مبالغات نووية والهدف إيران
سعد محيو
تساءلنا بالأمس: هل العالم حقاً، كما تُحذّر واشنطن، على شفير “فوضى نووية” قد تسفر في خاتمة المطاف عن انهيار معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (إن .بي .تي) التي وُقّعت العام 1968؟
قبل نحو خمسين سنة سمع العالم من الولايات المتحدة التحذيرات نفسها .
ففي أعقاب أزمة الصواريخ الكوبية العام ،1962 استنتج الرئيس جون كنيدي آنذاك أن النظام النووي العالمي يفرض مخاطر غير مقبولة على الجنس البشري . قال: “أرى احتمالاً بأن يكون الرئيس الأمريكي المقبل في السبعينات مضطراً إلى مواجهة عالم فيه 15 أو 20 أو 25 دولة نووية . وأنا أعتبر ذلك أعظم تحدٍ” .
وفي العام ،2010 كرر الرئيس أوباما التحذير نفسه تقريباً، مُحذّراً من أن النظام النووي العالمي على وشك التحلل والتداعي، ومتبنّياً شعار “عالم من دون أسلحة نووية” الذي سبق أن رفعه الرئيس رونالد ريغان .
لكن، لانبوءة كنيدي تحققت، ولا مخاوف أوباما تبدو على وشك التحقق .
فالعالم لم يشهد في السبعينات انفجاراً في عدد الدول النووية، بل اقتصر الأمر على الدول الخمس الكبرى، مضافاً إليها لاحقاً الهند وباكستان و”إسرائيل” وجنوب إفريقيا .
وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تحرّك العالم نحو تقليص عدد القوى النووية لا زيادتها . فقد فككت جنوب إفريقيا قنابلها النووية الست بعد انهيار النظام العنصري فيها . وما لبثت أن لحقت بها ليبيا وروسيا البيضاء وكازاخستان وأوكرانيا والبرازيل والأرجنتين . والحبل لا يزال على الجرار .
علاوة على ذلك، من الضروري هنا رسم خط على الرمال بين التحذيرات التجريدية الأمريكية، وبين القدرات الواقعية لدى العديد من دول العالم المُرشّحة لحيازة القنبلة .
فاليابان وكوريا الجنوبية، على سبيل المثال، وعلى رغم قلقهما الحقيقي من الصواريخ النووية الكورية الشمالية، إلا أنهما مسترخيتان تماماً تحت مظلة الحماية النووية الأمريكية، ولن تفكرا في التحوّل إلى قوى نووية إلا في حال سحبت الولايات المتحدة هذه المظلة . وهذا أمر غير وارد .
وفي الشرق الأوسط تبرز صورة مماثلة . إذ حفنة ضئيلة من دول المنطقة لديها البنى التحتية العلمية والتقنية لدعم برامج تسلح نووي . فمصر أوقفت تطوير أبحاثها النووية منذ وفاة الرئيس عبدالناصر، والسعودية تفتقر إلى المعرفة النووية، أما تركيا، وعلى رغم قلقها البالغ من احتمال ابتلاع إيران النووية للعراق، فإنها ستتردد كثيراً قبل الإقدام على خطوة حيازة القنبلة، لأن ذلك قد يُكلّفها خسارة فرص الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي .
وفي أمريكا اللاتينية، أدى توقيع معاهدة تلاتيلوكو التي حظرت إنتاج الأسلحة النووية في هذه المنطقة وفي حوض البحر الكاريبي، إلى استبعاد أي احتمال لاستخدام البرازيل والأرجنتين مخزونهما الكبير من اليورانيوم عالي التخصيب لأهداف عسكرية .
ثمة إذاً، كما هو واضح، مبالغات في التحذير من “الفوضى النووية” ومن انهيار النظام النووي العالمي . وهي بالمناسبة تبدو مبالغات متعمدة وتتضمن أهدافاً سياسية واستراتيجية واضحة: سحب البساط الدولي من تحت أرجل إيران في خضم رحلتها النووية الراهنة، تمهيداً لخنقها .
ليس هذا وحسب، بل ذلك قد يكون أيضاً هو الهدف الأول والأخير من وراء طرح شعار “عالم من دون أسلحة نووية” .
الخليج