صفحات سورية

سوريا وايران واسرائيل: الحقيقة والتبسيط !

null
سركيس نعوم
نقلت جريدة هآرتس الاسرائيلية قبل ايام قليلة عن شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية أمان ان الرئيس السوري بشار الاسد مستعد لاستكشاف آفاق تسوية سلمية مع اسرائيل. وأشارت الى انها المرة الاولى التي تقول فيها قيادة الجيش الاسرائيلي انه من الواجب اخراج سوريا من دائرة القتال. ونقلت ايضاً عن رئيس الاركان الجنرال غابي اشكينازي ان الاسد يرقص في عرسين في وقت واحد. الاول “عرس” ايران و”حزب الله” و”حماس” والفلسطينيين. والثاني هو “عرس” السلام مع اسرائيل. وشددت على ضرورة ان تعتمد اسرائيل واميركا اخراج سوريا من دائرة الحرب لأن من شأن ذلك تحقيق هدفين. الاول، عزل ايران. والثاني، اضعاف “حزب الله”. واشارت الى ان الثمن الذي تريده سوريا لوقف “الرقص” في العرس الاول معروف وهو استعادة الجولان المحتل عام 1967 كاملاً. وهو في اي حال ليس اقدس من المناطق التي اعادتها اسرائيل الى مصر. ولفتت الى ان النجاح في ذلك يزعج الفلسطينيين ويجعلهم اكثر جهوزية للتجاوب.
هل ما نقلته صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية ونقلته عن مسؤولين عسكريين صحيح؟
متابعو الاوضاع وتطوراتها في الشرق الاوسط وخصوصاً عملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين واستطراداً العرب يؤكدون ان الرئيس السوري بشار الاسد كان دائماً مستعداً لاستكشاف آفاق تسوية سلمية مع اسرائيل تعيد اليه الاراضي المحتلة من بلاده عام 1967 كلها. وهو لا يزال مستعداً لذلك. وقد اعرب عن موقفه الايجابي هذا اكثر من مرة بمطالبته روسيا الاتحادية حيناً بالتدخل والضغط، او بمطالبة اوروبا الموحدة بالسعي لتحقيق الهدف المذكور بل السلام الاكثر شمولية حيناً آخر، او بدعوة الولايات المتحدة الى القيام بالدور الذي لا تستطيع جهة دولية اخرى القيام به على هذا الصعيد حيناً ثالثاً، او بمطالبة “اللجنة الرباعية الدولية” بالتصدي لحل ازمة الشرق الاوسط حيناً رابعاً. كما اعرب عن الموقف نفسه بتصرف عملي كان الانخراط في تفاوض غير مباشر مع اسرائيل بواسطة تركيا “حزب العدالة والتنمية” اي تركيا الاسلامية الديموقراطية.
لكن مطالباته ودعواته المشار اليها اعلاه لم تحقق المطلوب منها. اولاً، لأن اسرائيل لم تكن جاهزة للسلام مع سوريا وكذلك مع الفلسطينيين وسائر العرب. وثانياً، لأن المجتمع الدولي كله كان إما عاجزاً عن “فرض” التفاوض المُنتج على افرقاء الازمة المزمنة في المنطقة (روسيا – الصين – الامم المتحدة – اللجنة الرباعية – اوروبا الموحدة)، وإما غير راغب في الضغط على اسرائيل تحقيقاً للسلام (الولايات المتحدة)، وربما غير قادر على ذلك في الوقت نفسه.
والمتابعون انفسهم يؤكدون ما ذهبت اليه “هآرتس” مباشرة او بنقلها كلاماً لمسؤولين عسكريين اسرائيليين مثل القول ان الرئيس بشار الاسد “يرقص في عرسين” صحيح بدوره. لكنهم في الوقت نفسه يعتقدون ان في الاقوال المنقولة اعلاه الكثير من الحقيقة والكثير من التبسيط ايضاً. فإخراج سوريا من دائرة الحرب الرسمية مع اسرائيل بعد إعادة الجولان اليها امر ممكن التصور. ذلك ان في التسوية السلمية الموقعة يُفترض في طرفيها الامتناع عن القيام باعمال عدائية ضد بعضهم البعض او عن دعم جهات تقوم بأعمال كهذه. واضعاف “حزب الله” نتيجة السلام السوري – الاسرائيلي قد يكون ممكن التصور اذا كان المقصود بالاضعاف هو وقف الامداد بالأسلحة وفي الوقت نفسه وقف ايصال الاسلحة التي ترسلها الى الحزب ايران وجهات اخرى من طريق سوريا. اما اذا كان المقصود هو ان القدرة العسكرية لـ”الحزب” ستضعف فان الاعتقاد بذلك يكون نوعاً من التبسيط لأن ما في حوزته من ترسانة صاروخية وغير صاروخية ضخمة ولأن جيشه “العصاباتي – النظامي” في آن واحد المقدر عدده بعشرات الآلاف كفيلان بابقائه على قوته وبابقاء خطره على اسرائيل كبيراً وكذلك قدرته على مواجهتها.
طبعاً قد يدفع “السلام السوري – الاسرائيلي” “حزب الله” وربما راعيه الاقليمي الى التفاهم على الابتعاد عن الاستفزاز على الجبهة اللبنانية تلافياً لاتخاذ اسرائيل قرار توقيت الحرب عليه، باعتبار ان قرار شن هذه الحرب مُتخذ من زمان. علماً ان السوق السوداء تشمل العالم، وان سيطرة الحزب على لبنان تكفي لتهريب كل ما يحتاج اليه من سلاح. واما اذا كان المقصود ايضاً ان “حزب الله” سيضعف لأن سوريا ستضغط عليه مباشرة سياسياً وعسكرياً في لبنان فإن هذا الامر يدخل في باب التبسيط ايضاً. اولاً، لأن سوريا بشار الاسد لن تتخذ ابداً قرار مواجهة “حزب الله” مباشرة لأنه حليفها الاول وسندها الاول في لبنان، ولأنها ليست في وارد الاصطدام مع ايران او الاختلاف معها هي مؤسسة الحزب وراعيته وداعمته… والمستفيدة منه مثل سوريا ولبنان واكثر، اي في الصراعات الدائرة مع اسرائيل واميركا. وموقف سوريا هذا نابع من عدم رغبة ثانياً لأن ما حققه بشار الاسد من مكاسب لنظامه ولبلاده من حلفه مع ايران و”حلفائها” ومن سيره في المواجهة الى الآخر لا يمكن مقارنته بما سيحققه من تسوية مع اسرائيل وتفاهم مع اميركا وتخل عن ايران ولا سيما في ظل المطالب الكثيرة التي لا بد ان تقدمها له واشنطن وتصر على تلبيتها قبل حصوله بل المكاسب الموعودة. كما انه نابع وبالمقدار نفسه من عدم القدرة. واما اذا كان المقصود ثالثاً واخيراً انهاء المشكلة مع سوريا واستطرادا لبنان واستعمال ذلك لعزل الفلسطينيين ولاجهاض حل الدولتين وللدفع في اتخاذ حلول لقضيتهم لا مكان للعدالة فيها ولا للشمولية ولا للحقوق، فان المتابعين يلفتون اصحاب هذا الاعتقاد الى ان ما كان حقيقة في الماضي ربما اصبح الآن تبسيطاً.
فأيام سوريا الراحل حافظ الاسد كان ممكناً تصور تسوية بينها وبين اسرائيل تعيد اليها اراضيها المحتلة كلها، وإن قبل نجاح الفلسطينين في حل صراعهم مع اسرائيل. ذلك ان زعيمهم التاريخي ورئيس منظمة التحرير ياسر عرفات انفرد بـ”اتفاق اوسلو” عام 1993 واعطى لسوريا وغيرها حجة لـ”الانفراد” مثله. اما اليوم وبسبب الاوضاع المعقدة في المنطقة وتحوّل ايران لاعباً اساسياً في المواجهة مع اسرائيل واستطراداً اميركا وكون سوريا شريكاً لها فان الانفراد بالتسوية السلمية قد لا يكون بالنسبة الى سوريا بشار الاسد بالسهولة التي كان عليها ايام سوريا الراحل. علماً ان سوريا الحالية التي تعلمت الكثير تعرف تماماً ان “التقاء المصالح” المعروف هو الذي ساعدها على البقاء في احلك الظروف، طبعاً اضافة الى عزمها وتصميمها واندفاعها في سياسة ما كان احد ليتصور انتهاجها من نظام اشتهر مؤسسه بالبراغماتية. وتعرف تالياً ان التفريط بهذا “الالتقاء” ليس في مصلحتها. ولذلك فانها قد تجد الطريقة المناسبة للتعاطي مع “التسوية السلمية” عندها تصبح اسرائيل مهيأة لها.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى