البارتي وإستحاق المرجعية الكوردية في سوريا
نـوري بـريـمـو
في إطار الحراك الجاري للدفاع عن قضيتنا القومية العادلة التي تخص حاضر ومستقبل حوالي ثلاثة ملايين نسمة من بنات وأبناء شعبنا الكوردي الذي يُعتبَر ثاني أكبر مكوّن قومي محروم من أبسط حقوقه الطبيعية في سوريا المحتاجة لعملية تغيير حقيقية من شأنها التأسيس لنظام ديموقراطي مبني على التعددية السياسية والتوافقية والمشاركة في إدارة الشؤون والتداول السلمي للسلطة
وإلغاء نمطية استفراد أية أكثرية بالحكم وتوفير الحريات والعدل والقانون للجميع والاعتراف الدستوري بوجود وحقوق شعبنا وتلبية أمال وطموحات كافة السوريين بدون أي تمييز على أي أساس كان…، وفي سياق مراكمة وتكثيف مختلف الجهود الخيّرة المبذولة من أجل تلاقي وتوحيد صفوف حركتنا الكوردية المحتاجة لمرجعية جامعة بمقدورها أن تضع حداً لأزماتنا الناجمة عن الانشقاقات والاصطفافات الاعتباطية.
ضمن هذا المضمار السياسي يبذل الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) محاولات جادة في سبيل تقريب وجهات نظر أحزاب حركتنا الكوردية في سوريا، منطلقا في مسعاه البناء هذا من ثوابته الوحدوية المتأصلة في سياسته الرامية للحدّ من ظاهرة الانقسام السرطاني التي لا تزال تنخر في جسد هذه الحركة التي نعتبرها مكسباً لا بل إنجازاً تاريخياً تعرّض ولا يزال يتعرّض لمحاولات النيل من دورها ومكانتها، بالترغيب تارة وبالترهيب تارات أخرى على يد الدوائر الشوفينية الحاكمة والحاقدة على شعبنا…، والتي ـ أي حركتنا ـ باتت تغوص وسط بحور الترهل والتلكؤ تحت تأثير عوامل سلبية وصعوبات لا حصر لها رغم بلوغها اليوبيل الذهبي من عمرها، ورغم مختلف محاولات إصلاح ذات البَين التي كانت تجري هنا وهناك وبين الحين والآخر والتي لم تجلب لنا أية فائدة مرجوّة حتى الحين، علماً بأنّ مطلب لمّ شملنا ورصّ صفوفنا كان ولا يزال غاية جماعية ملحّة يؤكد عليها كل الكورد في كل زمان ومكان ومناسبة.
ورغم سوء أحوال حركتنا وتباطؤ أدائها…، وبما أنّ لكل مرحلة تمضي حسابات خاصة بها ومواقف معينة منها ومسارات محددة لها…، فإنّنا في البارتي قررنا منذ البداية أن نسير في هذه الدرب الوحدوية المشرّفة ونعلن اليوم للملأ بأننا سوف نتابع المسيرة ولن نيأس وسنبقى نتفاءل بالمستقبل ونتطلع إلى الأفضل ونعيّن خيراً في إجراء المصالحة حول طاولة كوردية مستديرة رغم الاختلافات القائمة بين فرقائها لا بل هم شركائنا في العمل والمصير…، ونعتبر بأنّ هذا التطلّع هو حق مشروع لا بل واجب مفروض علينا جميعاً دون أي استثناء، وهو في الوقت ذاته شكل نضالي راقي جداً من أشكال الحراك الديموقراطي الذي ينبغي الالتزام بأسسه وبأخلاقياته وضوابطه للتغلب على إشكالياتنا الذاتية الكثيرة التي بتنا نعاني من وطأتها جيلاً بعد جيل وهكذا دواليك…!؟، خاصة وأننا أضحينا على عتبة لا بل إننا دخلنا في متن راهن دولي وشرق أوسطي وكوردستاني وسوري من طراز جديد بكل معطياته وحيثياته التي توحي لمجرّد قراءته بشكل أولي، إلى أنه قد يؤدي بتداعياته المتشعبة إلى تحويلة سياسية نوعية، ينبغي التعامل معها وفق منطق عقلاني وموضوعي، لكونها أي هذه التحويلة السورية الحساسة قد تجلب لاحقاً مختلف المستجدات والاحتمالات لنا ولغيرنا، وقد تنعكس بشكل إيجابي على قضية شعبنا التواق إلى الحرية والعيش بأمان واستقرار، هذا فيما إذا كنا أهلاً متضامنين مع بعضنا ومخلصين لقضيتنا ونمتلك الأهلية المطلوبة لمراجعة الذات واستثمار أيّ استحقاق مقبل.
وفي هذه الدرب الشائكة والوعرة أيضاً…أي في درب نبذ الواقع الانشقاقي عبر تغليب التناقض الرئيسي على ما دونه من التناقضات، وبهدف تقويم الحراك الكوردي العام وتنظيمه في إطار مؤسساتي ديموقراطي، أكد البارتي مراراً ويؤكد تكراراً على ضرورة الالتزام بالتوجهات الوحدوية وتعزيز مفهوم التنافس الديموقراطي ضمن إطار الكل الكوردي المختلف…، وعلى وجوب البحث عن السبل المعرفية الكفيلة بحل أزمة حركتنا والارتقاء بها إلى سويّة نضالية أرقى، وعلى لزوم الإقرار بحاجتنا الماسة إلى مرجعية موحدة تقود نضالنا القومي الديموقراطي في البلد عبر تمثيل الكورد في مختلف المحافل السورية القائمة والمقبلة على وجه السرعة.
واليوم وفي مناخات هذا الراهن السوري…!؟، يرى البارتي بأنّ الواجب القومي والوطني يقتضيان منا جميعا ـ أياً كانت التزاماتنا وأينما كانت مواقعنا الحزبية والمجتمعية ـ تلبية الدعوة إلى عقد مؤتمر وحدوي بدون وجود أية اشتراطات مسبقة الصنع، بحيث يجري التحضير له تحت شعار: نحو مرجعية كوردية شاملة، إذ من المرتجى أن ينبثق عن مثل هكذا حضور مسؤول قرارات ومرجعيات ومواثيق وخطط عمل آنية ومستقبلية كثيرة قد تنفع في تقويم مسار الكورد.
وفي هذا المجال يمكن اعتبار مثل هذا التوجّه الوحدوي السهل الممتنع في آن واحد، بأنه خيار سياسي رابح قد يخدم استحقاق المرجعية الكوردية، لأنه يُعتبَر في الوقت الراهن هدف أهلي عام وأفضل بلسم قد يشفي جراح جسد حركتنا المبتلية بالعديد من الأوبئة، وذلك في ضوء ما هو متوفر من الحلول والإمكانيات، على طريق إنقاذ بيتنا الكوردي من حالة اليأس التي يعاني منها والذي كان ولا يزال أسيراً لخلافات مجاكراتية عالقة أدت فيما أدت إلى التعدّدية الحزبية المفرَطة لا بل إلى حالة مرَضية مخيفة يمكن توصيفها بالتشظي التنظيمي، علماً بأنّ هذا البيت يحتاج إلى المزيد من الألفة والتفاهم لتحصينه وتفعيله سياسياَ، عسانا نتمكن من معالجة آثار الشلل الذي أصاب نضال حركتنا رغم أنها تعيش عمرها الخمسيني.
وبهذا الصدد المصيري للغاية…، وبما أن غالبية أحزابنا وخاصة الرئيسية المعنية منها بشأن عقد هكذا مؤتمر كوردي مسؤول، قد أصبحت تدرك إلى حدّ لا بأس به، حجم وماهية مخاطر حالة التشتت وما يترتب عليها من عواقب أخرى قد تكون وخيمة، حيث لا مضرّة توازي أضرار التفرقة، فهي قد تلقي بشعبنا إلى العدمية القومية لا بل إلى الانقراض المتربص به…، فإنّ أشد ما يؤلم البارتي هو بروز قلّة من المجموعات الحزبوية الضعيفة والمشاغبة في آن واحد والتي قد تبقى تراهن حتى اللحظة الأخيرة على رهان في إعاقة جهود الإصلاح والمصالحة، لأنّ جلَّ مصالحها الضيقة وغاياتها القاصرة تكمن في إبقاء بيتنا الكوردي يعاني من مرَض التشتت…!؟، في حين بات الكل يدرك بأنّ التوافق هو الربّـان القادر على إنقاذ سفينة الكورد من الغرق وهو السلاح الأقوى لردع كل النوايا التخريبية المعيقة ( الداخلية والخارجية ) التي تسعى إلى التشكيك بأحزابنا وبأطرنا القائمة كالجبهة والتحالف مثلاً…، وترسم بلا رادع لزعزعة الثقة فيما بين الأطراف ولمنع توصل مؤسساتنا إلى الاتفاق وفق صيغ وقواسم مشتركة وجامعة كثيرة.
ولعلّ المؤلم في الأمر هو أنّ البعض القليل من المعيقين أو المعاقين أصلاً، يحاولون توسيع دائرة أفعالهم السلبية، فيطرحون بين الحين والأخر بعضاً من أفكارهم الأنانية التي تطالب بفك مؤسساتنا القائمة وإعادة تركيب بديلات عنها قد تختلف عن هذه الموجودة بالإسم فقط، وكأن ساحتنا تحوّلت إلى حقل تجارب مخبري ليس إلاّ…، وذلك دون أن يأبهوا بما يدور حول عنق شعبنا و تخومه من مناورات ومؤامرات ودون أن يتنبهوا إلى ما حلّ بنا من فقدان للشخصية والحقوق وما ينتظرنا من مهام وواجبات قومية ووطنية هي بمجملها أكثر أهمية بكثير من مشاغباتهم وعبثهم السياسي الذي ليس له لا أول ولا أخر.
وللعلم فإن محاولات التلاقي الكوردي كانت عديدة ومتلاحقة فيما مضى…، البعض منها لقي النجاح ونال رضى الجماهير الكوردية، أما البعض الآخر فلم يُرضِ حتى أصحابها ولذا فقد أصابها الفشل والانحسار لأسباب متنوعة لسنا بصدد ذكرها الآن، وقد كانت كلها ثمرات نضال طويل وجهود خيّرة قام بها خيرة الأناس المناضلين المصطفين مع هذا التيار أو ذاك…!؟، ولكن أكثرية تلك المحاولات لم تلبي حاجة الكورد كما هو مطلوب، فهي لم ترتق إلى مستوى الطموح المأمول ولم تتمكن من أن تجني الثمرة المرجوة…، ولذا فواقع الحال يقتضي المزيد من المحاولات الاستحواذية بعيداً عن اليأس والتردد…، وذلك لن يتم ما لم نعتبر أنّ ما أصابنا ويصيبنا من إرهاصات وحالات فشل هي ليست سوى بروفات أوليّة لا بدّ منها في حالتنا البائسة التي نعاني منها جميعاً.
إلاّ أنّ هذه الدعوة الوحدوية ـ الجديدة بشكلها والقديمة بمضمونها ـ والتي ينبغي أن نبذل قصارى جهدنا من أجل بلوَرتها وجعلها مقبولة بشكل فعلي لدى كافة الأطراف الوطنية الكوردية…، يمكن اعتبارها خطوة عملية أخرى على طريق التأسيس لمشروع كوردي مشرِق…، وإن مثل هذه الخطوة أي الدعوة إلى عقد هكذا مؤتمر تنبثق عنه مرجعية، هي مهمة جماعية مشرّفة لا يجوز أن يتباطئ أحداً في التحضير لها وحضورها.
لكن ثمة أسئلة هامة قد تبرز من قِبَل هذه الجهة أو تلك، أبرزها: أليس للكورد مصلحة حقيقة في تلبية هذه الدعوة في هذا الوقت بالذات…؟!، أليست نابعة من منطلق الحاجة القومية الماسة…؟!، ألا يمكن تشبيهها بصيحة استغاثة حقيقية…؟!، وهل السبيل لانجاح مثل هذا الطرح وتحقيق ما نبتغيه يمكن أن يتحقق بالأقوال فقط أم أنّ للإرادة الوحدوية والمصداقية والجدَّية في الطرح والترجمة العملية دوراً أساسياً في الظفر بالمراد والمبتغى..؟!، وهل سنستطيع أن نواكب الحدث وننجح في التوصل لهكذا مرجعية من دون أن نعالج مختلف عاهاتنا المستديمة ونتشافى من حمى الأنانية الشخصية التي التهمت بنيرانها المسعورة كل أخضرنا ويابسنا…؟!، وهل للعوامل الموضوعية أيضاً تأثير في تسريع أو إبطاء مثل هكذا عملية تفعيل سياسي نحن أحوج ما نكون إليه اليوم قبل غد…؟!، أم أنّ علينا أن ننتظر أكثر مما انتظرناه ليفرج الله (عزّ وجل) عن كُرْبِنا الذي نتخبط فيه تواكلاً ودون أي عناء للتوكل من جانبنا…؟!، أم أنّ العمل الدؤوب هو خير جواب لمثل هذه الأسئلة المطروحة بإلحاح وهو أفضل خطاب ينبغي أن يسود في كل الحالات وفي مختلف المحن…!؟.
وبالمناسبة وبنيـّة التذكير…، فإنّ تجارب كل الشعوب وتجربتنا الذاتية الغنية بالعبر والدروس، تؤكد بأنّ تصافي النيات والقلوب ومراجعة الذات والمصداقية العملية وإتباع الأسلوب الجماعي في الحراك واعتماد منهجية سياسية موحّدة وتناول خطاب منفتح في ظل أجواء من التعايش والتوافق هي السبيل الأكثر أماناً وأمناً وهي سرّ ومفتاح عبور بوابة الخروج من خنقتنا السوداء هذه…، إضافة إلى أنه لا يجوز أبداً التقليل من حجم ومخاطر أزمات مجتمعنا الكوردي الأخرى حيث التخلف والتبعية والركود والفقر وحالات العوز المدقع التي تنهكه وتشّل كل قدراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية…الخ، حيث يمكن اعتبارها برواسبها وخلفياتها وآثارها المتعدّدة المخاطر، كابوسٌ ثقيل الظّل ، ظلّ ولا يزال يخيم على العلاقات الكوردية ـ الكوردية، في حين لا يمكننا إزاحته إلاّ بالسعي الجماعي بذهنية منفتحة من شأنها توليد طاقة معرفية كافية وإمكانيات مادية أكبر لتؤدي إلى طاقة حركية أكثر زخماً وإنتاجيةً، شريطة أن تتوفر النوايا الحسنة لدى جميع الفرقاء المعنيين بالأمر.
وبما أنّ البارتي يتبنى العمل من حيث المبدأ لخدمة هذا الاستحقاق القومي ويطالب باقي الأطراف الوطنية الكوردية بقبول مثل هذا المَخْرَجْ وأخذه على محمل الجدّ بقصد التنفيذ، فإنّ من حقه الطبيعي أن يؤكد على نواحي جوهرية وهامة وهي أنْ يتم وضع المصلحة الكوردية في مقدمة أولويات المهام وأن يجري الانطلاق في هذا المنحى من منطلق الحاجة إلى لمّ الشمل وليس من قبيل الدخول في لعبة الوقت…، وهذا لن يتم ما لم نطمح كلنا إلى المشاركة الفعلية لكل فعالياتنا، والخوض معاً في حالة حوار حضاري مفتوح يتناول كل المسائل والحيثيات ويناقش كل الاحتمالات ليساهم في صنع القرار السياسي الكوردي الصائب.
ومن قبيل التأكيد على ما سبق…، لا بد من القول بأنّ حزبنا حينما يسعى إلى تناول مثل هكذا خطاب وحدوي ينسجم مع تطلعات شعبنا ويتلاءم مع مناخات هذه الأيام، لا يركض وراء أية مصلحة حزبية ضيقة ولا من قبيل التمظهر بالشعارات الوقتية والمصدّات الكلامية، وإنما هو يدعو باقي شركاء القضية إلى التشاور على أرضية فتح صفحة جديدة، بهدف خدمة المصلحة القومية العليا لشعبنا منعاً من انصهاره في بطون غيرنا.
وبناءاً عليه فإن معشر الكورد جميعاً بحاجة أكيدة إلى المزيد من التحالف السياسي وليس التخالف الحزبوي…، وهم مدعوّون اليوم للتوجه بمسؤولية صوب هكذا خيار وحدوي هادف لتنشيط الحال السياسية الكوردية في كوردستان سوريا، وذلك بدءاً من تقوية ذاتنا وتخليصها من جوانب الضعف ومن ثم توليفها وفق المطلوب للالتقاء مع غيرنا أي مع الأكثرية العربية من مكونات هذا البلد ومحاورتهم والتفاوض معهم حول مختلف هموم وشجون المجتمع السوري وحول كيفية وضع الحلول الديموقراطية لقضيتنا القومية العادلة ولباقي المسائل والمشاكل السورية العالقة.
خاص – صفحات سورية –