أبي صعب وموسى في ندوة حول ترجمة عوز: حرية الترجمة وحق النقد
صفوان حيدر
مساء الثلاثاء الماضي، وفي مقهى تاء مربوطة ـ الحمراء، وبدعوة من حلقة «الحوار الثقافي»، أدارت جميلة حسين ممثلة الحلقة، مناظرة علنية بين حلمي موسى، محرر الشؤون الإسرائيلية في جريدة «السفير»، وبيار أبي صعب مسؤول الصفحة الثقافية في جريدة «الأخبار» حول موضوع ترجمة الأدب العبري، مرتكزاً على رواية الإسرائيلي عاموس عوز «عن الحب والظلام» التي قامت دار الجمل بترجمتها الى العربية وأنزلتها الى الأسواق اللبنانية والعربية. احتشد في الندوة عدد غفير وصاخب من المهتمين والمدعوين واغتنت المناظرة بكمية كبيرة من النقاش والاقتراحات.
في تقديمها للمناظرة، تساءلت جميلة حسين: هل هناك خوف على القارئ العربي إذا قرأ الأدب الصهيوني؟ وهل الحل هو الحيلولة دون وصول هذا الأدب الى العقل العربي؟
قبل البدء في النقاش تم عرض فيلم مقابلات وتعليقات لإبراهيم دسوقي حول انعكاس ترجمة رواية عاموس بالإضافة الى ردود حازم صاغية وعبده وازن والياس خوري. واعتبر صاغية في الفيلم، ان هذه الرواية كتاب يهز وجدان القارئ العربي(!!!) وانه لا توجد مشكلة مع الترجمة عن العبرية(!!) والسؤال الرد الذي طرحته المناظرة هو: في أي إطار تتم الترجمة ولأي غاية، ما دام انه لكل أمر غاية.
وبصوت مجلجل ومدو أعلن حلمي موسى اختلافه مع حازم صاغية. واعتبر الترجمة عن العبرية مسألة معقدة وإشكالية. وأشار الى ان عملية تجهيل العدو الصهيوني عن نظر المتابع العربي أضرت بنا. إذ في إسرائيل مراكز دراسات توفر لصنّاع القرار الإسرائيلي معلومات هم بحاجة إليها. وطالب حلمي بتوفير خبرات نقدية عربية أدبية تميز في الأدب الإسرائيلي الغث من السمين. كما أكد موسى ان حق إسرائيل بالوجود على أساس ديني أمر مرفوض. وأشار الى ان مقاومة التطبيع في الدول العربية التي أقامت علاقات مع إسرائيل أقوى من مقاومة التطبيع في الدول التي ليست لها علاقات بإسرائيل. وشدد موسى على ان الصهيونية مشروع فرض نفسه على المنطقة العربية بالعنف العدواني والاغتصابي والاستيطاني.
لا ترجمة بريئة
أما بيار أبي صعب فقد هاجم البديهيات والتعاميم المسطحة. وقدم السؤال التالي: كيف نترجم الأدب الإسرائيلي الى العربية، ونبقى في الوقت نفسه مقاومين للثقافة الإسرائيلية. ورد أبو صعب على قول صاغية «إن الذين أدانوا نشر الكتاب الإسرائيلي لعاموس عوز يهيئون لبنان لسلطة قامعة(!!)»، بالتساؤل: من هو عاموس عوز؟ وأردف صعب: ليست هناك ترجمة بريئة واحدة.. كما أن مقدمة هذه الرواية كتبها مسيحي قتلت كتائب الأقصى ابنه في القدس عن طريق الخطأ.. هنا رد حلمي موسى بعرض التفاوت الثقافي بين العالم العربي وإسرائيل. فالشاعر المبتدئ في إسرائيل يطبع (40) الى (50) ألف نسخة عبرية شعرية، بينما الشاعر العربي الشاب يطبع بالكاد ألف نسخة لـ 375 مليون عربي.. فإسرائيل تقرأ والعالم العربي لا يقرأ رغم سورة القرآن الكريم الاستهلالية التي تدعو الى القراءة: «اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق».. واختتمت المناظرة حوارها بالتأكيد على الحقائق المخيفة والساقطة الموجودة في روايات عاموس عوز وهي:
ـ فلسطين أرض بلا شعب(!) واليهود شعب بلا أرض(!) وقد وجد أرضه(!).
ـ من حق اليهود كأمة متحضرة أن تحل مكان العرب لأنهم ينتسبون الى أمة متخلفة(!!).
ـ العربي يهدد الكيان الصهيوني انطلاقاً من أفكار بدائية، وبلا سبب ودون منطق(!!)؟؟
ـ يجب الاستعداد لدحر العربي في عقر داره..
…هكذا، خلص المناظران الى ضرورة وأهمية قراءة كتاب الأديب الأردني الراحل غالب هلسا بعنوان «نقد الأدب الصهيوني».
حوار
ثم افتتحت الندوة باب الحوار مع الجمهور فتكلم أولا هاني رعد الذي أشار الى حقيقة تلمودية تقول «إن أي إنسان غير يهودي مسخر لخدمة اليهودي»… ثم طالبت رولا عاصي باعتماد رقابة منهجية في الترجمة عن العبرية نختار فيها ماذا نترجم ولأي هدف نترجم. وقدم علي وهبة توصية تدعو لوضع نقد عربي ذي مصداقية وكفاءة أكاديمية في مقدمة أي عمل أدبي صهيوني مترجم الى العربية. ورد أبي صعب بأنه يوافق على ترجمة كل شيء. لكن النقد متسع في الصفحات الثقافية الجرائدية، ويجب ان تكون للنشر أولويات وأخلاقيات، ونحن ضد التعميم لا ضد الترجمة». وقدمت رانيا المصري تساؤلات قانونية: هل سيحصل عاموس عوز على جزء من أرباح الترجمة؟ وهل يجب ان يحال الناشر لدار الجمل خالد المعالي على القانون اللبناني؟ هنا رد موسى بأن هناك وجهاً قانونياً للترجمة ووجهاً ثقافياً. وان دار الجمل لا تريد الدخول في بوابة معرفة العدو… وانه يوجد ميل للانبهار بالعدو الصهيوني وأدبه ويجب مكافحة هذا الميل. ورأت كاتي يمين ان المقاومة تبدأ بالثقافة وبالفن وبالفكر وبالأدب والأكل والثياب والتراث. فالثقافة تبني المجتمعات وتحصنها. ومع الانفتاح على جميع الثقافات علينا ان نعتمد الغربلة والوعي واليقظة. ويستطيع اللبنانيون خوض الحرب ضد إسرائيل من خلال ثقافتهم المناقضة لثقافة العدوان والتعصب والإلغاء والإبادة والقهر والإذلال. وتساءل احد المستمعين لماذا لا نترجم الاعمال الأدبية العبرية لماتسبن وإسرائيل شاحاك وشلومو صاند لتكون بديلة عن ترجمتنا عاموس عوز. وهنا رد أبي صعب: يجب عدم تبسيط الصراع مع الكيان الصهيوني. وأشار الى خطر أنسنة «القاتل» على خطورة الصراع. وكيف ان أوروبا والغرب تريان لإسرائيل أولوية وجود على الوجود العربي مع ان إسرائيل اغتصبتنا ولم تسمح لنا بخيار آخر سوى المقاومة. والمقاومة تحتاج الى الحرية، وحرية الترجمة، لكن مع حرية النقد أيضاً. ووافقت سلام محرم على ما قاله أبي صعب وأردفت: الصهيوني الإنساني نقبله فقط عندما يتخلى عن هويته الإسرائيلية.. وأشارت محرم الى ان الكتب الأوروبية التي تنكر حجم المحرقة اليهودية ـ الهتلرية او حصولها، ممنوعة في أوروبا، بينما سوق النشر في لبنان منفتحة على جميع الاتجاهات، لكن، للأسف، بلا رقابة وبلا توجيه او انتقاد ثقافي…
لقد تحولت المناظرة في مقهى «تاء مربوطة» الى محاكمة حماسية وحاشدة ومفعمة بالنقاش الحيوي بين المتناظرين من جهة والجمهور من جهة ثانية. وتم الاتفاق في نهاية المناظرة على ان الاختلاف نعمة وليس نقمة، وان الموت يكمن في التماثل الركودي الثقافي بينما الاختلاف التصارعي الثقافي هو الحياة…
السفير
توضيح من حازم صاغية: ما لم أقله
حازم صاغية
في سياق تغطيته لندوة أقيمت حول ترجمة عاموس عوز إلى العربيّة، كتب مراسلكم الزميل صفوان حيدر (الصفحة الثقافيّة من «سفير» الخميس الفائت، في 13/5)، ما يلي: «قبل البدء في النقاش تم عرض فيلم مقابلات وتعليقات لإبراهيم دسوقي حول انعكاس ترجمة رواية عاموس بالإضافة الى ردود حازم صاغية وعبده وازن والياس خوري. واعتبر صاغية في الفيلم، ان هذه الرواية كتاب يهز وجدان القارئ العربي(!!!) وانه لا توجد مشكلة مع الترجمة عن العبرية(!!)».
وأشكّ كثيراً في أن يكون الزميل حيدر قد رآني بأمّ العين، صورةً وصوتاً، وأنا أتفوّه بهاتين العبارتين. ولا أدري ما إذا كان التلفزيون الذي أنتج هذا الفيلم، الذي لم أره، قد قوّلني هذا، كما لا أدري ما إذا كان الزميل قد بالغ في الاستنتاجات التي حصّنها بعلامات التعجّب الكثيرة. كلّ ما أعرفه أنّي لم أقل العبارة الأولى، لا كتابيّاً ولا شفويّاً، لا من قريب ولا من بعيد. أمّا في خصوص العبارة الثانية، فأنا دافعت وأدافع، كتابيّاً وشفويّاً، وبالصوت والصورة، ودائماً وأبداً، عن الترجمة بالمطلق، لا الترجمة عن العبريّة فحسب، بل عن أيّ لغة.
وفقرة كتلك المنقولة أعلاه سبب إضافيّ كي نؤمن بأهميّة الترجمة، أيّ ترجمة، بوصفها توسيعاً لآفاقنا وتعليماً لنا يبدأ من الألفباء.
السفير