جدار عازل على طول الحـدود اللبنانية السـوريـــة!
خليل قانصو
ما أن أعلن رئيس دولة المستعمرين الإسرائيليين في 13 نيسان/ابريل 2010، عن أن الحكومة السورية زوّدت، المقاومة في جنوب لبنان، بصواريخ من نوع سكود، حتى عاد موضوع الحدود اللبنانية السورية، إلى الصدارة. ولقي إهتماما ملحوظا من جانب حكومات الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الغربية، فلام وزراء الخارجية هنا والدفاع هناك المعنيين وحذروهم وتهددوهم على ما قاموا به . فكانت أيضا مناسبة، لإرتجاع الوقائع التي شهدتها المنطقة العربية خلال السنوات التي أعقبت الهجوم على برجي نيويورك في 11 أيلول/سبتمبر 2001. وتمثلت على الساحة اللبنانية بأحداث وتطورات وتقلـّبات، لا يتسع هذا المكان لها، ولكن يكفي الإقتضاب للقول بأن لازمة الحدود اللبنانية السورية كانت تتردد دائما في تلك الفترة، بموازاة أنتشار قوات الغزو الأمريكية، ثم صارت أكثر دقة ووضوحا، بعد صدور قرار مجلس الأمن 1559، في 12 أيلول 2004 الذي كان القصد منه نزع سلاح المقاومة، وخروج الجيش السوري من لبنان، وأستبدال رئيس الجمهورية، برئيس آخر يتعهد تنفيذ هذا القرار.
يقتضي التذكير هنا، بأن الجيش السوري أنسحب من لبنان، بعد إغتيال السيد رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير 2005 . وقتئذ إنفتحت أبواب لبنان على مصاريعها أمام المحققين الدوليين، والموظفين الأمنيين الأمريكيين والأوروبيين، تحت غطاء سيل من قرارات مجلس الأمن الدولي، لا يضاهيه ألا نصيب العراق منها. فأذكى ذلك حدة الجدل على الساحة اللبنانية، حول سلاح المقاومة وترسيم الحدود بين لبنان وسورية ومراقبتها، دون أن ينتج عنه، كالعادة في لبنان، تبديل في المواقف وتغيير على الأرض . وبدا واضحا، أن أقصى ما يستطيع اللبنانيون فعله، أرضاء لمجلس الأمن الدولي ولذوي النفوذ من أعضائه، هو تخفيض المشترك الوطني، بما هو ركيزة لدعائم الدولة، إلى أدنى مستوى. وهذا ما كانوا قد أنجزوه، كليا، عندما إجتاحت قوات المستعمرين الإسرائيليين بلدهم في 6 حزيران/يونيو 1982. وأغلب الظن أن هؤلاء المستعمرين، الذين يغرّهم ما بين أيديهم من سلاح يستخدمونه دون وازع أخلاقي وقانوني، أرتأوا أن ظروف المنطقة العربية، بعد غزو العراق في 20 آذار/مارس 2003 وإحتلاله بهدف إنهاك شعبه وتجزئته، باتت ملائمة لتحقيق مراحل متبقية من خطة رسموها. فأقنعوا حلفاءهم وأصدقاءهم وعملاءهم، بإنهم قادرون على أن يتولوا أمر تصفية المقاومة في لبنان بأنفسهم، مثلما نجحوا، عام 1982 ضد المقاومة الفلسطينية. هكذا أجتازت جيوشهم حدود لبنان في 12 تموز/يوليو 2006، برا وجوا وبحرا، لتخوض حربا دامت ثلاثة وثلاثين يوما . سقط خلالها من اللبنانيين ألف ومئتان شهيد جلـّهم من المدنيين، وفي المقابل قتل المقاومون منهم مئة وستون قتيلا، جميعهم تقريبا من العسكريين. ولكنهم أخفقوا، هذه المرة، في الوصول إلى غايتهم. فبالرجوع إلى التصريحات التي نقلتها وسائل الإعلام عن قادة الإسرائيليين، وعن وزيري الدفاع والخارجية في الولايات المتحدة ووزير خارجية فرنسا، إزدادت قدرات المقاومة، كما ونوعا.
وتشاء الصدفة أن يتنبــّه رئيس الدولة في أسرائيل، الذي يقوم بالإضافة إلى منصبه الفخري بتغطية رجل فظ أسندت إليه مهام وزارة الخارجية، لمسألة صواريخ المقاومة في 13 نيسان/ابريل. ففي مثل هذا التاريخ من العام 1975، إعترضت الميليشيات اليمينية، في محلة عين الرمانة، مركبة كانت تنقل فلسطينيين إلى مخيم تل الزعتر، وقتلت منهم سبعة وعشرين. فكانت تلك الحادثة، هي الشرارة التي أشعلت الحرب الأهلية. ولقد ظهر في حينه، كما يعلم القاصي والداني، أن المستعمرين الإسرائيليين كانوا طرفا فيها . إذ كانت طوافاتهم العسكرية وقــــواربهم الحربــــية، تعبر حدود لبنان ،ذهابا وأيابا، بين فلسطين المحتلة وبعض مناطقه. ولا زال مجاله الجوي، في الراهن، تحت سيطرة الإسرائيليين، تجوبه طائراتهم يوميا، منتهكين بذلك قرارات الأمم المتحدة. فماذا يريد الإسرائيليون، إذن، من وراء قصة الصواريخ؟ وما الغاية التي جاء من أجلها وزير خارجية مصر إلى بيروت ؟ هل هم بصدد الإعداد لعدوان جديد؟
والغريب في هذه المسألة، أن موظفي السفارة الأمريكية في بيروت، كانوا يدخلون إلى لبنان، ويغادرونه، حتى وقت ليس ببعيد كما تزعم السلطات اللبنانية نفسها، بواسطة طوافة أمريكية، تنقلهم مباشرة بين مهبط يقع ضمن حرم سفارتهم وبين جزيرة قبرص، دون علم هذه السلطات بتحركاتهم، ودون المرور عبر الموانئ الشرعية. والأغرب أن هؤلاء الموظفين يقومون بجولات إستطلاع على المعابر الحدودية السورية اللبنانية، للتحقق من حسن أداء رجال الأمن والجمارك اللبنانيين ومن ملاءمة الأجهزة التي وضعت بتصرفهم . ولا تسل عن الإتفاقية الأمنية، التي كـُشف النقاب عنها مؤخرا، ولا عن تسريب أسرار مفاتيح شبكة الإتصالات الهاتفية.
والملاحظ أيضا، أن أحدا من الوزارء الذين سبق ذكرهم، لم يتطرق بكلمة واحدة، إلى أن المستعمرين الإسرائيليين، يحتلون أراض لبنانية وسورية . وألى أنه يوجد في هذين البلدين مئات الألاف من الفلسطينيين، يعيشون في المخيمات وينتظرون منذ سنة 1948، تطبيق القرارات الدولية التي نصت على حقهم بالعودة إلى قراهم وبلداتهم. وإلى الحصار المفروض على سكان قطاع غزة. وإلى القمع ومصادرة المنازل والحقول في الضفة الغربية. ولسائل يسأل لماذا يتغاضض هؤلاء الوزراء عن هذه القضية، ولا يعتبرون أنها ستبقى مصدر خطر، طالما ظل الإستعمار نهجا، والقوة الغاشمة أداة ؟ فإن الإجابة هي أن المستعمرين، إذا ما أصابهم غرور القوة، يصيرون عاجزين عن فهم الآخر والقبول بوجوده. يهيـّجهم الإعتراض على تصرفاتهم المقززة والتصدي لمقاومتهم . ولكن خطرهم يتعاظم في هذه الحال، فيرتكبون أكثر الجرائم شناعة، قبل أن يغرقوا في الوحول وتجرفهم إرادة الشعوب بالحياة.
من المعلوم ان النظام في سورية جرّب َ، بطريقته طبعا، جميع الوسائل من أجل إسترجاع الجولان . ومن غير المستبعد أنه، بعكس جماعة السلطة الفلسطينية في رام الله، أقتنع بأن المفاوضات مع المستعمرين، مباشرة كانت أم غير مباشرة، هي عديمة الجدوى . فالمطلوب منه، في الواقع هو التنازل عن الجولان، وممارسة الضغط على اللبنانيين والفلسطينيين، لكي يتنازلوا بدورهم، عن أرضهم وحقوقهم. ولكن يجب الإعتراف هنا لهذا النظام، وايا كانت المآخذ على سياساته، في الماضي والحاضر، بأنه رفض إملاءات المستعمرين، رغم محاولات الإيقاع به، والحصار الذي ضربه الأعداء من حول سورية، بعد سقوط العراق المروع، والتحولات الدراماتيكية التي طرأت على الساحة اللبنانية، وأنضمام جميع الدول العربية ما عدا أستثناءات قليلة جدا، إلى جبهة الإعتدال، التي وافقت على السياسة الأمريكية من أجل ‘شرق أوسط جديد ‘.
ولعل النظام السوري أدرك خلافا، لنظرائه العرب، بأن الشرق الأوسط الجديد كما رسمته الإدارة الأمريكية، يتهدد أيضا المصالح الوطنية لأيران وتركيا . بمعنى آخر، أن السياسة الأمريكية في المنطقة تهدف على الأرجح، إلى أناطة شؤونها بالإسرائيليين. وقد تكون تجزئة العراق، وما يقال عن نفوذ أسرائيلي متصاعد في أقليم كردستان، أمران يقلقان الحكومة التركية، فضلا عن موقفها المبدئي من العدوان على الشعب الفلسطيني والحصار البربري ضد أهل القطاع. أما بالنسبة لإيران، فإن التناقض بينها وبين المستعمرين لا يقتضي البسط والإطالة، لكثرة الأسباب ووضوحها، التي جعلت هذا البلد، عمليا، في حرب دائمة، منذ سقوط نظام الشاه، دفاعا عن كيانه وسيادته والمبادئ التي إرتضاها شعبه، والتي تشمل فيما تشمل، الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، لأن قضيته قضية عادلة .
وجملة القول أن منية أسرائيل وحلفائها في دول الغرب، هي بناء جدار عازل على طول الحدود اللبنانية السورية، وغرس ألواح فولاذية تحته، حتى تـُقفل المعابر وتـنـسدّ الأنفاق . ولكن ذلك يتطلب، بالنظر إلى المنحى التي بدأت تأخذه الأمور، تحولات تقلب الأوضاع رأسا على عقب، ليس في سورية وحدها ولكن في أيران وتركيا ايضا. وهذا لا يتحقق، قطعا، في مثل هذه المواقع، بإرادة فرد، تفـّرد وقرر، يوما، أن يزور المستعمرين ويجتمع بهم ويعقد صلحا معهم. وأخيرا، يبقى سؤال لا مفر منه: كيف يوافق المستعمرون الإسرائيليون والغربيون، بين الأمانة التي يظهرونها لذكرى ضحايا الحزب النازي من جهة وبين التلويح بالسلاح النووي إرهابا للاجئيين الفلسطينيين ولمن يناصرهم؟
‘ كاتب لبناني