرون أن كل الباقين هم بحاجة إلى الخلاص. لكنهم يعلّمون أيضاً أولاداً من مختلف الأديان، ويشاهدون فيلم “كونغ فو بندا” مع طلابهم، وغالباً ما يتكلّمون الروسية بطلاقة ويقفزون فوق الشعلة في النوروز، وهو تقليد وثني يُحتفَل به في رأس السنة. يقول سيل “إذا كان الناس خائفين منا، فهذا يعني أننا لم نشرح أنفسنا لهم. الله وليس
أنا هو الذي يحكم على نمط حياة الآخرين”.
لكن إذا أضفنا إلى تلك الحماسة الشديدة السعي إلى السلطة، يصبح الأمر معقّداً. في تركيا، الحركة معزولة، وهي تنمو، ويبدو أنها تخبّئ أجندة سياسية غامضة. يقول بارك، المحاضر في كينغز كوليدج: “من ناحية هناك نشاطات مثل المدارس التي من الصعب ألا تثير إعجابك. ثم هناك العنصر السياسي الذي يبدو مثيراً للشبهات لأن الحركة غنية وسرّية ولا أحد يعرف فعلاً ما الذي تخطّط له”. يقول غولن إنه يعارض الثيوقراطية، غير أن أنصاره يلمّحون إلى أنهم يرغبون في مساحة أكبر للإسلام في الحياة العامة. لكن كيف سيتحقّق ذلك؟ ربما يتوّقف الشكل الذي ستّتخذه العلمانية في المستقبل في تركيا – وفي مختلف أنحاء العالم الإسلامي – على الجواب عن هذا السؤال.
“تايم”
ترجمة نسرين ناضر
( معلّقة سياسية وثقافية تركية في مجلة “تايم”)
النهار