صفحات سورية

مصطلح اليسار واليمين أصبح بضاعة فاسدة – حوار مع صديق –

null
كامل عباس
تبدو كتابات الصديق العزيز غسان المفلح – حسب نقاده هنا – مغرقة في الذاتية لدرجة تصنيفها أي رئيس او حزب حسب موقفه من النظام السوري , فهو على سبيل المثال يجد ان ادارة بوش أفضل من ادارة اوباما , اما ساركوزي فهو الشيطان الرجيم عند غسان لأنه كان المبادر لفك العزلة عن القيادة السورية , أما أنا فإنني من متابعي غسان , واقّدر له نشاطه الدؤوب وفي القلب منه موضوع الحرية في الداخل السوري، وأتمنى ان تأتي بمنتهى الموضوعية حتى تصبح فاعلة عندنا ومن اجل ذلك رغبت بهذا الحوار .
يقول الصديق في أحدث كتاباته تحت عنوان – طبقة عاملة ام يسار عامل ؟ المنشور في موقع ايلاف 2/5/2010 ما يلي : ( واليسار يهاجم العولمة , وكأن العولمة انتصرت, دون أن يدرك ان سقوط السوفيت كان ينذر بسقوط قوى العولمة الصاعدة , وسقطت فعلا … وعاد اليمين التقليدي لكي يستلم زمام الأمور ) .
لايزال الحبيب غسان يستعمل مصطلح اليسار واليمين لكنه على ما أظن يريد تعديلا بسيطا عليه – إدخال الحرية في مفهوم اليسار كي ينقذه من هزيمته –
ظهر مصطلح اليسار واليمين كما هو معلوم بعد الثورة الفرنسية على هذه الشاكلة تقريبا . اليساري ثوري تقدمي يتطلع دوما الى الأمام ويطمح الى التغيير نحو الأفضل , واليميني رجعي محافظ مشدود نحو الماضي . وعلى يد الفلسفة الماركسية تعمّق المصطلح وتبلور البعد الطبقي فيه ليصبح اليسارمعنيا بعربة التقدم الاجتماعي ويريد دفعها الى الأمام بأي شكل بما فيه العنف انسجاما مع مصلحته , اما اليمين فهو معنيّ بوضع العصي أمام دواليب عجلة التقدم الاجتماعي لأنها ستمر على مصالحه .
وقد ظل المصطلح يحمل دلالة واضحة الى حد بعيد في كل المجتمعات حتى جاءت بيروسترويكا غورباتشيف وما تبعها من اختلاف في تصنيف القوى هناك بين اليسار واليمين . هل يلتسين وأتباعه يمينيون ام يساريون ؟ وهل انقلابيو آب يمينيون ام يساريون ؟ وكرّت السبحة حتى وصلنا الى الزمن الحالي الذي تبدو فيه شرائح موصوفة يمينا أكثر انسجاما مع التطور الاجتماعي من شرائح موصوفة يسارا تعرقل عملية التطور الاجتماعي بوعي ام بدون وعي سيان .
اعتقد ان استعمال مصطلح المحافظين والمجددين أكثر انسجاما مع ظرفنا الحالي واقل تشويشا للقارئ . بهذا المعنى يصبح علينا التدقيق من جديد في قول الحبيب غسان:
(في سوريا لا نريد يسارا , نريد يمينا لبراليا بامتياز) وصياغته بشكل آخر
الأهم من هذا نظرة الحبيب غسان للنظام العالمي الجديد وكأنه درجة الى الوراء قياسا بالنظام السابق , النظام الجديد يسيطر عليه اليمين التقليدي حسب رأيه .
أما أنا يا صديقي فاعتقد ان النظام العالمي الجديد دفعنا درجة الى الأمام في سلّم التطور الاجتماعي وعلى يديه تحققت العولمة الحالية بمواصفات عديدة أهمها .
1- فضح المستور وكشف عورة الاستبداد الذي أصبح عبئا على التطور الاجتماعي . بفضل العولمة يا أخي غسان واتتنا الشجاعة والمعرفة أنا وأنت وانتقلنا من خانة الاستبداد الى خانة الديمقراطية .
2- تعميم شبكة الانترنت بمواصفات ديمقراطية قّل نظيرها , ليس أدل على ذلك من ان الجهاديين الاسلاميين المتطرفين يستعملونها لنشر فكرهم الإرهابي كما أستعملها أنا وأنت لنشر فكرنا اللبرالي .
3- تسليط الضوء على مقولة ماركس الشهيرة من جديد – تحتاج الاشتراكية لكي تتحقق الى بلد متطور اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا- بعد ان طمستها مقولة لينين – ضرب الإمبريالية في الحلقة الأضعف –
أما عن عودة اليمين التقليدي لاستلام زمام الأمور في ظل العولمة ففيه الكثير من الدقة ولكن من الملوم في ذلك يا اخي غسان ! فعلا ان الأزمة الاقتصادية الأخيرة في طريقها الى الحل على حساب الفقراء في العالم , ولكن السبب يعود الى خبرة وذكاء وحنكة اليمين (المحافظين) من جهة , والى تشرذم وانقسام وتفتت وجهل اليسار( الاصلاحيين) من جهة أخرى , وليس الى العولمة بحد ذاتها وهذه بعض من أدلتي .
– أعتقد أن الاشتراكيين والقوميين والشيوعيين وكل اليساريين السابقين محسوبون على جبهة التقدميين (وهم كذلك فعلا ) ولكن الكثير من سلوكهم السياسي الحالي يخدم الرجعيين اكثر مما يخدم التقدميين , على سبيل المثال لا الحصر ان مطالبة الاشتراكيين بالدعوة الى تجاوز الرأسمالية كحل للأزمة الاقتصادية الحالية بدلا من المطالبة بمزيد من الإجراءات الديمقراطية ( بشقيها الاقتصادي والسياسي ) يّسهِل على الأغنياء استغلالهم للفقراء .
– المثال الثاني مستوحى من واقعنا السوري . ما يزال مثقفونا السوريين التقدميين بجزئهم الأعظم سواء كانوا قوميين ام شيوعيين ينظرون الى أمريكا نفس النظرة التي ربانا عليها الاتحاد السوفيتي السابق بوصفها زعيمة الامبريالية , والوقع يقول ان امريكا بلد ديمقراطي عريق يتمكن فيه رجل اسود من دخول البيت الأبيض عبر الانتخابات في حين يستحيل على رجل في ايران ومن أتباع الخميني الوصول الى منصب الرئيس حتى ولو فاز في الانتخابات .
والأمر لا يقل مأساوية على جبهة الديمقراطيين واللبراليين السوريين الذين ينظرون الى ادارة بوش بوصفها متقدمة على ادارة أمريكا وأكثر جدية منها تجاه نشر الديمقراطية وتعميمها في العالم , مع العلم ان ادارة بوش جلبت لنا الكوارث والويلات من جراء محاولتها نشرالديمقراطية عبر صواريخها وطائراتها وما يحصل في العراق خير شاهد على ذلك , اما ادارة اوباما فهي تحاول جاهدة ان تتخلص من ذلك الإرث الثقيل وتعتمد على شق الطريق أمام المجتمع الدولي باتجاه الاعتماد على قوة القانون بدلا من قانون القوة وهي تلقى مقاومة عنيفة من قبل المحافظين وسلوك أمثالنا سواء في سوريا او أوروبا او امريكا يضعف الاصلاحيين ويساعد المحافظين على العودة لاستعمال القوة من اجل مزيد من قهر واستغلال الفقراء في كل مكان .
أخيرا أحب أن أهمس في ذهنك ياأخي غسان قائلا : ان عبارتك التي اختتمت بها مقالك ( لهذا حريتي اولا ) هيجّت أحزاني , انتم يا أخي في أوروبا تكتبون بحرية وكما تشاؤون أما أمثالي فهم يكتبون في ظروف يصعب تصديقها , وقد جلبت كتاباتي لي المزيد من القهر والتجويع والحصار أكثر بكثير مما جلب لي عملي السابق في السياسة , كل ذلك بفضل حماقة بوش في العراق , لم يتعدى ضغطهم علي في العهد القديم موضوع (قولوني) اللعين , اما في العهد الجديد فقد وصلت ضغوطهم الى القلب , وشتان ما بين تشنج القولون وتشنج القلب .
*اللاذقية
موقع اعلان دمشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى