حديث الجنرال حوشتان
سعد محيو
قائد سلاح الجو “الإسرائيلي” عيدون حوشتان أدلى مؤخراً بأخطر بيان حول طبيعة الحرب المقبلة . لكن هذا البيان،من أسف، مرّ كسحابة صيف عابرة في السماوات العربية .
قال حوشتان، في مؤتمر استراتيجي عسكري عُقِد مؤخراً في هرتسيليا: “إسرائيل تستطيع حالياً ردع حزب الله وحماس، لكني لا أعرف ما إذا كان هذا الردع سيستمر خلال السنوات المقبلة” . ثم استطرد قائلاً: “إن الاعتقاد بأن هاتين المنظمتين لاتباليان بشيء هو ظن خاطئ . إذ عليهما التزامات حيال المواطنين وحيال نفسيهما، وهما توليان البقاء في السلطة أهمية كبيرة” .
ماذا يعني هذا البيان الفصيح؟ أمران متقاطعان:
الأول أن قائد أقوى سلاح طيران في الشرق الأوسط، يدعو إلى شن الحرب الآن على حزب الله وحماس، قبل أن تتمكن هاتان المقاومتان من استكمال بنائهما الصاروخي والعسكري . إلحاق الهزيمة بهما اليوم، برأيه، مُمكنة، لكن ردعهما غداً سيكون صعباً أوحتى مستحيلاً .
هذا المنطق يتطابق مع رؤى قادة أفرع الأسلحة الأخرى في الجيش “الإسرائيلي”، من قوات برية وبحرية وأجهزة استخبارات، الذين يرفعون هم أيضاً شعار “الآن الآن وليس غداً” للحرب . وقد حظي هذا التوجّه حقنة قوية في العضل، بعد تواتر الأنباء عن حصول حزب الله على صواريخ باليستية بعيدة المدى من طراز “سكود”، وأيضاً (على ما يزعم “الإسرائيليون”) على منظومة دفاع جوي . كما تواصل حركة حماس تهريب قطع الصواريخ إلى غزة .
الأمر الثاني الذي يعنيه بيان حوشتان لايتعلق هذه المرة بتوقيت الحرب بل بطبيعتها . فهو يوضح أن منظمتي حزب الله وحماس لم تعودا مجرد حركات مقاومة عادية منفصلة عن الجسم الشعبي العام، بل تحولتا إلى حركات جماهيرية وحاكمة في آن .
فحماس هي السلطة الحاكمة في غزة، وحزب الله، وعلى الرغم من أنه لايشارك إلا بوزير واحد في الحكومة اللبنانية (مع أن شعبيته تسمح له بحصد كل المقاعد الوزارية في الحكومة)، إلا أنه يملك قوات عسكرية مدربة، وجيشاً لجباً من المؤسسات الصحية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية .
حوشتان يريد استهداف هؤلاء المدنيين في أي حرب مقبلة، لسبب مقنع: استحالة استئصال منظمة حرب غوار مهما تطورت أساليب القتال . وهذا ما أثبتته تجارب كل حروب العصابات في العصرين الحديث والقديم . ولذا، يجب تجفيف وتدمير البحيرة الشعبية التي تسبح فيها أسماك المقاومة هذه، عبر التهجير كما حدث في جنوب لبنان العام ،2006 لكن هذه المرة مع منع عودة المهجرين قبل تحقيق الشروط السياسية “الإسرائيلية” . أو نسف كل البنى التحتية والمنازل والمستشفيات والأسواق المدنية، كما حدث في حرب غزة 2008 .
بالطبع، يتعيّن على كل من حزب الله وحماس الرد على حرب المدنيين بحرب مماثلة: الأول بإمطار تل أبيب والمدن “الإسرائيلية” بهدايا صاروخية قاتلة، وربما أيضاً بعمليات برية نوعية في بعض مستوطنات الجليل . والثانية عبر العمليات الاستشهادية .
بيد أن هذا، على أهميته النسبية في الموازين العسكرية، لن يكون كافياً بسبب التباين الفاقع في القوة النارية لكلا الطرفين . ولذا يفترض بحزب الله وحماس أن توليا أهمية قصوى لمصير المدنيين وكيفية تدبّر شؤونهم وشجونهم خلال الحرب، بالقدر نفسه الذي تهتمان فيه باستراتيجيات الحرب وتكتيكاتها .
الخليج