صفحات العالمما يحدث في لبنان

اللبنانيون يحللون

ساطع نور الدين
أغرب ما في النقاش المحلي الذي يدور حول الحرب التي تستعد اسرائيل لشنها على لبنان، وتحشد لها امكاناتها السياسية وقدراتها العسكرية، وتوفر لها مبرراتها اليومية امام الرأي العام الاسرائيلي والدولي، ذلك القفز المفاجئ الذي يؤديه الكثيرون من اللبنانيين نحو الداخل الاسرائيلي، حيث يسارعون الى مشاركة الاسرائيليين في تحليلاتهم ويتقاسمون معهم استنتاجاتهم بأن الحكومة والمؤسسة العسكرية والمجتمع ليسوا جاهزين ولا راغبين في الحرب، لاسباب عدة اهمها انها لا تخدم ايا من المصالح الاسرائيلية الحيوية.
وهكذا، صار معظم المسؤولين والسياسيين والمحللين اللبنانيين اكثر دراية بالمصالح الاسرائيلية من الاسرائيليين انفسهم، وأوسع اطلاعا على ما يدور في رأس رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وبقية اعضاء حكومته وقيادة جيشه من خطط وافكار حول الجبهة اللبنانية التي فتحت مؤخرا على اوسع واخطر نطاق، واستنادا الى شائعات لم يسبق لها مثيل، لا تزعم خرق التوازن العسكري فحسب، لكنها توحي بان العاصفة المقبلة ستكون اكبر من كل العواصف التي سبق ان تعرض لها لبنان.
التقدير الشائع في لبنان والذي لا يقبل الجدال حتى الآن، هو ان الاسرائيليين خائفون من الحرب، مع ان هذا لم يكن من شيمهم ولا من خصالهم، فالحروب كانت منذ قيام دولتهم ولا تزال اسلوب حياة طبيعيا، بل جزءا اساسيا من تكوينهم ووعيهم ووظيفتهم، وهي لم تفارقهم يوما حتى عندما كانوا يتوجهون الى قاعات التفاوض لتوقيع معاهدات السلام مع بعض العرب. والكل يذكر ان هذه المفاوضات على جبهة ما كانت حافزهم لشن الحرب على بقية الجبهات. وهذا ما لا يجوز لأي لبناني ان يخطئه عندما يرى استئناف التفاوض على المسار الفلسطيني ويفترض ان الاسرائيليين لن يعمدوا الى جباية ثمن مسبق لهذا «التنازل» الذي قدموه الى الادارة الاميركية والرأي العام الاوروبي والعالمي!
والتحليل السائد هو ان المسؤولين الاسرائيليين انما يشنون حملة التهديدات الواسعة لانهم من جهة يريدون طمأنة جمهورهم الذي يخطط للفرار على اسرع طائرة او اقرب سفينة، ولأنهم من جهة اخرى يودون ترهيب لبنان وردع مقاومته عن المبادرة الى اشعال حرب مباغتة او سابقة لاوانها.. قبل ان تكتمل التجارب على الانظمة الاسرائيلية المضادة للصواريخ وقبل ان ينجز الجيش الاسرائيلي مناوراته المقررة استعدادا لحرب لا يريدها ويعمل بأقصى طاقته على تفاديها، لانه لا يستطيع ان ينتصر بها، وإذا انتصر فإن ثمنها سيكون باهظا (…)، لا سيما اذا عمد الى توسيعها لتشمل سوريا وايران، اللتين يجري استدعاؤهما بين الحين والآخر الى ذلك النقاش اللبناني حول احتمالات الحرب وفرضياتها بطريقة لا تنمّ الا عن جهل!
ليس المطلوب ان يعود النقاش الى الداخل اللبناني والدم والدمار والفوضى التي يمكن ان تحدثها حرب اسرائيلية جديدة، والتي يقع بعضها خارج المخيلة اللبنانية، بل فقط الكف عن اخذ مكان الاسرائيليين وتركهم يعانون وحدهم ويناقشون استعداداتهم وتدبر امورهم وتقدير مصالحهم بأنفسهم، من دون تدخل خارجي، لا سيما من جانب لبنان الذي لا يمكن ان يكون سندا لا في التحليل ولا في التقرير.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى