اليمن واليسار لشرخ الديمقراطية
إلى الصديق الأعز كامل عباس..
غسان المفلح
جاء رد الصديق كامل عباس على مقالتي” طبقة عاملة أم يسار عامل؟” حاملا جملة من الأسئلة والقضايا، التي تهمنا كسوريين، وحملت مقالته عنوانا ملفتا” مصطلح اليسار واليمين بضاعة فاسدة” وسأحاول التفاعل مع القضايا المطروحة في المقال، بموضوعية قدر الإمكان! يأخذ على الصديق كامل أنني في كتابتي مغرق في الذاتية، لأنني أكتب انطلاقا من الموقف من النظام السوري. إذا كانت هذه هي الذاتية فهذا قول صحيح وينطبق على كتاباتي، والسبب أنني أنظر إلى النظام كجملة من العلاقات، تتحكم بحركية المجتمع السوري الرئيسية وتفاعلاتها الأساسية، سواء على المستوى الداخلي أم على المستوى الخارجي، أعتقد أن الموقف من إدارة بوش ومن إدارة أوباما، لا يتعلق بالنسبة لي، بموقف الأثنين الإنساني! ولا بموقفهما من الطبقة العاملة الأمريكية- مقالة حازم صاغية عن اليسار العربي وأوباما- بل بموقفهما من تحقيق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وكيف، وما هو موقع بلادي ووطني في هذه الكيف؟
وهذا أمر ينطبق على الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، لا أعرف إن كان شعبنا السوري استفاد وسيستفيد من انفتاح ساركوزي وأوباما على النظام؟ ومن البداهة أن الانفتاح يتحرك لمصلحة المصالح الأقوى في مجتمعنا، ومن هي المصالح الأقوى في المجتمع سوى قوى القمع والفساد؟ هل بانفتاح ساركوزي اتسع هامش الحريات؟ وهل بانفتاح أوباما انخفض معدل الفقر في سورية؟ إن الحرية التي نتوق إليها في سورية، بالنسبة لي قبل الآن ومنذ زمن وستبقى: لا تستثني أي طرف منها، حتى النظام السوري نفسه، وأحزاب جبهته العتيدة، لأن الحرية لا تقتصر على تحقيق مصالح دون مصالح أخرى، شرط أن توافق كل هذه المصالح على التعايش والعيش في ظل نظام الحرية، والذي هو النظام الديمقراطي ودولة القانون وحقوق الإنسان. ليلاحظ معي الصديق أبو فريد، أن القوى التي كانت تهاجم بوش وشيراك حول الملف السوري، هي نفس القوى التي رحبت وترحب بساركوزي وأوباما، حتى قناتي الجزيرة والعربية!
أعتقد أنني بهذا المعنى نعم مغرق في الذاتية.
ورغم ذلك أعتقد أن هنالك مفارقات يجب ان نراها، في التعاطي مع الكتابة السياسية، وتمييزها عن التنظير على المستوى العربي والدولي، المحبب كثيرا على قلب غالبية الكتاب والمثقفين العرب، والسوريين ليسوا استثناء.. وانت اكيد تلاحظ معي كيف يتم تعاطينا جميعا مع الشأن المصري، وبقية الشؤون العربية؟ السلطة المصرية هدفا وجارتها ليبيا مسكوت عنها…هل لأن مصر الدولة الأكثر حرية في العالم العربي، أم أن الأمر يحتاج إلى بحثه في أسباب أخرى؟ عندما تكتب ضد السلطة في مصر يسمح لك بالذهاب إلى هناك، ولكن عندما تكتب ضد السلطة في ليبيا أو سورية..ماذا يحصل؟
معادلة- الذاتية والموضوعية في الكتابة السياسية- هي نفسها معادلة ذاتية!
الكتابة السياسية” وقائع ومعلومات وأيديولوجيات ومصالح وقوى، كل هذا جانب أساسي ورئيسي، ولكن في الجانب الآخر” الكتابة السياسية تحليل واجتهاد يصيب أو يخطأ، لأن الواقع متحرك دوما، بقواه الكثيرة ومصالحه المتنوعة، اكتشاف المصالح الفعلية لأي سلوك سياسي أمر أكثر من معقد أحيانا، ومن جهة أخرى، لا نستطيع عزل مواقفنا عنها، وإن أردنا ذلك، ولكنني لا أريد ! لأنني لست حياديا ولا أريد التشبث بهذا الزعم…لكن هذا لا يعني أيضا تزوير الوقائع والتاريخ.
أوافق الصديق أبو فريد، على رؤيته للنظام العالمي الجديد، وهو جديد دوما بالطبع، لأن القوى الغربية وخاصة أمريكا، صحيح أنها ساهمت في تفتيت قوى المعسكر الشرقي، وبلغة أخرى انتصرت عليه، ولكن العولمة، لم تستطع أن تعيد صياغة نظام عالمي جديد، والصياغة هي إرادة سياسية، وبالتالي قانونية، وبعد سقوط النيولبيرالية وعودة اليمين التقليدي، عدنا إلى عالم كله رأسمالي ولكن بدون قيادة لا آحادية ولا متعددة القطبية، ولا يوجد لديه نظام قانوني وسياسي جديد متناسبا مع ما نعيشه على الصعيد الاقتصادي، حيث لازالت منظومة القوانين الدولية ومؤسساتها كما هي لم يطرأ عليها أي تعديل، وكأننا لازلنا في أيام الحرب الباردة.
وبالعودة إلى قضية اليمين واليسار، إن سورية تحتاج إلى برنامج لبيرالي ديمقراطي، يشكل اولوية الأولويات، وإذا كان اليسار بكل تصنيفاته، لا يرى هذه الأولوية احترم رؤيته ولكنني أراه معاد للحرية ومتطلباتها السورية. إنه تصنيف لشق الحركة الديمقراطية في سورية. وسأنهي هذه الحوارية السريعة، بمفهوم استخدمه ونستخدمه كيساريين: مفهوم الانتقال التدرجي نحو الديمقراطية، كنت ولازلت استخدم هذا المفهوم تبعا لرؤيتي لميزان القوى السياسي والاجتماعي، وليس لسبب آخر، أما الذين يرونه متناسبا مع وضع النظام والبلد، فسبحان الله يقبلونه في سورية ويرفضونه في مصر والمغرب وتونس والعراق! التي تمشي بخطى بطيئة بالنسبة لمصر نحو الديمقراطية، وهي سريعة بالنسبة لوضعنا!
كان لدينا في اليسار منذ زمن! مسألة بسيطة وهي أنه بات يقع على عاتقنا تنفيذ برنامج البرجوازية الوطنية!!! لأن هذه البرجوزاية إما غير موجودة أو أن الموجود منها خائن طبقيا لطبقتنا وطبقته! وهل يمكن وجود برنامج برجوازي بدون دولة لبيرالية، ودولة حريات عامة وفردية وقانون؟
لهذا لم أعد مهتما كثيرا بتصنيف يمين ويسار بقدر اهتمامي أين موقع الحرية بالنسبة للقوى السياسية.
ولهذا أيضا” رغم الحرية التي أعيشها هنا يا صديقي، إلا أن حرية سورية كانت وستبقى الهاجس الأكبر لنا جميعا.